الخرطوم - كمال عوض

عندما خرجت د. مروة جبريل إبراهيم في العاصمة البريطانية لندن متحدية الأجواء الباردة لتتضامن مع صناع الاحتجاجات الأخيرة في مدن السودان المختلفة، لم تكن تدري أن هتافها سيكون الهتاف الأشهر للمحتجين في ثورة 19 ديسمبر. هتفت مروة: "#تسقط _ بس"، ليردد خلفها مجموعة من المتظاهرين ذات النداء الذي انتشر كالنار في الهشيم ليصير الهاشتاج الأشهر على "تويتر" ووسائط التواصل الاجتماعي.

منسوبو الحزب الحاكم التقطوا القفاز وقاموا بتداول هاشتاج آخر قريب من هتاف مرة أسموه "#تقعد _ بس"، في إشارة لدعمهم بقاء الحكومة التي يرأسها رئيس حزبهم عمر البشير.

شعار الاحتجاجات التي انتظمت مدن السودان منذ 19 ديسمبر 2018، وخلفت قتلى وجرحى بحسب تصريحات رسمية، تجاوزت شهرته شعارات ما يسمى بثورات "الربيع العربي" التي انتظم حراكها في عدد من الدول العربية وأحدث تغييراً كبيراً في منظومة سياسات الشرق الأوسط، حيث كان النداء الأشهر هو "الشعب يريد تغيير النظام".

وعرف السودان الثورات مبكراً، ففي أكتوبر من العام 1964، صحا العالم على هتافات داوية في شوارع الخرطوم تنادي بإسقاط حكم الفريق إبراهيم عبود، وابتكر شعراء وفناني السودان أساليب جديدة في قيادة الثورات حيث نظموا قصائد وأناشيد ألهبت الثورة ومجدت صناعها، فتغنى الفنان محمد الأمين بـ "الملحمة"، التي صاغ كلماتها الشاعر السوداني الشهير هاشم صديق وهو ابن الثمانية عشر ربيعاً آنذاك، لتتفجر بعدها المواهب والطاقات وتنتج حقبة الستينات أفضل الأعمال الفنية والأدبية، التي انتقلت لخارج الحدود وتغنت كوكب الشرق أم كلثوم بإحدى روائعها وهي قصيدة الشاعر السوداني الهادي آدم "أغداً ألقاك؟".

وعاد السودانيون مرة أخرى إلى الشارع لإسقاط حكم المشير جعفر النميري بعد 16 عاماً في ثورة أبريل 1985 ليعود ذات الألق القديم وظهرت شعارات وأغنيات جديدة تغنى بها الفنان محمد وردي أشهرها "بلى وانجلى.. حمدا لله ألف على السلامة انهد كتف المقصلة"، التي صاغ كلماتها شاعر الشعب محجوب شريف. كما تغنى الفنان صلاح مصطفى بـ "جددناك يا أكتوبر في أبريل بعزم أكيد وعهد جديد.. تلاحم جيش وشعب أصيل".

لكن كحال كل فترات الديمقراطية في السودان فإن حكم الصادق المهدي زعيم حزب الأمة لم يستمر سوى أربع سنوات لتجئ بعدها حكومة الإنقاذ الوطني في عام 1989 وظل رئيسها هو المشير البشير حتى الآن. فهل يفلح شعار "#تسقط_بس" في إنهاء هذه الحقبة أم تتجاوز الحكومة مطب الثورة وتصل إلى انتخابات 2020 بسلام؟

ميدانيا، أفادت مصادر سودانية "بانطلاق احتجاجات من مساجد عدة في العاصمة السودانية الجمعة، تطالب برحيل الحكومة".

وأكدت المصادر انطلاق تظاهرات جديدة في أم درمان عقب صلاة الجمعة.

ولا تهدأ التظاهرات المناوئة للحكومة في السودان في مكان حتى تندلع في آخر وإن اختلفت أعدادها وأمكنتها، حيث لم تنم ليل الخميس بعض شوارع أم درمان.

رجت في شارع الأربعين تظاهرات ليلية فرقتها الأجهزة الأمنية بإطلاق كثيف لقنابل الغاز المسيل للدموع، وسط دعوات جديدة لاستمرار التظاهرات الجمعة عقب الصلاة.

وكان تجمع المهنيين السودانيين وقوى سياسية معارضة قد أطلق، نداءات لمواصلة الحراك الشعبي حتى إسقاط النظام، تحت شعار ما أسموه بـ "أسبوع الانتفاضة"، على أن تخرج الأولى الأحد من مدينة بحري والثانية الخميس من الخرطوم، إضافة إلى تسيير المواكب المسائية اليومية في عدد من مناطق البلاد.

واستنكرت هذه الكيانات في بيان ما وصفته "ببطش النظام في مواجهة الاحتجاجات السلمية باستخدام القوة المفرطة".

من جانبها، لم تتوان الحكومة وهي تتوعد بالتصعيد في كبح جماح الاحتجاجات، واصفة المتظاهرين بـ "المارقين والمرجفين".

وبنبرة تبدو أكثر حدة من سابقاتها، هدد القيادي بالحزب الحاكم الفاتح عز الدين بحسم هذه التظاهرات التي أسماها بالفوضى خلال أسبوع واحد فقط، وقال: "سنقطع رأس من يفكر بحمل السلاح".

واتهمت منظمة العفو الدولية قوات الأمن السودانية "بتعقب متظاهرين مصابين داخل مستشفى أم درمان بعد احتجاجات حدثت منذ أيام، وهو أمر أدانته وزارة الصحة السودانية وقالت السلطات إنها "تحقق في تفاصيله".