تونس - منال المبروك

لم يودّع التونسيون الاحتجاجات مع انقضاء العام الماضي حيث تبدو روزنامة شهر يناير حافلة بالإضرابات القطاعية والحراك الإجتماعي الذي يشمل قطاعات مختلفة على غرار الفوسفات والتعليم وموظفي القطاع الحكومي.

وينتظر التونسيون نتيجة المفاوضات بين الحكومة والنقابات بشأن الاضراب العام في القطاع الحكومي، الذي دعت إليه النقابات احتجاجا على قرار تجميد أجور 650 ألف موظف في الوظائف الحكومية.

ويحيي التونسيون الذكرى الثامنة لثورة يناير 2011، وسط أجواء مشحونة يسود فيها شعور الغضب والإحباط، بسبب الظروف المعيشية الصعبة وغلاء المعيشة وانحسار فرص العمل.

وفي خطاب توجه به لـ"التونسيين" قال الرئيس الباجي قائد السبسي إن "الإضراب العام الذي أقره إتحاد الشغل قد تنتج عنه مصائب لا يعرف قيمتها إلا من عاش الإضراب العام الذي نفذته النقابات التونسية في يناير 1978 والذي تسبب في سقوط ضحايا نتيجة اصطدام بين الأمن والمحتجين فيما يعرف بثورة الخبز "احتجاج التونسيون على قرار حكومي الزيادة في سعر الخبز".

ودعا السبسي الجميع إلى "تحمل مسؤوليتهم في إيجاد حل لمنع نتائج صعبة قد تنجر عن الإضراب العام الذي شهدته سابقا تونس في 26 يناير 1978 وأدى إلى تفكك الوحدة الوطنية التي تلافتها تونس بعد عشرات السنين".

وقال إن "الطلب الأساسي هو التصدي لتراجع المقدرة الشرائية للمواطنين والكل مسؤول اليوم لأخذ طلبات الشعب بجدية..".

وللتونسيين مواعيد تاريخية مع احتجاجات شهر يناير تعود إلى القرن الثامن عشر حيث عادة ما يكون مفتتح العام مفجرا للغضب الشعبي على الظروف المعيشية والجباية.

لم تلتقي التفسيرات العلمية والبحوث التي أجراها المؤرخون حول أسباب ارتباط الإحتجاجات الثورات الاجتماعية في تونس بشهر يناير، غير أن أغلب الباحثين يؤكدون دور العامل المناخي وغلاء الأسعار وارتفاع الضرائب في انفجار هذه الاحتجاجات على امتداد عقود من تاريخ البلاد.

في المقابل، قال الباحث السوسيولوجي محمد ظريف في تصريح لـ"الوطن" ان "العامل الطبيعي له دور في التقاء الثورات في تونس حول شهر يناير بالذات فشهر يناير هو الشهر الذي تسجل فيه درجات الحرارة أدنى مستوياتها وهو ما يقابله ارتفاع في نسق الاستهلاك لحاجة الإنسان الطبيعية للغذاء والتدفئة وبالتالي ارتفاع كلفة المعيشة التي غالبا ما ترهق ميزانية الطبقات الضعيفة والمثل الشعبي التونسي يفسر هذه العلاقة بأن "الشتاء شدة على الزوالي "الشتاء فصل قاس على الفقراء"".

واشار الظريف إلى أن "يناير هو شهر الموازنات المالية في حسابات الدولة باعتبار وأن الدولة التي تناقش ميزانيتها وقانون المالية في موفى كل سنة تشرع في شهر يناير في اعتماد السياسية المالية الجديدة المبرمجة سواء في اتجاه الترفيع أو التخفيض ومن خلالها تتضح معالم السياسة التي ستعتمدها الدولة طيلة العام من حيث الأسعار والجباية والتشغيل".

كما ترتبط هذه الفترة من السنة حسب الباحث السوسيولوجي بالحوار مع الأطراف الاجتماعية وغالبا ما يتولد عن الصراع بين هذه الأطراف احتقان الوضع الاجتماعي الذي يترجم إلى احتجاجات وإضرابات واعتصامات ثم ثورات.

وسجل تاريخ تونس في أيام مختلفة من شهر يناير انتفاضات شعبية كان الغضب من الخيارات الاقتصادية للسلطة القاسم المشترك بينها ، ففي مثل هذه الأيام "3 و4" يناير من سنة 1984 وصلت أحداث ثورة الخبر التي انطلقت في الجنوب التونسي وبالتحديد من منطقة نفزاوة أوجها في العاصمة وفي يناير 1978، عرفت البلاد إضراباً عمالياً أثبت قدرة الطبقة العاملة على التأثير الحاد في موازين القوى ويناير 1980 حدثت عملية قفصة المسلحة التي أكدت شيوع النزعات التمردية في صفوف الشباب التونسي وفي 14 يناير أنهت حكم بن علي الذي دام 23 سنة وأعطت إشارة إنطلاق الربيع العربي.

لكن حسب المؤرخين تبقى أحداث يناير 1984 الأهم من حيث الاتساع والتأثير فعلى إثر قرار حكومي في أواخر ديسمبر 1983 بالرفع بـ70% من ثمن العجين ومضاعفة ثمن الخبز، كان سيدخل طي التطبيق في أول يناير 1984 حيث عمت المدن التونسية المظاهرات والمصادمات مع أجهزة السلطة الأمنية احتجاجاً على الزيادات الحاصلة وتعبيراً عن عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تتخبط فيها البلاد والتي تعمقت مع اختيارات محمد مزالي "الانفتاحية".

واعتبر الباحث في التاريخ المعاصر خالد عبيد أنه "يصعب الجزم بارتباط شهر يناير بالثورات والاحتجاجات الإجتماعية"، مشيرا إلى أن "تاريخ تونس سجل احتجاجات وثورات في أشهر أخرى من السنة".

وأوضح المؤرخ خالد عبيد أن "عامل المناخ مهم في تحريك الشارع ضد الغلاء أو الخيارات الاقتصادية للسلطة"، معتبراً أن "شهر يناير يرتبط عادة بفترة عطلة في المحافظات الداخلية التي يعيش أغلب مواطنيها من الأنشطة الفلاحية".