بيروت - بديع قرحاني، (وكالات)

قال مسؤول رفيع إن الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق بشأن حكومة وحدة وطنية في لبنان تعرضت لعقبات جديدة مما تسبب في تأجيل تشكيلها.

ولبنان، الذي يعاني من تراكم الديون وركود الاقتصاد، في حاجة ماسة إلى حكومة يمكنها الشروع في إصلاحات اقتصادية متوقفة منذ فترة طويلة لوضع الدين العام على مسار مستدام.

وقبل عدة أيام بدت إمكانية التوصل لاتفاق على حكومة جديدة، بقيادة رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، قريبة عندما ساعدت جهود وساطة في تذليل العقبات نحو حل آخر مشكلة كبرى كانت تتعلق بالتمثيل السني في الحكومة.

وقال الحريري الجمعة إنه يأمل الانتهاء من تشكيل الحكومة في وقت لاحق من ذلك يوم السبت. ويتعين توزيع مقاعد الحكومة وفق نظام سياسي قائم على توازن طائفي دقيق.

وقال المسؤول "ظهرت عدة عقبات في الساعات الماضية أدت إلى تأخير "تشكيل" الحكومة. شملت العقبات مشكلة التمثيل السني ومشكلة توزيع الحقيبة الوزارية".

ولم يحدد المسؤول متى يمكن حل هذه المشكلات. ومن المتوقع إجراء المزيد من المحادثات.

وظهر الخلاف بشأن التمثيل السني عندما قالت مجموعة من النواب السنة متحالفة مع "حزب الله" الشيعي إن من حقهم الحصول على حقيبة وزارية تعكس مكاسبهم الانتخابية لكن الحريري قاوم مطلبهم.

وبموجب حل وسط وافقت مجموعة الستة المؤيدة لـ "حزب الله" على أن تُمثل في الحكومة بشخصية أخرى تكون مقبولة من جانبهم بحيث يقدم كل نائب من الستة اسم شخصية ويختار الرئيس اللبناني ميشال عون أحدهم.

لكن النواب السنة الموالين لـ "حزب الله" سحبوا تأييدهم للمرشح السني الذي اختاره عون وهو جواد عدرا لأنه لم يعتبر نفسه ممثلا حصريا لهم.

وظهرت خلافات أخرى بشأن كيفية توزيع الحقائب الوزارية على وجه الدقة وقال المسؤول إن الحقائب الوزارية التي لم تحسم يُنظر إليها باعتبارها ذات أهمية ثانوية في ظل توزيع المناصب الوزارية الأكثر أهمية بالفعل.

وأفرزت الانتخابات التشريعية، التي جرت في مايو الماضي، وهي الأولى منذ تسع سنوات، برلمانا مائلا لصالح "حزب الله" المدعوم من إيران والذي فاز مع حلفائه السياسيين بأكثر من 70 مقعدا من أصل 128 مقعدا.

وفقد الحريري الذي يتمتع بدعم غربي أكثر من ثلث نوابه في الانتخابات الأخيرة رغم أنه ظل أكبر زعيم سني في لبنان وتم تكليفه مرة أخرى بتشكيل الحكومة.

لكن في الوقت ذاته، فإن التفاؤل في تشكيل الحكومة اللبنانية قبل نهاية العام الجاري ما زال قائما بالرغم من التعقيدات التي ظهرت مجددا وبصورة خاصة بعد ان رفض جواد عدرا الذي كان من المفترض أن يمثل اللقاء التشاوري في الحكومة أن يجتمع بأعضاء "التشاوري" رغم تحديد موعد له من قبل اللقاء، ليتفاجأ الحاضرون بغيابه دون إبلاغهم، وقد علَل سبب غيابه لاحقاً بالقول إنه "يجب تسميته بشكل رسمي من قبل الرئيس ميشال عون قبل الاجتماع بأعضاء اللقاء التشاوري احتراماً للرئيس كونه سيتمثل من حصته". وقد أصدر اللقاء التشاوري بعد اجتماع ضم جميع أعضائه وتم الإعلان رسميا عن سحب اسم جواد عدرا من التداول لتمثيل اللقاء التشاوري في الحكومة.

ويتسلح أعضاء اللقاء التشاوري بخطاب حسن نصرالله أمين عام "حزب الله" الذي قال إنه "لا حكومة دون رضى اللقاء"، بالإشارة إلى "التشاوري".

وقد نقلت مصادر صحافية عن النائب فيصل كرامي قوله إن "النتيجة التي انتهت إليها المبادرة الرئاسية لحلّ العقدة السنيّة هي النتيجة الطبيعية لمن يعرف السياقات والتفاصيل التي مرّت بها هذه المبادرة والتي أدت إلى فشل جزئيّ لها".

وقالت المصادر "كان الحديث منذ البداية عن مبادرة ثلاثية يتنازل فيها الرئيس ميشال عون عن وزير سنيّ من ضمن حصّته، ويعترف الرئيس المكلف سعد الحريري بحيثية وتمثيل النواب السنة الستة في "اللقاء التشاوري"، والتنازل الثالث يكمن في قبول النواب الستة بتسمية شخصية من خارج اللقاء لتمثّلهم في الحكومة".

وأردفت المصادر، "لقد تمّ تكليف مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم كي يتولّى إخراج هذه المبادرة، وبالفعل حرص اللواء إبراهيم على أن يتمّم المبادرة بشكل سريع كي تولد الحكومة قبل الأعياد كما يرغب الرئيس عون وكي تولد قبل انتهاء الـ100 متر التي يتحدّث عنها الرئيس المكلف، وكان اللقاء متجاوباً ولم يعرقل ولم يؤجّل ولم يماطل". وكشفت مصادر كرامي أنّ "الخلل في المبادرة، التي تبيّن أنّها تتضمّن قطباً مخفيّة، هو طريقة التسمية التي تمّت عبر أوراق مقفلة وكأنّ أعضاء اللقاء لا يثقون ببعضهم، واليوم لن يُعيدوا التجربة ولن يقوموا بأيّ تسمية من خلال أوراق مقفلة، أما الخلل الثاني في المبادرة فهو أنّ كلّ "التوليفة" كان للحصول على اسم جواد عدره الذي لن يكون ممثلاً لـ"اللقاء التشاوري" بل لـ"لبنان القوي"، إلا أن اللقاء حاول إقناع عدره بالأمر ولكنّ الجواب أتى الرفض". وأوضحت أنّه "من المهم القول إنّ العقدة لم تعد في مسألة توزير أحد أعضاء اللقاء، بل في رغبة لدى رئيس الجمهورية ووزير الخارجية جبران باسيل بالحصول على الثلث المعطّل في حين أنّه على الحكومة أن تكون بكاملها للرئيس"، مُشيرةً إلى أنّ "كرامي حقق إنقاذاً للحريري الذي فرّط بحقوق الطائفة السنية حين وافق على أن يكون لـ"التيار الوطني الحر" 11 وزيراً في حين أنّ اللقاء حفظ التوازنات الدقيقة وصحّح الخطأ الذي ارتكبه الحريري".

ولكن وبالرغم من هذه التطورات ما زال التفاؤل سيد الموقف في تشكيل الحكومة اللبنانية قبل نهاية العام الجاري.

وقد غرّد رئيس حزب "الكتائب اللبنانية" النائب سامي الجميّل عبر "تويتر"، قائلا "أكثر من 7 أشهر من دون حكومة كرمال وزير بالزايد ووزير بالناقص أو حقيبة من هون وحقيبة من هونيك بوقت الناس موجوعة والاقتصاد منهار.. مسلسل تشكيل الحكومة معيب ومهين لكل مواطن لبناني يحب بلده".

أما رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، فقد أشار إلى أن "هناك اختراع وابتداع لمشكلات من اجل تأخير تشكيل الحكومة والتذاكي على الناس، وهذه المشكلات لا تقنع أحدا، وكما يقول المثل العامي "الناس بالناس والقطة بالنفاس"".

أما المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى فقد حذر من "أي ابتزاز سياسي على صعيد تبادل الحقائب"، معتبراً "أن هذا الأمر سيشكّل عقبة جديدة".

وعقد المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى جلسة استثنائية في دار الفتوى، برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، وحضور العضو الطبيعي في المجلس الرئيس فؤاد السنيورة، وكان بحث في الشؤون الإسلامية والوطنية وتطورات تشكيل حكومة وفاق وطني، وأصدر بيانا تلاه عضو المجلس محمد مراد أكد فيه المجلس الشرعي "أن المشاورات واللقاءات بين الرئيس المكلف مع القوى السياسية لتشكيل الحكومة يبدو أنها وصلت إلى خواتيمها التي تبشر بولادة قريبة للحكومة"، وشدد على "أن التفاؤل سيبقى سيد الموقف مهما بقي من تفاصيل في توزيع الحقائب لولادة الحكومة"، إلا أنه حذّر "من أي ابتزاز سياسي من البعض على صعيد تبادل الحقائب الوزارية أو غير ذلك، ما يُشكّل عقبة جديدة يتحمّل أصحابها مسؤولية ذلك مهما كانت الذرائع، الأمر الذي يوجب إصدار مراسيم تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد، وأي تأخير في التشكيل ينعكس سلبا على مصلحة الوطن ومصالح الناس ويتحمّله كل من يحاول وضع العراقيل بغية تحقيق مكاسب إضافية آنوية له ولفريقه".

ولفت إلى "أهمية التوافق السريع لمصلحة الناس وهذا أمر واجب وطنيا وإنسانيا قبل حلول العام الجديد".

وطالب المجلس "بأن يكون البيان الوزاري في الحكومة العتيدة مبنيا على أسس واضحة المعالم لتأكيد سيادة الدولة واحترام الدستور والتطبيق الكامل لوثيقة الوفاق الوطني، أي اتفاق الطائف، والتزام القوانين وان تتحمل الحكومة والقوى السياسية مسؤولياتها الكاملة تجاه ذلك"، كما طالب المجلس "بإطلاق ورشة المشاريع الإنمائية والإصلاحية لبناء دولة المؤسسات والعمل المشترك في إطار وحدة اللبنانيين والاستفادة من مؤتمر "سيدر" المعول عليه في إنعاش الوضع الاقتصادي اللبناني بالإضافة إلى نتائج جهود الرئيس الحريري في لقاءاته في المؤتمرات واللقاءات التي عقدها أخيرا في لندن".

ودعا المجلس إلى "التضامن الوطني بين جميع اللبنانيين والالتفاف حول الرئيس سعد الحريري في الجهود التي يقوم بها، بالتعاون مع رئيس الجمهورية للخروج من هذه الأزمة التي يعيشها لبنان لتحقيق الأهداف التي سترسمها الحكومة الجديدة في بيانها الوزاري، بالتعاون مع الجميع لإرساء كلمة سواء تنقذ وطننا وتعزز وحدتنا لمواجهة الأخطار المحدقة بنا، خصوصا من العدو الإسرائيلي الذي يتربص بلبنان واللبنانيين شرا".

فيما يبدو أن الرئيس المكلف سعد الحريري قرر التزام الصمت، وقد غرد عبر "توتير"، "لا بد أحياناً من الصمت ليسمع الآخرون".

وقد علمت "الوطن" أن "اتصالات ولقاءات تجري بعيدا عن الإعلام بين معظم المسؤولين، بهدف التوصل إلى حل نهائي لتشكيل الحكومة قبل نهاية العام وعدم العودة إلى الوراء، والأمور مفتوحة على كل الاحتمالات أن لناحية إعلان تشكيل الحكومة خلال اليومين القادمين، أو العودة إلى نقطة الصفر".