تونس - منال المبروك، (أ ف ب)

يدفع العمل الحكومي ومن ورائه الاقتصاد المحلي في تونس ثمناً باهظاً للخلافات السياسية بين أجنحة الحكم منذ أكثر من سنة فيما تحتدم في الفترة الأخيرة تداعيات أزمة الحكم بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد وحزبه نداء تونس من جهة والأحزاب المكونة لائتلاف الحكم من جانب آخر.

يشل نزاع يدور منذ أشهر بين رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد وجزء من الطبقة السياسية مؤسسة الدولة، بعرقلته العمل البرلماني وتنظيم الانتخابات المقبلة والجهود الضرورية الملحة لمواجهة أزمة اجتماعية عميقة.

وفي مؤشر إلى الخلافات داخل "نداء تونس" الحزب الذي ينتمي إليه رئيس البلاد الباجي قائد السبسي ورئيس الوزراء، جمد الحزب عضوية الشاهد بانتظار أن تبت لجنة في مصير الرجل المتهم بالخروج عن الخط الحزبي.

ورفض الشاهد الذي يحاول تشكيل كتلة منفصلة لنداء تونس في البرلمان، التعليق على القرار.

وبسبب عدم رضا المدير التنفيذي لحركة "نداء تونس" حافظ قائد السبسي "نجل الباجي قائد السبسي" على الأداء الحكومي يصرّ الحزب وجزء من كتلته البرلمانية على إقالة الشاهد وحكومته واستبدالها بحكومة جديدة تنفذ البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للنداء استعداداً لكسب رهان الاستحقاقات السياسية القادمة "الانتخابات التشريعية والرئاسية" المزمع إجراؤها في أكتوبر 2019.

وخلال الأشهر الماضية زادت حدة الخلافات بين الشاهد وحزبه، وتفاقمت بشكل أكبر عندما اتخذ الرئيس الباجي قائد السبسي في 28 مايو الماضي قرار تعليق النقاشات السياسية ضمن وثيقة "قرطاج 2"، خاصة بعد مطالبة حافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي لحزب النداء، بضرورة تغيير الحكومة برمتها، بما في ذلك رئيسها يوسف الشاهد.

ويساند الاتحاد العام التونسي للشغل مطلب إقالة حكومة الشاهد بينما ترفض حركة النهضة الإسلامية إقالة الشاهد وتقول إنها ستقوض مسار الإصلاحات الاقتصادية التي يتعين الإسراع في تنفيذها.

ويسعى رئيس البرلمان محمد الناصر، إلى تخفيف الخلافات ورأب الصدع بين يوسف الشاهد رئيس الحكومة من جهة، وحافظ قائد السبسي نجل الرئيس التونسي من جهة ثانية، بعد أن اتخذ الحزب قراراً بتجميد عضوية الشاهد وهو ما اعتبره المحللون طلاقاً سياسياً بين رئيس الحكومة وحزبه.

وقبل ساعات من قرار التجميد، قال رئيس الحكومة يوسف الشاهد إنه "رغم الضجيج السياسي في البلاد الذي يشوش على عمل الحكومة ورغم ضعف الدعم السياسي للحكومة فإن الحكومة ماضية قدماً في الإصلاحات الاقتصادية خلال العام المقبل ومن بينها إصلاح الدعم والصناديق الاجتماعية".

وأضاف الشاهد أنه وفريقه الحكومي لا يتمسكون بالمناصب ولكنهم ذاهبون قدماً إلى اتخاذ القرارات التي تمليها المسؤولية الوطنية ويحتاجها الاقتصاد.

وكان يوسف الشاهد الذي عينه الباجي قائد السبسي قبل عامين قد اتهم نجل الرئيس بتدمير الحزب الحاكم بقيادته بطريقة فردية وتصدير مشاكل الحزب لمؤسسات الدولة التي قال إنها تضررت من هذا الصحيح السياسي.

وتؤّدي الخلافات السياسية إلى شلل شبه تام في دوائر العمل الحكومي التي تتأثر بالمناخ المتعكر حيث ينصرف أعضاء الحكومة ونواب البرلمان إلى حل الخلافات السياسية مقابل تجاهل القضايا الحقيقية لتونس ومطالب شعبها بتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.

ويخشى مهتمون بالوضع السياسي في تونس من أن تمتد أزمة الحكم في تونس إلى البرلمان الذي يستعد لأخر سنة في فترة ولايته الحالية خاصة وأن البرلمان سيكون مطالبا خلال سنته البرلمانية الجديدة بداية أكتوبر القادم، باستكمال ركائز المسار الديمقراطي ومنها الهيئات الدستورية وانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية ورئيس لهيئة الانتخابات إلى الجانب المصادقة على الموازنة والقوانين الاقتصادية التي طالب الحكومة باستعجال النظر فيها.

من جانبه، قال المحلل السياسي سمير عبد الله في تصريح لـ"الوطن " إن "غايات انتخابية وراء أزمة الحكم الحالية ومحاولة إزاحة رئيس الحكومة يوسف الشاهد من السباق"، معتبراً أن "الشاهد أصبح الرقم الصّعب والمزعج في الحياة السياسية".

وأضاف عبدالله "أصبح الشاهد الهدف الأكبر والأول لكل القوى المعادية له"، معتبرا ان "ما تعيشه الساحة السياسية منذ أشهر من حرب قذرة حول السلطة أخذت شكل مسلسل تراجيدي حلقاته متسارعة وآخرها تجميد عضوية الشاهد في حزبه واستقالة وزراء من الحكومة".

وتابع "ستتواصل حالة الانفلات والهروب إلى الأمام، في حين أن البلد يزيد غرقاً كل يوم في بحر أزماته الاقتصادية والاجتماعية".

وقال الخبير السياسي حمزة المؤدب إن "كل شيء معطل في تونس حالياً، هناك حالة من الغموض الكامل".

وعبر عن أسفه لأن "البلد منشغل بالكامل بالمناورات السياسية في الأمد القصير والطموات الشخصية للبعض، على حساب الوضع الاقتصادي الملح والأولويات الاجتماعية والأعمال البنيوية".

ولا يطرح خروج الشاهد من "النداء" أو تجميد عضويته أزمة دستورية بالمعنى القانوني ولكنّه يطرح أسئلة "دستورية أخلاقية"، باعتبار أن رئيس الحكومة يفترض أن يكون منتمياً للحزب الفائز في الانتخابات السابقة في حين أن الشاهد اليوم لا ينتمي لأي حزب.

ويؤكد المهتمون بالشأن السياسي أن قرار إبعاد الشاهد من الحزب لن يكون له مفعول مباشر على الشخص بل على الجهة التي اقترحته وهو رئيس الجمهورية معتبرين أن نزع الغطاء السياسي عن الشاهد بقدر ما سيضره، سيضر "النداء" أيضاً وقراره بإبعاد الشاهد سيؤزم وضعية الأخير، ولكنه سيؤزم بصفة أكثر "النداء" الذي يسعى جاهدا إلى التنصل من مسؤوليته في الفشل الاقتصادي مراهناً على مسح أثار الفشل قبل حلول 2019 بإزاحة من "المخفقين" في امتحان الحكم حتى وان كانوا أبناء الحزب. وتؤكد الحكومة تعزز النمو الذي بلغ 2.8 % في الفصل الثاني، لكن التونسيين يركزون أكثر على تراجع قدرتهم الشرائية التي تضررت بتضخم يقارب 8 % وتراجع سعر الدينار. أما البطالة فما زالت تتجاوز الـ 15 %.

والشاهد، رئيس الوزراء السابع منذ ثورة 2011 التي أنهت سنوات من الحكم الديكتاتوري، سجل رقماً قياسياً في مدة بقائه في الحكم منذ تعيينه في أغسطس 2016.

وهو يلقى تقدير الجهات المانحة الدولية التي تؤمن الأموال لتونس، وكذلك دعم حزب النهضة الإسلامي الذي أصبح أكبر حزب سياسي في البرلمان.

لكنه يواجه منذ أشهر معارضة شديدة من فصيل في حزب نداء تونس الذي ينتمي إليه، يقوده حافظ قائد السبسي نجل الرئيس التونسي.

وتحدث رئيس الدولة بنفسه منتصف يوليو عن إمكانية استقالة الشاهد.

ويطالب الاتحاد العام التونسي للشغل النقابة التي تتمتع بنفوذ كبير، أيضا برحيل رئيس الوزراء. ويعارض الاتحاد بشدة عمليات الخصخصة التي يتهم رئيس الوزراء بتحضيرها، لشركة الطيران الوطنية "الخطوط التونسية" وعدد من المصارف والمجموعات الصناعية العامة.

وأطلق الشاهد الذي يواجه صعوبات منذ أشهر، حملة هذا الأسبوع قبل شهر من استئناف الدورة البرلمانية. وفي مؤتمر صحافي أقرب إلى عرض لقوته السياسية، دافع بشدة عن قانون المالية لعام 2019 التي يفترض أن يقدمها بحلول منتصف أكتوبر.

وقال المحلل السياسي سليم خراط إن الشاهد "يريد أن يظهر أنه ليس على وشك الرحيل وأن يجسد التغيير تمهيداً للانتخابات المقبلة المقررة في 2019".

وفي مؤشر إلى أن الشاهد يعد على ما يبدو للمستقبل، يجري تشكيل كتلة جديدة في الجمعية الوطنية من نحو أربعين نائباً يدعمونه في حزب نداء تونس.

وبتأمينه دعم جزء كبير من نواب هذا الحزب، يمكن أن يكرس الشاهد تفكك حزب الرئيس.

وبمعزل عن تعطيل العمل السياسي، يمكن أن تؤدي هذه المواجهات إلى تفاقم التوتر الاجتماعي وأن تعرض للخطر مسألة الانتقال الديموقراطي في البلاد.

وقال خراط إن التقلبات المتوقعة في البرلمان "يمكن أن تؤدي إلى قانون للمالية مجرد من أي مبادرة للحد من التضخم أو من بطالة الشباب".

ويأتي ذلك بينما يشعر التونسيون باستياء كبير بعد ثمانية أعوام من الثورة.

فارتفاع الأسعار المرتبط بآخر قانون للمالية أثار تعبئة اجتماعية تخللتها أعمال عنف في يناير، بينما يسجل ارتفاع واضح في عدد التونسيين الذين يهاجرون إلى أوروبا منذ عام.

ويؤثر الشلل السياسي على عمل الخدمات العامة مثل التعليم والصحة.

ويحاول بعض المسؤولين الذين يشعرون بأن السلطة تفلت منهم، إرجاء موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة في نهاية 2019، مشيرين إلى التوتر القائم.

وحتى الآن، لم ينتخب البرلمان رئيساً للهيئة المستقلة المكلفة تنظيم هذه الانتخابات.

وقال خراط إن أي إرجاء للانتخابات "سيشكل إشارة سيئة جداً وإنكاراً للعملية الديمقراطية".

وتراوح إصلاحات بنيوية حاسمة أخرى مكانها، مثل إنشاء محكمة دستورية. وما زالت البلاد تخضع لحالة الطوارئ التي فرضت قبل 3 أعوام على إثر سلسلة من الهجمات التي سقط فيها قتلى، على الرغم من تحسن الوضع الأمني.

وفي بداية أغسطس، كتب مركز الأزمات الدولية أن هذه الأزمة "تقوض الثقة في المؤسسات"، مذكراً بأن "ما هو ملح" في نظر المواطن العادي هو أن "تبرهن الأحزاب على أنها استعادت جوهر الدولة".