بيروت - بديع قرحاني، وكالات

يصوت اللبنانيون الأحد في انتخابات برلمانية هي الأولى منذ نحو عقد من الزمن، بموجب قانون انتخاب جديد يعتمد صيغة اللوائح المغلقة والنظام النسبي للمرة الأولى، ويحق لنحو 3.7 مليون لبناني التصويت في الاستحقاق البرلماني، على وقع تحديات جسام أبرزها تهديدات "حزب الله" اللبناني، وإرهاب منافسيه.

ومع بدء العد التنازلي لبدء عملية الاقتراع في الانتخابات التشريعية بلبنان، تصاعدت وتيرة الترهيب والتهديد من جانب ميليشيات "حزب الله" تجاه المنافسين، لا سيما في الوسط الشيعي، ما يعكس حجم القلق الذي يعتري الجماعة المرتبطة عضوياً بنظام ولاية الفقيه في إيران، من كشف وهم الشعبية الجارفة.

وسمح القانون الجديد للبنانيين المقيمين في الخارج بالمشاركة في الانتخابات للمرة الأولى شرط أن يكونوا سجلوا أسماءهم مسبقاً لدى البعثات اللبنانية. وانتخب المغتربون على مرحلتين في 27 و29 أبريل.

ويعد الأحد يوماً استثنائياً للشعب اللبناني حيث سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في المجلس اللبناني، وهي الأولى منذ عام 2009، حيث مدد للمجلس الحالي مرتين متتاليتين.

ويعد مصطلح تحالفات "هجينة" هو الأكثر استخداماً لدى غالبية الشعب اللبناني، حيث حدد خارطة التحالفات الانتخابية اللبنانية، والتي تجمع الأضداد، وتقرب بين المتخاصمين، وتبعد الحلفاء، وتتجه إلى تكريس "المصلحة الانتخابية".

غير أن صدمة التحالفات، ليست إلا جزءاً يسيراً من تعقيدات المشهد الانتخابي الذي يبدأ من قانون الانتخاب الجديد وهو قانون يعتمد للمرة الأولى منذ إعلان دولة "لبنان الكبير" عام 1920. ويشكل إقرار القانون الجديد النسبي مع صوت تفضيلي واحد للائحة نفسها، شكل هذا القانون نقلة نوعية مهمة في مسيرة الحياة السياسية اللبنانية وتحولاً إلى النسبية بعد 91 سنة من أنظمة تقوم على الأكثرية، وفي طليعة تداعيات هذا القانون الجديد أنه سيقلص أحجام الكتل النيابية الكبيرة، مثل كتلتي "تيار المستقبل" و"التيار الوطني الحر"، ويتيح المجال لكتل سياسية أخرى.

هذه الانتخابات ستنتج مشهداً جديداً للتحالفات السياسية في لبنان، كما انه متوقع ان يلغي الاصطفافات السابقة التي شهدها لبنان منذ عام 2005، ذلك أن التسوية الرئاسية اللبنانية، ستنتج قطبين جديدين، أولهما تحالف "التيار الوطني الحر" و"تيار المستقبل" على ضوء التقارب الموضوعي بين الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري.

من جانبه، قال المرشح في دائرة الجنوب الثالثة، علي الأمين، لموقع "سكاي نيوز عربية" إنه تعرض لضغوط وتهديدات مباشرة من حزب الله، "ومازلت أتعرض لضغوط حتى قبل ساعات من الانتخابات".

واعتبر الأمين أن "حزب الله" يريد أن "يقضي على فكرة وجود خصوم سياسيين في مناطق نفوذه"، الأمر الذي يدفعه على ترهيب الأوساط المعارضة وخنقها.

واتخذ عدد من المرشحين الشيعة مواقف لفضح التهديدات التي يتعرضون لها، في الضاحية الجنوبية ومناطق بقاعية لمنعهم من احتمال خرق قوائم حزب الله الانتخابية، في حين عمد آخرون إلى الانسحاب تحت الضغط.

وأعلن المرشح في دائرة البقاع الثالثة في بعلبك الهرمل شرق لبنان، محمد حمية، في بيان، انسحابه من الانتخابات النيابية، التي تنظم في ظل هيمن حزب الله على البلاد.

وقال في بيان إن انسحابه جاء "حرصاً منا ودرءاً للفتنة والحفاظ على أهلي وإبعاد بلدتنا عن الجو المتشنج". وتعهد حمية بأن يبقى معارضاً "لكل أنواع الفساد والهيمنة".

وحمية مرشح عن المقعد الشيعي ضمن لائحة "الكرامة والإنماء" المدعومة من "القوات اللبنانية" و"تيار المستقبل"، في بعلبك الهرمل.

ويضغط "حزب الله" على الناخبين في منطقة بعلبك الهرمل شرقي لبنان، إذ دعاهم إلى التصويت له ضمن خطاب مصحوب بالتخوين، وهو ما قاله حسن نصرالله صراحة في إحدى خطاباته في المنطقة.

وفي الضاحية الجنوبية، معقل "حزب الله"، دعا النائب السابق في مجلس النواب اللبناني، باسم السبع، الناخبين، إلى مقاطعة الانتخابات والتزام منازلهم، على خلفية تهديدات من الحزب.

وقال السبع، وهو قيادي سابق في قوى "14 آذار"، إنه تعرض لضغوط وتلقى رسائل تهديد هو وغيره من الناخبين والمعترضين على سياسات حزب الله في مناطق نفوذه.

والأمر بالنسبة للميليشيا المسلحة خطير، بحسب الأمين، لأنها تعتبر "البيئة الشيعية منطقة مغلقة لها بالكامل، وهذه البيئة هي التي يستند عليها حزب الله على المستويين السياسي والأمني".

وقال الأمين إن ممارسات "حزب الله" تشير إلى "قلق واضح داخل مناطق نفوذ الحزب، ظهر في طريقة التعبئة، فهناك تململ بسبب عدم وجود نتائج إيجابية لسياسة حزب الله خاصة تدخله في سوريا، بينما تفتقد هذه المناطق للخدمات".

ورغم فوزه المتوقع نتيجة إمساكه بتلابيب اللجان الانتخابية إضافة إلى نفوذه العسكري والأمني، فإن الأمين يرى في وجود منافسين من خارج الحزب رسالة ناجحة بمعزل عن نتائج الانتخابات.

من جهته، قال المحلل السياسي حنا صالح لـ"سكاي نيوز عربية" إن "أجواء الترهيب التي يمارسها حزب الله تعد اعترافاً صريحاً منه ببدء فقدان الحاضنة الشعبية".

ويتوقع صالح حدوث مفاجآت في هذه الانتخابات، بدت إشاراتها تظهر في "الذعر" الذي أصاب الميليشيا المسلحة.

وكانت 2009، السنة الأخيرة التي شهد فيها لبنان انتخابات برلمانية قبل أن يمدد المجلس الحالي ولايته لثلاث مرات.

ويبلغ عدد مقاعد البرلمان اللبناني موزعة مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، نحو 128 مقعداً، فيما يبلغ عدد السيدات في مجلس النواب الحالي 4 سيدات.

ويصل عدد الدوائر الانتخابية في مختلف المناطق اللبنانية، ‘لى نحو 15 دائرة، بينما هناك 77 لائحة انتخابية مغلقة. وأكبر عدد للوائح في دائرة بيروت الثانية حيث رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يترأس لائحته.

ويبلغ عدد المرشحين في الانتخابات نحو 597 مرشحاً انضووا في لوائح بينهم 86 امرأة في رقم يعد قياسياً مقارنة مع الانتخابات الماضية. وهناك 17 وزيرا في الحكومة الحالية رشحوا انفسهم للاستحقاق البرلماني الحالي.

ويبلغ عدد المغتربين اللبنانيين نحو 82900، في 40 دولة ممن سجلوا أسماءهم للاقتراع في الانتخابات، نصفهم يقيمون في أستراليا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا، فيما تبلغ نسبة اللبنانيين المغتربين الذين شاركوا في الانتخابات، نحو 59%.

وبعد عقود اعتمد فيها النظام الأكثري، يجري لبنان انتخاباته النيابية المقبلة والأولى منذ عام 2009 وفق قانون جديد يستند على النسبية دون أن يتخلى عن الكوتا المذهبية في توزيع مقاعد البرلمان الـ128 مناصفة بين المسيحيين والمسلمين.

ويُقسم لبنان وفق القانون الجديد إلى 15 دائرة انتخابية، يتراوح عدد المقاعد فيها بين خمسة و13 مقعداً.

ويُحدد عدد المقاعد في كل دائرة بحسب التقسيم المذهبي. فتوزع مقاعد دائرة زحلة في البقاع شرقا على سبيل المثال على الشكل التالي: 2 للكاثوليك، 1 للموارنة، 1 للشيعة، 1 للسنة، 1 للأرثوذوكس، 1 للأرمن الأرثوذوكس.

ويفرض القانون الجديد تشكيل لوائح مغلقة، ما أطاح بإمكانية الترشح الفردي وأجبر المستقلين والناشطين على الانضواء في لوائح. وبالتالي تشكلت لوائح لا يجمع بينها أي برنامج سياسي مشترك، وضمت أحياناً كثيرة أضداداً في السياسة.

ويمكن تشكيل لوائح غير مكتملة شرط ألا تقل عن 3 مرشحين.

ويعتمد القانون الجديد، بعكس القانون السابق الذي كان يُعرف بقانون الستين، على الحاصل الانتخابي "عدد الناخبين/عدد المقاعد" وهو العتبة الانتخابية التي يفترض لكل لائحة أن تحصل عليها لضمان حصولها على مقعد في البرلمان وفقاً لنسبة الأصوات.

وتخرج اللوائح التي لا تحصد الحاصل الانتخابي من السباق.

ولا يمكن للناخبين وفق القانون الجديد اختيار أسماء معينة من اللوائح أو شطب أخرى كما اقتضت العادة، بل على الناخب اختيار اللائحة كاملة. وإذا رغب يمكنه أن يحدد شخصا واحدا يمنحه "صوته التفضيلي". ويضمن المرشح الذي يحصل على أعلى نسبة من الأصوات التفضيلية أن تكون له أولوية الفوز بين أعضاء اللائحة.

ودفع "الصوت التفصيلي" أعضاء اللائحة الواحدة للتنافس في ما بينهم من أجل الحصول عليه.

ويشترط لنجاح المرشح الحصول على أعلى الأصوات التفضيلية بين المرشحين من مذهبه.

وبموجب القانون الجديد، تشكلت للمرة الأولى هيئة إشراف على الانتخابات شبه مستقلة عن وزارة الداخلية، تضم ممثلة عن المجتمع المدني ما لبثت أن استقالت من منصبها في 20 أبريل احتجاجاً على "عدم توفير الموارد الضرورية لتمكين الهيئة من القيام بمهامها.. وتقليص صلاحياتها". وسيتم فرز الأصوات على مرحلتين، الأولى يدوياً في أقلام الاقتراع والثانية إلكترونياً لدى لجان القيد، فيما كان يعتمد القانون السابق الفرز اليدوي فقط.