عمان - غدير محمود

على رغم إقراره تشريعياً، وسريانه منذ مطلع الشهر الحالي، لا يزال قانون ضريبة الدخل المعدل محل نقاش وجدال حادَّين، ومبعث احتجاجات مختلفة، أبرزها الحراك الأسبوعي كل خميس قرب مبنى دار الحكومة.

بل إن مطالب هذا الحراك، وأغلبه شبابي، تطور من المطالبة بإلغاء القانون، إلى تغيير النهج بجعل الحكومة هي صاحبة الولاية العامة بالكامل، عبر بوابة تشكيل حكومات برلمانية تأتي بموجب قانوني انتخاب وأحزاب حقيقيين وعصريين.

وكذلك العمل على تخليص البلاد من تحكم الجهات الدولية، وتحديدا صندوق النقد والبنك الدوليين، وارتهان استقلاله الاقتصادي للخارج، والتوجه نحو "الاعتماد على الذات" للخروج من الأزمة الاقتصادية العميقة بتنفيذ إصلاحات شاملة، سياسية واقتصادية واجتماعية، تفضي إلى "الخروج من عنق الزجاجة".

ورجوعا إلى القانون موضع الخلاف، لا يختلف أحد على أن وجود قانون الضريبة هو أمر طبيعي في دول العالم كافة.

فالحكومات، وفقاً للمحلل الاقتصادي حسام عايش، تعتمد، من خلال الضرائب، على تأمين إيرادات للإنفاق تنفيذ برامجها، وهو أمر مهم لأي دولة تستكمل جميع متطلبات أدائها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بأن "يكون هناك قانون ضريبي"، خصوصا تلك الدول التي لا تمتلك موارد أخرى، وطبيعية تحديداً مثل النفط والمعادن.

غير أن الإشكالية، وفق عايش، ليست في وجود قانون الضريبة، وإنما "في طبيعة هذا القانون".. لأنه "يسمح للحكومة بتوجيه قراراتها تحفيزاً لقطاعات معينة ومنعا لتغول قطاعات اقتصادية أو اجتماعية على الأداء العام، يسمح بوجود دخل يمكن الإنفاق منه على الرواتب والأجور وعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وتعتمد كثير من الدول على الضريبة "مصدراً أساسياً لتمويل العمليات الاقتصادية والاجتماعية والدفاعية والأمنية، وهو أحد أهم مظاهر الدولة الحديثة وأحد عناوين المشاركة الاجتماعية المختلفة".

وبين عايش في تصريح لـ "الوطن"، أن "القانون الجديد عرض لمحاربة "التهرب الضريبي وتوسيع الشريحة الضريبية بزيادة أعداد المكلفين من القادرين من أصحاب الدخل".

لكنه رأى أن "إمكان ضبط التهرب الضريبي والحد من التفلت الضريبي "سيكون ضعيفاً" لأسباب تتعلق بأن "بعض الأمور لا تحل بالقانون، وإنما بتطوير وتفعيل العملية الإدارية في دائرة ضريبة الدخل، ومدى تأهيل الموظفين وموقفهم الشخصي من المكلفين "هناك مواقف سلبية حيال أصحاب المال" ما يشكل إعاقة لتطبيق القانون وتشويهاً له".

وفي الأردن، الضرائب أنواع مختلفة، والدستور أقر بمبدأ "تصاعدية الضرائب" لكي ينقل العبء من الفئات الأقل دخلاً وقدرة لتحميله إلى الفئات الأكثر دخلاً وقدرة على الإيفاء ودفع الالتزامات المترتبة على أدائهم الاقتصادي والاجتماعي انطلاقا من فكرة أن الدولة مصدر الربح والدخل لتلك القطاعات وأن عليهم سداد جزء من الدخل للحكومة على شكل ضرائب"، وفقاً لعايش.

وضريبة الدخل هي أحد أشكال الضرائب المباشرة، فيما الضريبة على المبيعات هي من الضرائب غير المباشرة، وفق عايش، الذي يلاحظ أن الدول المتقدمة "تحاول الموازنة بين الضرائب المباشرة وغير المباشرة".

ولفت إلى أن هناك في الأردن "خلل في التوازن بين الطرفين لصالح الضرائب غير المباشرة وهي عمياء تساوي بين الجميع بغض النظر عن مستوى الدخل والإمكانات.

وبالتالي "تحمل المواطن الأقل دخلاً أعباءً تفوق قدرته، وفي الأردن نحو 35-40% من دخل الأسرة يذهب إلى الطعام والشراب، وحوالي 40-50% من الأسر الأردنية تنفق دخلها على الطعام والشراب، وهذا، كما يرى عايش؛ يعتبر "عدم توازن في تحمل الأعباء".

وهو وإن لاحظ أن من إيجابيات دفع الضرائب بالعموم أن قانون الضريبة في أي بلد "يعكس التطور السياسي فيه، أي من يدفع الضرائب يكون الأكثر تمثيلاً في السلطة ودوائر ومؤسسات الدولة.

إلا أنه يؤشر إلى أن القانون الجديد في الأردن "لم يُحدِث التحفيز الاقتصادي المؤمل..".

أي أنه "خالف الحالة الاقتصادية السائدة (..) لأننا نحتاج نمواً اقتصادياً.. وهذه الضريبة ستفرض مزيداً من الأعباء وتقلل من الإنفاق وتفرض المزيد من الكُلف على القطاعات الاقتصادية مما يبقي الوضع الاقتصادي على ما هو عليه أو يجعله في تراجع".

ونبه عايش إلى أن التعديل على القانون "لم يأت استجابة لحالة أردنية وإنما جاء استجابة للاتفاق الموقع بين الحكومة الأردنية وصندوق النقد الدولي".

وهذا الاتفاق جاء على خلفية التراجع الاقتصادي وزيادة المديونية الأردنية وعدم كفاية الإيرادات. لذلك "طلب الصندوق إيجاد دخل مستدام في الدولة الأردنية ولم يكن هناك ما يعول عليه سوى ضريبة الدخل".

القانون بحلته الجديدة "سيحمل الأفراد المزيد من تبعات التعديلات القانونية "مباشرة بزيادة أعداد المكلفين، أو على مستوى الاقتطاعات التي سيتحملونها" وهذا "سيقلل من الإنفاق، وتكون له ارتدادات في السوق سيتحملها المقيمون أيضا مع المواطنين".

وذكر عايش أن شرط تعديل قانون ضريبة الدخل ورفع الدعم عن الخبز ورفع أسعار الكهرباء كانت من متطلبات منح قرض جديد للحكومة.

وهذه الإجراءات ستتيح للأردن الحصول على مزيد من القروض بشروط أسهل وفائدة أقل، ما يساعد الحكومة "إما على إحلال ديون مكان ديون أو الحصول على قروض بفائدة مخفضة بما يقلل من الكلفة النهائية على الاقتصاد وعلى الإيرادات الحكومية".

لكنه حذر من أن هذه الإجراءات "ما زالت غير مناسبة لمتطلبات أداء اقتصادي أكثر استقراراً ونمواً، واعتماداً حقيقياً على الذات وليس اعتماداً ضريبياً على الذات".