* الملك عبدالله الثاني يدعو لمراجعة "ضريبة الدخل" على خلفية الاحتجاجات
* تظاهرات ليلية جديدة في الأردن ضد مشروع قانون ضريبة الدخل
عمان – غدير محمود، (أ ف ب)
كلف العاهل الأردني جلالة الملك عبدالله الثاني الدكتور عمر الرزاز بتشكيل حكومة أردنية جديدة، خلفا لحكومة الدكتور هاني الملقي، التي قبل جلالته استقالتها الاثنين.
ودعا العاهل الأردني رئيس الوزراء المكلف إلى "مراجعة شاملة" لمشروع قانون ضريبة الدخل الذي يثير احتجاجات شعبية في عموم البلاد منذ أيام.
وقال الملك عبد الله في الكتاب الرسمي لتكليف عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة "على الحكومة أن تطلق فورا حوارا بالتنسيق مع مجلس الأمة بمشاركة الأحزاب والنقابات ومختلف مؤسسات المجتمع المدني، لإنجاز مشروع قانون ضريبة الدخل".
وأضاف "على الحكومة أن تقوم بمراجعة شاملة للمنظومة الضريبية والعبء الضريبي بشكل متكامل ينأى عن الاستمرار بفرض ضرائب استهلاكية غير مباشرة وغير عادلة لا تحقق العدالة والتوازن بين دخل الفقير والغني".
وتشهد عمان ومدن أردنية أخرى منذ أيام تظاهرات جديدة ضد قانون ضريبة الدخل المزمع طرحه قريبا على مجلس النواب أدت إلى استقالة رئيس الحكومة هاني الملقي وتكليف الرزاز، الخبير في شؤون الاقتصاد، تشكيل حكومة جديدة، وهو ما دفع العاهل الأردني إلى التحذير من "دخول البلاد في المجهول".
ونظمت التظاهرات على الرغم من استقالة رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي الاثنين على خلفية الاحتجاجات المتواصلة منذ حوالى أسبوع ضد ارتفاع الأسعار وقانون يزيد من الاقتطاعات الضريبية على المداخيل تشمل الرواتب الصغيرة.
وأفادت مصادر بأن نحو ألفي شخص تجمعوا قرب مبنى رئاسة الوزراء وسط عمان مساء الاثنين حتى الساعة الثانية والنصف فجر الثلاثاء وسط إجراءات أمنية مشددة. ورددوا هتافات غاضبة ضد صندوق النقد الدولي مثل "فليسقط صندوق النقد الدولي".
ويفترض أن يدرس مجلس النواب قانون الضريبة قريبا. واتخذت الحكومة خلال السنوات الثلاث الماضية سلسلة تدابير شملت إجراءات تقشف ورفع أسعار خصوصا بالنسبة إلى المحروقات والخبز وذلك استجابة لتوجيهات صندوق النقد الدولي بإجراء إصلاحات اقتصادية تمكن المملكة من الحصول على قروض جديدة في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة وتجاوز الدين العام 35 مليار دولار.
وردد المتظاهرون الذي حملوا أعلاما أردنية ليلا "بدنا حقوق وواجبات مش مكارم ولا هبات"، و"طاق طاق طاقية حكومات حرامية".
وشهدت مدن إربد وجرش والمفرق شمالا والزرقاء شرقا والكرك والطفيلة والشوبك جنوبا احتجاجات مماثلة.
ووفقا للأرقام الرسمية، ارتفع معدل الفقر مطلع العام في الأردن إلى 20%، ونسبة البطالة إلى 18.5% في بلد يبلغ معدل الأجور الشهرية فيه نحو 600 دولار والحد الأدنى للأجور 300 دولار. واحتلت عمان المركز الأول عربيا في غلاء المعيشة والثامن والعشرين عالميا، وفقا لدراسة نشرتها مؤخرا مجلة "ذي إيكونومست".
وتتكرّر التظاهرات المسائية في مناطق مختلفة في الأردن منذ حوالى أسبوع بعد إفطار رمضان، وتمتد حتى ساعة متأخرة من الليل. وكانت تطالب باستقالة الحكومة.
وقدم الملقي استقالته الاثنين إلى الملك عبد الله الذي كلف وزير التربية عمر الرزاز الخبير في الاقتصاد تشكيل حكومة جديدة.
والثلاثاء، دعا العاهل الأردني إلى "مراجعة شاملة" لمشروع قانون ضريبة الدخل.
وقال الملك عبد الله في كتاب تكليف عمر الرزاز إن "على الحكومة أن تقوم بمراجعة شاملة للمنظومة الضريبية والعبء الضريبي بشكل متكامل، ينأى عن الاستمرار بفرض ضرائب استهلاكية غير مباشرة وغير عادلة لا تحقق العدالة والتوازن بين دخل الفقير والغني".
وأوضح الملك أن "بلورة مشروع قانون ضريبة الدخل هو خطوة ومدخل للعبور نحو نهج اقتصادي واجتماعي جديد، جوهره تحقيق النمو والعدالة".
وقال رئيس مجلس النقابات المهنية علي العبوس ان "مجلس النقباء سيجتمع عصر لمناقشة وتدارس آخر التطورات والمبادرات بعد استقالة حكومة الملقي وتصريحات الملك عبد الله فيما يخص مشروع قانون ضريبة الدخل وضرورة فتح حوار مع النقابات والمجتمع المدني حوله"، مشيرا إلى أن "هذه الأمور كلها إيجابية بالنسبة لنا".
وقال الملك عبد الله مساء الاثنين خلال لقاء مع ممثلين عن وسائل الإعلام إن "الأردن واجه ظرفا اقتصاديا وإقليميا غير متوقع، ولا يوجد أي خطة قادرة على التعامل بفعالية وسرعة مع هذا التحدي".
وأضاف "الأردن اليوم يقف أمام مفترق طرق: إما الخروج من الأزمة وتوفير حياة كريمة لشعبنا، أو الدخول، لا سمح الله، بالمجهول"، وأشار إلى انخفاض "المساعدات الدولية للأردن رغم تحمل المملكة عبء استضافة اللاجئين السوريين".
ويعتمد الأردن الذي يستورد معظم احتياجاته النفطية من الخارج، بشكل كبير على المساعدات الخارجية خصوصا من الولايات المتحدة ودول الخليج.
وتلقى العاهل الأردني خلال الأيام القليلة الماضية اتصالات هاتفية من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان واستقبل نائب رئيس مجلس الوزراء الكويتي أنس الصالح. وتناولت المحادثات على الأرجح الأزمة الأردنية.
وبحسب الأمم المتحدة، هناك نحو 630 ألف لاجئ سوري مسجلين في الأردن، بينما تقول المملكة إنها تستضيف نحو 1.4 مليون لاجئ منذ اندلاع النزاع في سوريا في مارس 2011. وتقول عمان إن كلفة استضافة هؤلاء تجاوزت العشرة مليار دولار.
وأشار العاهل الأردني إلى أن "الأوضاع الإقليمية المحيطة بالأردن، من انقطاع الغاز المصري الذي كلفنا أكثر من أربعة مليارات دينار "5.6 مليار دولار"، وإغلاق الحدود مع الأسواق الرئيسية للمملكة "في إشارة إلى سوريا والعراق" والكلفة الإضافية والكبيرة لتأمين حدودها، كانت وما زالت السبب الرئيسي للوضع الاقتصادي الصعب الذي نواجهه".
وتعرض الأنبوب الذي يزود الأردن وإسرائيل بالغاز المصري إلى سلسلة من الهجمات في شبه جزيرة سيناء المصرية، بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك في 2011. وكان الأردن يعتمد على غاز مصر في إنتاج 80 % من الكهرباء التي تحتاج إليها المملكة، قبل أن يتحول إلى الوقود الثقيل الذي تقول الحكومة أنه يكبدها خسائر تقارب مليون دولار يوميا.
وحركة الاحتجاجات الحالية هي الأكبر منذ نهاية عام 2011 عندما رفعت الحكومة الدعم عن المشتقات النفطية.
وفيما يلي نص كتاب التكليف
"بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزنا دولة الأخ الدكتور عمر الرزاز حفظه الله،
تحية طيبة وبعد،
أبعث إليك بتحية أردنية عربية هاشمية، ملؤها الفخر والاعتزاز بما سطّره الأردنيون، عبر الأيام الماضية، من ممارسة راشدة للمواطنة الفاعلة وأداء وطني متفان من الأجهزة الأمنية، تكللها مشاعر الأمل بأن الأسرة الأردنية الواحدة قادرة على تجاوز الصعاب يدا بيد، والنهوض نحو حاضر أفضل وغد مشرق.
لقد عرفتك رجلا وطنيا قريبا من الشعب والشباب خاصة، وصاحب رؤية وبصمة في كل مواقع المسؤولية التي شغلتها في عدد من المؤسسات الأردنية الرائدة. وتحصَّلت على خبرة وطنية وعالمية عميقة، ستكون بإذن الله وتوفيقه عونا لك في المسؤولية الوطنية الكبيرة التي تنتظرك.
أمّا وقد قَبِلنا استقالة حكومة دولة الأخ الدكتور هاني الملقي، فإننا نعهد إليك بتشكيل حكومة جديدة تنهض بالمسؤوليات الوطنية الكبيرة في هذا الظرف الدقيق وتستكمل مسيرة الإصلاح والبناء والتطوير.
وأوجهكم، وأنتم تَنْبَرون لهذه المهمة الوطنية، لإطلاق مشروع نهضة وطني شامل، قوامه تمكين الأردنيين من تحفيز طاقاتهم، ورسم أحلامهم والسعي لتحقيقها، وتلبية احتياجاتهم عبر خدمات نوعية، وجهاز حكومي رشيق وكفؤ، ومنظومة أمان اجتماعي تحمي الضعيف في ظل بيئة ضريبية عادلة. ولتحقيق ذلك، أضع أمامكم جملة من الأولويات والثوابت، لتكون نبراسا في العمل والتواصل مع شعبنا الأردني الأبي.
إن التحدي الرئيس الذي يقف في وجه تحقيق أحلام وطموحات الشباب الأردني هو تباطؤ النمو الاقتصادي، وما نجم عنه من تراجع في فرص العمل خاصة لدى الشباب. وعليه، فإن أولوية حكومتكم يجب أن تكون إطلاق طاقات الاقتصاد الأردني وتحفيزه ليستعيد إمكانيته على النمو والمنافسة وتوفير فرص العمل.
ومما لا شك فيه أن هناك أمورا أساسية تعيق تنافسية اقتصادنا وتحد من إمكانيته، وعلى رأسها ارتفاع التكاليف التشغيلية والإجراءات البيروقراطية المعيقة. وبالرغم من أن معالجة هذه المعيقات، في ظل الوضع المالي الراهن يشكل تحديا صعبا، إلا أنه يتوجب على حكومتكم البحث عن حلول خلاقة ضمن برنامج عمل مُحكَم.
وعلى الحكومة أن تطلق فورا حوارا بالتنسيق مع مجلس الأمة بمشاركة الأحزاب والنقابات ومختلف مؤسسات المجتمع المدني، لإنجاز مشروع قانون ضريبة الدخل الذي يعد تشريعا اقتصاديا واجتماعيا مفصليا. إذ إن بلورة مشروع قانون ضريبة الدخل هو خطوة ومدخل للعبور نحو نهج اقتصادي واجتماعي جديد، جوهره تحقيق النمو والعدالة.
وعليه، فإن على الحكومة أن تقوم بمراجعة شاملة للمنظومة الضريبية والعبء الضريبي بشكل متكامل، ينأى عن الاستمرار بفرض ضرائب استهلاكية غير مباشرة وغير عادلة لا تحقق العدالة والتوازن بين دخل الفقير والغني، ويرسم شكل العلاقة بين المواطن ودولته في عقد اجتماعي واضح المعالم من حيث الحقوق والواجبات.
إن الضغوطات التي يواجهها الأردن، يجب أن تكون حافزاً للارتقاء بنوعية الخدمات وليس عذرا لتراجعها. إن فرض الضرائب وتوفير خدمات نوعية أمران متلازمان. فأنا لا أقبل من مؤسساتنا إلا أن تقدم أعلى مستويات الخدمة. فلا بد لتعليمنا من بناء مستقبل مشرق لأبنائنا وبناتنا في بيئة تعليمية آمنة، ولا بد لمنظومة الرعاية الصحية من احترام إنسانية مرضانا وتقديم أعلى مستويات الرعاية الطبية، التي كنا وما زلنا السباقين فيها. ومن غير المقبول أن يستمر أهلنا في المعاناة للوصول إلى أعمالهم وجامعاتهم، نتيجة غياب شبكات نقل عام حضاري في شتى محافظاتنا. وحضارة الأمم تتجلى في احتضانها ورعايتها لأضعف أبنائها، فلا بد من توفير شبكات الأمان الاجتماعي لغوث الفقير من أهلنا.
وعلى الحكومة أن تضع الإصلاح الإداري والنهوض بأداء الجهاز الحكومي على رأس أولوياتها واعتباره مصلحة وطنية عليا؛ فلا مجال لأي تهاون مع موظف مقصر أو مسؤول يعيق الاستثمار بتعقيدات بيروقراطية أو تباطؤ يضيع فرص العمل على شبابنا والنمو لاقتصادنا. ولا تردد في محاسبة مسؤول لا يعمل لخدمة وراحة المراجعين لمختلف مرافق وخدمات الدولة أو لا يراعي في مالنا العام ذمة ولا ضمير. وفي هذا الإطار، على الحكومة الإسراع في إنجاز مشروع الحكومة الإلكترونية للارتقاء بنوعية الخدمات، والتخلص من البيروقراطية وضبط الإنفاق الحكومي بكل حزم.
لقد تحمل الأردن عبر السنوات الماضية ما تنوء عن حمله أكبر وأقوى الدول. إن الظرف الاقتصادي الصعب الذي نمر به ليس وليد اللحظة. بل هو نتيجة تراكم ظروف ضاغطة، جلّها خارجية وبفعل غياب الاستقرار في الإقليم، وتتركز في: ارتفاع فاتورة الطاقة إثر انقطاع الغاز المصري؛ والتراجع الحاد في صادراتنا بسبب إغلاق حدود بعض الدول المجاورة إثر التحديات الأمنية التي تواجهها؛ والكلفة المالية للجهود الأمنية الضرورية لحماية كل شبر من تراب الوطن.
إن القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، وجميع الأجهزة الأمنية الأردنية تثبت كل يوم بعطائها الموصول أنها الحامية لمسيرة البناء والإنجاز وسد منيع في وجه الحاقدين. وهي تستحق منا جميعا التقدير والعرفان. وستلتزم الدولة بكل مؤسساتها بدعمها وتمكينها لتستمر في أدائها المميز.
إن الحكومة مطالبة أيضاً بمواصلة مسيرة الإصلاح السياسي والبناء على ما تم إنجازه في الأعوام السابقة؛ وهنا لا بد من إعادة النظر في التشريعات الناظمة للحياة السياسية بما يعزز من دور الأحزاب ويمكنها من الوصول إلى مجلس النواب. ولا بد من دعم مجالس المحافظات والمجالس البلدية وتمكينها من القيام بواجباتها بشكل ينعكس على المواطن في محافظات وطننا الحبيب.
إن الحوار والتواصل وبناء التوافق هي من أهم الأدوات التي على الحكومة أن ترتكز إليها في انفتاحها وتواصلها مع السلطات الأخرى ومع المواطنين. فعلى الحكومة أن تستمع للمواطنين وتشرح، بكل شفافية وموضوعية، الآثار العميقة التي خلفتها وتخلفها الظروف الاقتصادية الصعبة التي مررنا ونمر بها، لأن فهم الواقع هو المفتاح لبلورة أي إجراءات أو تشريعات ضرورية لتجاوز الظرف الاقتصادي الصعب.
عزيزنا دولة الأخ،
إن ما سبق يمثل عناصر الرؤية الضرورية للتعامل السريع والفاعل مع التحديات الحالية الضاغطة، وتجاوز الوضع الحالي الصعب، وهي تتكامل مع العديد من التوجيهات التي لطالما أكدت عليها في عدة مناسبات ومنابر وطنية بهدف النهوض بوطننا وخدمة مواطننا.
واستناداً إلى ما عهدناه فيك من خبرة ورؤية، وما نتوسمه فيك من تواصل فاعل وصادق مع المواطنين، فإننا بانتظار تنسيبك بأسماء زملائك وزميلاتك الوزراء، بعد إجراء المشاورات الضرورية لاختيار أصحاب الكفاءة والخبرة والمسؤولية ممن سيشاركونك حمل الأمانة في هذه المرحلة الوطنية الدقيقة، وستجد مني وزملاؤك الوزراء كل الدعم والمؤازرة.
سائلاً المولى عز وجل أن يوفقكم ويعينكم على النهوض بأمانة المسؤولية، وخدمة شعبنا الوفي ووطننا الحبيب، ليبقى الأردن سندا لأمته العربية والإسلامية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
عبدالله الثاني ابن الحسين
عمّان في 20 رمضان 1439 هجرية
الموافق 5 يونيو "حزيران" 2018 ميلادية".
{{ article.visit_count }}
* تظاهرات ليلية جديدة في الأردن ضد مشروع قانون ضريبة الدخل
عمان – غدير محمود، (أ ف ب)
كلف العاهل الأردني جلالة الملك عبدالله الثاني الدكتور عمر الرزاز بتشكيل حكومة أردنية جديدة، خلفا لحكومة الدكتور هاني الملقي، التي قبل جلالته استقالتها الاثنين.
ودعا العاهل الأردني رئيس الوزراء المكلف إلى "مراجعة شاملة" لمشروع قانون ضريبة الدخل الذي يثير احتجاجات شعبية في عموم البلاد منذ أيام.
وقال الملك عبد الله في الكتاب الرسمي لتكليف عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة "على الحكومة أن تطلق فورا حوارا بالتنسيق مع مجلس الأمة بمشاركة الأحزاب والنقابات ومختلف مؤسسات المجتمع المدني، لإنجاز مشروع قانون ضريبة الدخل".
وأضاف "على الحكومة أن تقوم بمراجعة شاملة للمنظومة الضريبية والعبء الضريبي بشكل متكامل ينأى عن الاستمرار بفرض ضرائب استهلاكية غير مباشرة وغير عادلة لا تحقق العدالة والتوازن بين دخل الفقير والغني".
وتشهد عمان ومدن أردنية أخرى منذ أيام تظاهرات جديدة ضد قانون ضريبة الدخل المزمع طرحه قريبا على مجلس النواب أدت إلى استقالة رئيس الحكومة هاني الملقي وتكليف الرزاز، الخبير في شؤون الاقتصاد، تشكيل حكومة جديدة، وهو ما دفع العاهل الأردني إلى التحذير من "دخول البلاد في المجهول".
ونظمت التظاهرات على الرغم من استقالة رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي الاثنين على خلفية الاحتجاجات المتواصلة منذ حوالى أسبوع ضد ارتفاع الأسعار وقانون يزيد من الاقتطاعات الضريبية على المداخيل تشمل الرواتب الصغيرة.
وأفادت مصادر بأن نحو ألفي شخص تجمعوا قرب مبنى رئاسة الوزراء وسط عمان مساء الاثنين حتى الساعة الثانية والنصف فجر الثلاثاء وسط إجراءات أمنية مشددة. ورددوا هتافات غاضبة ضد صندوق النقد الدولي مثل "فليسقط صندوق النقد الدولي".
ويفترض أن يدرس مجلس النواب قانون الضريبة قريبا. واتخذت الحكومة خلال السنوات الثلاث الماضية سلسلة تدابير شملت إجراءات تقشف ورفع أسعار خصوصا بالنسبة إلى المحروقات والخبز وذلك استجابة لتوجيهات صندوق النقد الدولي بإجراء إصلاحات اقتصادية تمكن المملكة من الحصول على قروض جديدة في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة وتجاوز الدين العام 35 مليار دولار.
وردد المتظاهرون الذي حملوا أعلاما أردنية ليلا "بدنا حقوق وواجبات مش مكارم ولا هبات"، و"طاق طاق طاقية حكومات حرامية".
وشهدت مدن إربد وجرش والمفرق شمالا والزرقاء شرقا والكرك والطفيلة والشوبك جنوبا احتجاجات مماثلة.
ووفقا للأرقام الرسمية، ارتفع معدل الفقر مطلع العام في الأردن إلى 20%، ونسبة البطالة إلى 18.5% في بلد يبلغ معدل الأجور الشهرية فيه نحو 600 دولار والحد الأدنى للأجور 300 دولار. واحتلت عمان المركز الأول عربيا في غلاء المعيشة والثامن والعشرين عالميا، وفقا لدراسة نشرتها مؤخرا مجلة "ذي إيكونومست".
وتتكرّر التظاهرات المسائية في مناطق مختلفة في الأردن منذ حوالى أسبوع بعد إفطار رمضان، وتمتد حتى ساعة متأخرة من الليل. وكانت تطالب باستقالة الحكومة.
وقدم الملقي استقالته الاثنين إلى الملك عبد الله الذي كلف وزير التربية عمر الرزاز الخبير في الاقتصاد تشكيل حكومة جديدة.
والثلاثاء، دعا العاهل الأردني إلى "مراجعة شاملة" لمشروع قانون ضريبة الدخل.
وقال الملك عبد الله في كتاب تكليف عمر الرزاز إن "على الحكومة أن تقوم بمراجعة شاملة للمنظومة الضريبية والعبء الضريبي بشكل متكامل، ينأى عن الاستمرار بفرض ضرائب استهلاكية غير مباشرة وغير عادلة لا تحقق العدالة والتوازن بين دخل الفقير والغني".
وأوضح الملك أن "بلورة مشروع قانون ضريبة الدخل هو خطوة ومدخل للعبور نحو نهج اقتصادي واجتماعي جديد، جوهره تحقيق النمو والعدالة".
وقال رئيس مجلس النقابات المهنية علي العبوس ان "مجلس النقباء سيجتمع عصر لمناقشة وتدارس آخر التطورات والمبادرات بعد استقالة حكومة الملقي وتصريحات الملك عبد الله فيما يخص مشروع قانون ضريبة الدخل وضرورة فتح حوار مع النقابات والمجتمع المدني حوله"، مشيرا إلى أن "هذه الأمور كلها إيجابية بالنسبة لنا".
وقال الملك عبد الله مساء الاثنين خلال لقاء مع ممثلين عن وسائل الإعلام إن "الأردن واجه ظرفا اقتصاديا وإقليميا غير متوقع، ولا يوجد أي خطة قادرة على التعامل بفعالية وسرعة مع هذا التحدي".
وأضاف "الأردن اليوم يقف أمام مفترق طرق: إما الخروج من الأزمة وتوفير حياة كريمة لشعبنا، أو الدخول، لا سمح الله، بالمجهول"، وأشار إلى انخفاض "المساعدات الدولية للأردن رغم تحمل المملكة عبء استضافة اللاجئين السوريين".
ويعتمد الأردن الذي يستورد معظم احتياجاته النفطية من الخارج، بشكل كبير على المساعدات الخارجية خصوصا من الولايات المتحدة ودول الخليج.
وتلقى العاهل الأردني خلال الأيام القليلة الماضية اتصالات هاتفية من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان واستقبل نائب رئيس مجلس الوزراء الكويتي أنس الصالح. وتناولت المحادثات على الأرجح الأزمة الأردنية.
وبحسب الأمم المتحدة، هناك نحو 630 ألف لاجئ سوري مسجلين في الأردن، بينما تقول المملكة إنها تستضيف نحو 1.4 مليون لاجئ منذ اندلاع النزاع في سوريا في مارس 2011. وتقول عمان إن كلفة استضافة هؤلاء تجاوزت العشرة مليار دولار.
وأشار العاهل الأردني إلى أن "الأوضاع الإقليمية المحيطة بالأردن، من انقطاع الغاز المصري الذي كلفنا أكثر من أربعة مليارات دينار "5.6 مليار دولار"، وإغلاق الحدود مع الأسواق الرئيسية للمملكة "في إشارة إلى سوريا والعراق" والكلفة الإضافية والكبيرة لتأمين حدودها، كانت وما زالت السبب الرئيسي للوضع الاقتصادي الصعب الذي نواجهه".
وتعرض الأنبوب الذي يزود الأردن وإسرائيل بالغاز المصري إلى سلسلة من الهجمات في شبه جزيرة سيناء المصرية، بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك في 2011. وكان الأردن يعتمد على غاز مصر في إنتاج 80 % من الكهرباء التي تحتاج إليها المملكة، قبل أن يتحول إلى الوقود الثقيل الذي تقول الحكومة أنه يكبدها خسائر تقارب مليون دولار يوميا.
وحركة الاحتجاجات الحالية هي الأكبر منذ نهاية عام 2011 عندما رفعت الحكومة الدعم عن المشتقات النفطية.
وفيما يلي نص كتاب التكليف
"بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزنا دولة الأخ الدكتور عمر الرزاز حفظه الله،
تحية طيبة وبعد،
أبعث إليك بتحية أردنية عربية هاشمية، ملؤها الفخر والاعتزاز بما سطّره الأردنيون، عبر الأيام الماضية، من ممارسة راشدة للمواطنة الفاعلة وأداء وطني متفان من الأجهزة الأمنية، تكللها مشاعر الأمل بأن الأسرة الأردنية الواحدة قادرة على تجاوز الصعاب يدا بيد، والنهوض نحو حاضر أفضل وغد مشرق.
لقد عرفتك رجلا وطنيا قريبا من الشعب والشباب خاصة، وصاحب رؤية وبصمة في كل مواقع المسؤولية التي شغلتها في عدد من المؤسسات الأردنية الرائدة. وتحصَّلت على خبرة وطنية وعالمية عميقة، ستكون بإذن الله وتوفيقه عونا لك في المسؤولية الوطنية الكبيرة التي تنتظرك.
أمّا وقد قَبِلنا استقالة حكومة دولة الأخ الدكتور هاني الملقي، فإننا نعهد إليك بتشكيل حكومة جديدة تنهض بالمسؤوليات الوطنية الكبيرة في هذا الظرف الدقيق وتستكمل مسيرة الإصلاح والبناء والتطوير.
وأوجهكم، وأنتم تَنْبَرون لهذه المهمة الوطنية، لإطلاق مشروع نهضة وطني شامل، قوامه تمكين الأردنيين من تحفيز طاقاتهم، ورسم أحلامهم والسعي لتحقيقها، وتلبية احتياجاتهم عبر خدمات نوعية، وجهاز حكومي رشيق وكفؤ، ومنظومة أمان اجتماعي تحمي الضعيف في ظل بيئة ضريبية عادلة. ولتحقيق ذلك، أضع أمامكم جملة من الأولويات والثوابت، لتكون نبراسا في العمل والتواصل مع شعبنا الأردني الأبي.
إن التحدي الرئيس الذي يقف في وجه تحقيق أحلام وطموحات الشباب الأردني هو تباطؤ النمو الاقتصادي، وما نجم عنه من تراجع في فرص العمل خاصة لدى الشباب. وعليه، فإن أولوية حكومتكم يجب أن تكون إطلاق طاقات الاقتصاد الأردني وتحفيزه ليستعيد إمكانيته على النمو والمنافسة وتوفير فرص العمل.
ومما لا شك فيه أن هناك أمورا أساسية تعيق تنافسية اقتصادنا وتحد من إمكانيته، وعلى رأسها ارتفاع التكاليف التشغيلية والإجراءات البيروقراطية المعيقة. وبالرغم من أن معالجة هذه المعيقات، في ظل الوضع المالي الراهن يشكل تحديا صعبا، إلا أنه يتوجب على حكومتكم البحث عن حلول خلاقة ضمن برنامج عمل مُحكَم.
وعلى الحكومة أن تطلق فورا حوارا بالتنسيق مع مجلس الأمة بمشاركة الأحزاب والنقابات ومختلف مؤسسات المجتمع المدني، لإنجاز مشروع قانون ضريبة الدخل الذي يعد تشريعا اقتصاديا واجتماعيا مفصليا. إذ إن بلورة مشروع قانون ضريبة الدخل هو خطوة ومدخل للعبور نحو نهج اقتصادي واجتماعي جديد، جوهره تحقيق النمو والعدالة.
وعليه، فإن على الحكومة أن تقوم بمراجعة شاملة للمنظومة الضريبية والعبء الضريبي بشكل متكامل، ينأى عن الاستمرار بفرض ضرائب استهلاكية غير مباشرة وغير عادلة لا تحقق العدالة والتوازن بين دخل الفقير والغني، ويرسم شكل العلاقة بين المواطن ودولته في عقد اجتماعي واضح المعالم من حيث الحقوق والواجبات.
إن الضغوطات التي يواجهها الأردن، يجب أن تكون حافزاً للارتقاء بنوعية الخدمات وليس عذرا لتراجعها. إن فرض الضرائب وتوفير خدمات نوعية أمران متلازمان. فأنا لا أقبل من مؤسساتنا إلا أن تقدم أعلى مستويات الخدمة. فلا بد لتعليمنا من بناء مستقبل مشرق لأبنائنا وبناتنا في بيئة تعليمية آمنة، ولا بد لمنظومة الرعاية الصحية من احترام إنسانية مرضانا وتقديم أعلى مستويات الرعاية الطبية، التي كنا وما زلنا السباقين فيها. ومن غير المقبول أن يستمر أهلنا في المعاناة للوصول إلى أعمالهم وجامعاتهم، نتيجة غياب شبكات نقل عام حضاري في شتى محافظاتنا. وحضارة الأمم تتجلى في احتضانها ورعايتها لأضعف أبنائها، فلا بد من توفير شبكات الأمان الاجتماعي لغوث الفقير من أهلنا.
وعلى الحكومة أن تضع الإصلاح الإداري والنهوض بأداء الجهاز الحكومي على رأس أولوياتها واعتباره مصلحة وطنية عليا؛ فلا مجال لأي تهاون مع موظف مقصر أو مسؤول يعيق الاستثمار بتعقيدات بيروقراطية أو تباطؤ يضيع فرص العمل على شبابنا والنمو لاقتصادنا. ولا تردد في محاسبة مسؤول لا يعمل لخدمة وراحة المراجعين لمختلف مرافق وخدمات الدولة أو لا يراعي في مالنا العام ذمة ولا ضمير. وفي هذا الإطار، على الحكومة الإسراع في إنجاز مشروع الحكومة الإلكترونية للارتقاء بنوعية الخدمات، والتخلص من البيروقراطية وضبط الإنفاق الحكومي بكل حزم.
لقد تحمل الأردن عبر السنوات الماضية ما تنوء عن حمله أكبر وأقوى الدول. إن الظرف الاقتصادي الصعب الذي نمر به ليس وليد اللحظة. بل هو نتيجة تراكم ظروف ضاغطة، جلّها خارجية وبفعل غياب الاستقرار في الإقليم، وتتركز في: ارتفاع فاتورة الطاقة إثر انقطاع الغاز المصري؛ والتراجع الحاد في صادراتنا بسبب إغلاق حدود بعض الدول المجاورة إثر التحديات الأمنية التي تواجهها؛ والكلفة المالية للجهود الأمنية الضرورية لحماية كل شبر من تراب الوطن.
إن القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، وجميع الأجهزة الأمنية الأردنية تثبت كل يوم بعطائها الموصول أنها الحامية لمسيرة البناء والإنجاز وسد منيع في وجه الحاقدين. وهي تستحق منا جميعا التقدير والعرفان. وستلتزم الدولة بكل مؤسساتها بدعمها وتمكينها لتستمر في أدائها المميز.
إن الحكومة مطالبة أيضاً بمواصلة مسيرة الإصلاح السياسي والبناء على ما تم إنجازه في الأعوام السابقة؛ وهنا لا بد من إعادة النظر في التشريعات الناظمة للحياة السياسية بما يعزز من دور الأحزاب ويمكنها من الوصول إلى مجلس النواب. ولا بد من دعم مجالس المحافظات والمجالس البلدية وتمكينها من القيام بواجباتها بشكل ينعكس على المواطن في محافظات وطننا الحبيب.
إن الحوار والتواصل وبناء التوافق هي من أهم الأدوات التي على الحكومة أن ترتكز إليها في انفتاحها وتواصلها مع السلطات الأخرى ومع المواطنين. فعلى الحكومة أن تستمع للمواطنين وتشرح، بكل شفافية وموضوعية، الآثار العميقة التي خلفتها وتخلفها الظروف الاقتصادية الصعبة التي مررنا ونمر بها، لأن فهم الواقع هو المفتاح لبلورة أي إجراءات أو تشريعات ضرورية لتجاوز الظرف الاقتصادي الصعب.
عزيزنا دولة الأخ،
إن ما سبق يمثل عناصر الرؤية الضرورية للتعامل السريع والفاعل مع التحديات الحالية الضاغطة، وتجاوز الوضع الحالي الصعب، وهي تتكامل مع العديد من التوجيهات التي لطالما أكدت عليها في عدة مناسبات ومنابر وطنية بهدف النهوض بوطننا وخدمة مواطننا.
واستناداً إلى ما عهدناه فيك من خبرة ورؤية، وما نتوسمه فيك من تواصل فاعل وصادق مع المواطنين، فإننا بانتظار تنسيبك بأسماء زملائك وزميلاتك الوزراء، بعد إجراء المشاورات الضرورية لاختيار أصحاب الكفاءة والخبرة والمسؤولية ممن سيشاركونك حمل الأمانة في هذه المرحلة الوطنية الدقيقة، وستجد مني وزملاؤك الوزراء كل الدعم والمؤازرة.
سائلاً المولى عز وجل أن يوفقكم ويعينكم على النهوض بأمانة المسؤولية، وخدمة شعبنا الوفي ووطننا الحبيب، ليبقى الأردن سندا لأمته العربية والإسلامية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
عبدالله الثاني ابن الحسين
عمّان في 20 رمضان 1439 هجرية
الموافق 5 يونيو "حزيران" 2018 ميلادية".