غزة - عز الدين أبو عيشة
عندما تتعامد أشعة الشمس وأشرعة مراكب الصيادين، يكون الوقت قد حان لـ "محمد" حتى يجهز نفسه جيداً، وينزل إلى ميناء غزة، هناك حيث ترقد سفينته الصغيرة، سيقضي ساعات طويلة يتغزل معها قبل إبحارها في عرض الأبيض المتوسط.
غزل محمد مع مركبه الصغير مختلف عن أية غزل في قطاع غزة، حيث يقول "بتعامل مع حنين على أنها بنتي وبهتم فيها، بس المشكلة في قوات الاحتلال في عرض البحر" يتحدث محمد، وهو يمسك بيده قطعة إسفنج يمسح بها مركبه، وينظفه من شوائبٍ قد علقت به.
حنين هو ذلك الاسم الذي أطلقه محمد على مركبه، فهو يتعامل معها على أنها جزء من حياته، "عندما تتعامل مع مركبك بكل حب (...) ستشعر وكأن هموم نزولك للبحر وتعاملك مع بحرية الاحتلال، تذهب، بمجرد ما تعود بسلام لميناء القطاع"، يقول محمد، الذي يعمل على تفقد كمية السولار في مركبه.
وجد وقود مركبه قد نفد، هم ليشتري لتراً أو أكثر خلاف تلك الكمية المحتفظ بها، ما أن وصل "الكازية" استدرك سماعه في الأخبار المذيع يقول "الاحتلال يمنع دخول الوقود الخاص بمراكب الصيادين"، دون إبداء الأسباب، عاد بخفي حنين إلى مركبته حنين، واكتفى بتلك الكمية التي خزنها في وقت سابق.
بدأت الشمس تشرق، ودقت ساعة الإبحار، يتوقع محمد أن الفترة المسائية يخرج السمك في طبقات قريبة من سطح المياه، وهنا يمكنه اصطياد كمية كبيرة، تكون مصدر رزق له وأسرته التي يصل عددها 8 أفراد يتولى رعايتهم.
أبحر محمد في عرض الأبيض المتوسط، وصل حتى 5 أميال بحرية، وهناك كانت المفاجأة، عندما اعترضت طريقه قوات الاحتلال، بمكبرات الصوت "ارجع لوراء ممنوع الصيد هنا" معك حتى 4 ميل"، من المفترض وبحسب إعلان الاحتلال الأخير، أنه تم توسعة مساحة الصيد قبل عدة أيام حتى تصل 6 أميال، بعد أن قلصها إلى 3.
هذه المساحة لا يمكن الصيد فيها، حيث بحسب محمد "في مساحة 3 ميل، نصيد الرمل، وبعض القاذورات، لا يوجد إلا أنواع قليلة من السمك وحجم صغير، وكميات ضئيلة، كيف سأعوض سعر السولار، أو حتى صيانة لمركبي، كيف سأشتري بعض الحاجيات للأطفال".
وقد نصت اتفاقية أوسلو، على السماح للصياد الفلسطيني الوصول حتى 20 ميلاً، ولكن بحرية الاحتلال لم تلتزم بذلك، وفي أحسن الأحوال تسمح للصياد بالإبحار حتى 9 أميال بحرية، مع وجود تشديد على عدد الصيادين الذين ينزلون المياه في ساعات الليل.
في مياه البحر، وعند مساحة 6 أميال، يجد الصياد ترسانة الاحتلال تنتظره، عدد من الزوارق الحربية في وسط المياه، وعلى كلّ زورق رشاش حربي، وجنود من الاحتلال، مدججين بالأسلحة الثقيلة، وأحدث معدات مواجهة الصياد الفلسطيني.
يقول محمد عن المواجهة مع زورق الاحتلال، "يطاردني الجنود بالزورق مسافات طويلة، مراكب الفلسطيني غير سريعة بالقدر الكافي للفرار من البحرية الإسرائيلية، وعندما يقترب من الجندي، يرشني بخرطوم المياه العادمة، ويضحك بهستيريا".
ليس فقط هذا ما يواجهه الصياد هناك، بل يجبره الجنود على النزول من مركبه الصغير للمياه لتفتيشه، كما يطلبون منه خلع ملابسه. نقابة الصيادين من جانبها، رصدت في عام 2018 نحو 90 حالة تفتيش عاري داخل المياه.
وعلى غفلة، وبعد عودة محمد للمساحة التي أمرها الجنود بالالتزام بها، يسمع صوت إطلاق نار صوبه، يواصل محمد حديثه، "الجنود يتسلوا علينا كل ليلة، يطلقون النار بغزارة تجاه مراكبنا، قد تتلف بفعل رصاصة، في ذات ليلة كنت أملك مركبًا، غير ذلك الذي نبحر عليه، وحاصرني الجنود بزوارقهم".
يستذكر كيف اقتاده جنود الاحتلال إلى ميناء أسدود، كيف تعاملوا معه أثناء الطريق، وصادروا مركبته، وهناك تمّ تعذيبه نفسيًا، وهو ما حرمته القوانين والأعراف الدولية، وعلى رأسهم اتفاقية جنيف التي وقع عليها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي".
وفقاً لعمليات الرصد والتوثيق التي قام بها، مركز الميزان لحقوق الإنسان، فإن قوات الاحتلال ارتكبت منذ بداية العام الحالي 2018، "233" انتهاكاً بحق الصيادين في عرض البحر، وأطلقت خلالها النار تجاههم "232" مرة، وقتلت خلالها صياداً، وأصابت "15" آخرين، واعتقلت "41" صياداً، فيما صادرت "13" مركباً.
قصة محمد لا تتوقف على مصادرة مركبه الذي يقدر ثمنه، بنحو 30 ألف دولار، ولا تعذيبه في طريق اعتقاله، ولا حتى إطلاق النار عليه داخل المياه أو تفتيشه هناك، أو بمصادرة معداته ومنعه من الوصول إلى المساحة المحددة.
قصة محمد والمعاناة تكتمل بعد عودته من ليلة صراع مع الجنود، يتفقد صندوقه الذي يضع فيه الأسماك، فيجد أنه لم يصطاد سوى 9 كيلو فقط، وبفرض ان سعر الكيلو في أحسن الأحوال 4 دولارات، فإن ليلته المجنونة تلك تقدر بنحو 36 دولاراً.
"36 تقريباً، نعمة وفضل كتير، المهم أنه رجعنا من البحر بسلام، بفكر أنه أقسم المبلغ للصيانة والبيت وشراء بعض السولار الخاص بالمركب" يحدث محمد نفسه وهو يودع سفينته، وكأنه الوداع الأخير، فطالما فكر في ترك مهنة الصيد.
ليس محمد من فكر في ذلك فحسب، فقد كان عدد الصيادين عام 2006 يفوق 4 آلاف صياد، بينما لم يزيد عدد الصيادين في 2017 عن ألف صياد ينزل البحر.
الاعتداءات الإسرائيلية، إلى جانب الحصار المفروض على القطاع منذ 12 عاماً، فضلاً عن قلة الأسماك في المساحة المحددة، ونقص السولار، كلها أسباب عزت إلى انخفاض عدد الصيادين بحسب نقابة الصياد الفلسطيني.
عندما تتعامد أشعة الشمس وأشرعة مراكب الصيادين، يكون الوقت قد حان لـ "محمد" حتى يجهز نفسه جيداً، وينزل إلى ميناء غزة، هناك حيث ترقد سفينته الصغيرة، سيقضي ساعات طويلة يتغزل معها قبل إبحارها في عرض الأبيض المتوسط.
غزل محمد مع مركبه الصغير مختلف عن أية غزل في قطاع غزة، حيث يقول "بتعامل مع حنين على أنها بنتي وبهتم فيها، بس المشكلة في قوات الاحتلال في عرض البحر" يتحدث محمد، وهو يمسك بيده قطعة إسفنج يمسح بها مركبه، وينظفه من شوائبٍ قد علقت به.
حنين هو ذلك الاسم الذي أطلقه محمد على مركبه، فهو يتعامل معها على أنها جزء من حياته، "عندما تتعامل مع مركبك بكل حب (...) ستشعر وكأن هموم نزولك للبحر وتعاملك مع بحرية الاحتلال، تذهب، بمجرد ما تعود بسلام لميناء القطاع"، يقول محمد، الذي يعمل على تفقد كمية السولار في مركبه.
وجد وقود مركبه قد نفد، هم ليشتري لتراً أو أكثر خلاف تلك الكمية المحتفظ بها، ما أن وصل "الكازية" استدرك سماعه في الأخبار المذيع يقول "الاحتلال يمنع دخول الوقود الخاص بمراكب الصيادين"، دون إبداء الأسباب، عاد بخفي حنين إلى مركبته حنين، واكتفى بتلك الكمية التي خزنها في وقت سابق.
بدأت الشمس تشرق، ودقت ساعة الإبحار، يتوقع محمد أن الفترة المسائية يخرج السمك في طبقات قريبة من سطح المياه، وهنا يمكنه اصطياد كمية كبيرة، تكون مصدر رزق له وأسرته التي يصل عددها 8 أفراد يتولى رعايتهم.
أبحر محمد في عرض الأبيض المتوسط، وصل حتى 5 أميال بحرية، وهناك كانت المفاجأة، عندما اعترضت طريقه قوات الاحتلال، بمكبرات الصوت "ارجع لوراء ممنوع الصيد هنا" معك حتى 4 ميل"، من المفترض وبحسب إعلان الاحتلال الأخير، أنه تم توسعة مساحة الصيد قبل عدة أيام حتى تصل 6 أميال، بعد أن قلصها إلى 3.
هذه المساحة لا يمكن الصيد فيها، حيث بحسب محمد "في مساحة 3 ميل، نصيد الرمل، وبعض القاذورات، لا يوجد إلا أنواع قليلة من السمك وحجم صغير، وكميات ضئيلة، كيف سأعوض سعر السولار، أو حتى صيانة لمركبي، كيف سأشتري بعض الحاجيات للأطفال".
وقد نصت اتفاقية أوسلو، على السماح للصياد الفلسطيني الوصول حتى 20 ميلاً، ولكن بحرية الاحتلال لم تلتزم بذلك، وفي أحسن الأحوال تسمح للصياد بالإبحار حتى 9 أميال بحرية، مع وجود تشديد على عدد الصيادين الذين ينزلون المياه في ساعات الليل.
في مياه البحر، وعند مساحة 6 أميال، يجد الصياد ترسانة الاحتلال تنتظره، عدد من الزوارق الحربية في وسط المياه، وعلى كلّ زورق رشاش حربي، وجنود من الاحتلال، مدججين بالأسلحة الثقيلة، وأحدث معدات مواجهة الصياد الفلسطيني.
يقول محمد عن المواجهة مع زورق الاحتلال، "يطاردني الجنود بالزورق مسافات طويلة، مراكب الفلسطيني غير سريعة بالقدر الكافي للفرار من البحرية الإسرائيلية، وعندما يقترب من الجندي، يرشني بخرطوم المياه العادمة، ويضحك بهستيريا".
ليس فقط هذا ما يواجهه الصياد هناك، بل يجبره الجنود على النزول من مركبه الصغير للمياه لتفتيشه، كما يطلبون منه خلع ملابسه. نقابة الصيادين من جانبها، رصدت في عام 2018 نحو 90 حالة تفتيش عاري داخل المياه.
وعلى غفلة، وبعد عودة محمد للمساحة التي أمرها الجنود بالالتزام بها، يسمع صوت إطلاق نار صوبه، يواصل محمد حديثه، "الجنود يتسلوا علينا كل ليلة، يطلقون النار بغزارة تجاه مراكبنا، قد تتلف بفعل رصاصة، في ذات ليلة كنت أملك مركبًا، غير ذلك الذي نبحر عليه، وحاصرني الجنود بزوارقهم".
يستذكر كيف اقتاده جنود الاحتلال إلى ميناء أسدود، كيف تعاملوا معه أثناء الطريق، وصادروا مركبته، وهناك تمّ تعذيبه نفسيًا، وهو ما حرمته القوانين والأعراف الدولية، وعلى رأسهم اتفاقية جنيف التي وقع عليها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي".
وفقاً لعمليات الرصد والتوثيق التي قام بها، مركز الميزان لحقوق الإنسان، فإن قوات الاحتلال ارتكبت منذ بداية العام الحالي 2018، "233" انتهاكاً بحق الصيادين في عرض البحر، وأطلقت خلالها النار تجاههم "232" مرة، وقتلت خلالها صياداً، وأصابت "15" آخرين، واعتقلت "41" صياداً، فيما صادرت "13" مركباً.
قصة محمد لا تتوقف على مصادرة مركبه الذي يقدر ثمنه، بنحو 30 ألف دولار، ولا تعذيبه في طريق اعتقاله، ولا حتى إطلاق النار عليه داخل المياه أو تفتيشه هناك، أو بمصادرة معداته ومنعه من الوصول إلى المساحة المحددة.
قصة محمد والمعاناة تكتمل بعد عودته من ليلة صراع مع الجنود، يتفقد صندوقه الذي يضع فيه الأسماك، فيجد أنه لم يصطاد سوى 9 كيلو فقط، وبفرض ان سعر الكيلو في أحسن الأحوال 4 دولارات، فإن ليلته المجنونة تلك تقدر بنحو 36 دولاراً.
"36 تقريباً، نعمة وفضل كتير، المهم أنه رجعنا من البحر بسلام، بفكر أنه أقسم المبلغ للصيانة والبيت وشراء بعض السولار الخاص بالمركب" يحدث محمد نفسه وهو يودع سفينته، وكأنه الوداع الأخير، فطالما فكر في ترك مهنة الصيد.
ليس محمد من فكر في ذلك فحسب، فقد كان عدد الصيادين عام 2006 يفوق 4 آلاف صياد، بينما لم يزيد عدد الصيادين في 2017 عن ألف صياد ينزل البحر.
الاعتداءات الإسرائيلية، إلى جانب الحصار المفروض على القطاع منذ 12 عاماً، فضلاً عن قلة الأسماك في المساحة المحددة، ونقص السولار، كلها أسباب عزت إلى انخفاض عدد الصيادين بحسب نقابة الصياد الفلسطيني.