بغداد – وسام سعد

انتشرت في الآونة الأخيرة جرائم الابتزاز الإلكتروني في عدد من محافظات العراق، فيما تعلن الجهات الأمنية بين الحين والآخر عن تمكن قواتها الأمنية من إلقاء القبض على متهمين بجريمة الابتزاز الإلكتروني في مناطق عدة من العاصمة بغداد، بينما كثفت الشرطة المجتمعية من رسائلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي للإبلاغ عن جرائم الابتزاز الإلكتروني وعدم الاستجابة من قبل الضحايا إلى المبتز.

وحذر ناشطون مدنيون من تزايد جرائم الابتزاز الإلكتروني عموماً والوجهة ضد الفتيات بشكل خاص عبر الاستدراج في مواقع التواصل الاجتماعي، ويقول ممثلو منظمات انهم تسلموا شكاوى عدة لتعرض نساء للابتزاز مقابل عدم نشر صور أو معلومات فضلاً عن التلاعب بالصور لتغيير الملامح والهوية.

وقال الناشط المدني فضاء جاسم لـ "الوطن"، إن "التطور والتقدم العلمي والتقني في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وشبكة الإنترنت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ساعد كثيراً على انتشار جرائم الابتزاز الإلكتروني في عدد من محافظات العراق".

وأضاف جاسم أن "أعداد المتعرضين للابتزاز الإلكتروني تزايد سنوياً الذي تكون أبرز ضحاياه من الفتيات بسبب تخوفهن من رفع دعاوى قضائية ضد المتحرشين أو المبتزين تجنباً للفضيحة".

وقال الباحث الاجتماعي د.علي الدهوي لـ "الوطن" إن "من أهم أسباب انتشار جرائم الابتزاز الإلكتروني في العراق هي نتيجة الفراغ الاجتماعي والتفكك الأسري وضعف الرقابة الأسرية على الأبناء والفقر وضعف الوازع الديني والعقد النفسية والاضطرابات لدى البعض وشعور البعض بالاستفزاز مما ينشره الآخرون من أمور إيجابية مع سهولة إخفاء هوية أي معتد عبر الإنترنت وصعوبة ملاحقته قانونياً أو توقيفه وخوف الضحايا من الفضيحة وتفضيلهم الصمت والانصياع للمجرم".

وأضاف الدهوي أن "ظاهرة الابتزاز الإلكتروني أخذت مدياتها تجتاح مجتمعنا العراقي بشكل ملفت وبدأت ملفاتها تنتشر وتظهر في أروقة المراكز والمحاكم نتيجة تزايد قضايا التخاصم الشخصي والسياسي والعشائري نتيجة تفاقم حالات الابتزاز الإلكتروني المستشري في الأوساط الاجتماعية والسياسية والتي تحتاج تدخل مباشر من قبل الدولة وجهاتها المعنية لوضع كل إمكاناتها لمواجهة هذه الظواهر الخطيرة التي تتطلب الاستعانة بخبرات متطورة وأجهزة فنية".

في السياق ذاته، طالبت جهات برلمانية وقانونية البرلمان العراقي بتشريع قانون جرائم المعلوماتية من اجل الحد من ظاهرة الابتزاز الإلكتروني.

وأكد النائب الأول ل‍رئيس البرلمان حسن كريم الكعبي "ضرورة تشريع قانون جرائم المعلوماتية بما يضمن عدم المساس بالحقوق التي كفلها الدستور"، فيما أشار إلى "عزم البرلمان إيجاد صيغة قانونية سليمة ودقيقة تضمن إنهاء الابتزاز الإلكتروني".

وقال الكعبي في بيان تلقت "الوطن" نسخة منه إن "السلطة التشريعية وخلال دورتها الحالية تبنت سياسة مشاركة آراء الخبراء وأصحاب الاختصاص ومنظمات المجتمع المدني والإعلاميين حول مشاريع القوانين عبر حضور الجلسات الحوارية التي تعقد في مقرات منظمات المجتمع المدني".

وشدد الكعبي على "ضرورة تشريع قانون جرائم المعلوماتية بما يضمن عدم المساس بالحقوق والحريات التي كفلها الدستور وإنضاج مختلف الآراء والملاحظات للمختصين".

وتابع أن "الفترة المقبلة ستشهد انعقاد ورشة عمل للتوسع بالنقاشات بشأن مشروع القانون بحضور الجهات الحكومية والحقوقية والقانونية فضلاً عن حضور الناشطين والإعلاميين والشخصيات والجهات ذات العلاقة بغية الوصول إلى صيغة قانونية سليمة ودقيقة خالية من المخالفات الدستورية، وتضمن إنهاء الابتزاز الإلكتروني وترويج الأفكار المتطرفة والإجرامية وممارسات ضعاف النفوس وغيرها من الأمور المهمة".

وطالب الحقوقي مدحت محمد "بـضرورة تشريع قانون جرائم المعلوماتية مطلباً أساسياً في هذه المرحلة لمواجهة هذه الظواهر الخطيرة كما يُعتمد في أغلب دول العالم، وبدون تشريع هذا القانون تصبح المعالجات قاصرة وغير رادعة وينبغي تبديد مخاوف الجهات المعترضة على تشريعه بتبرير الخشية من المساس بالحريات وخصوصيات الأفراد وهو مأخذ يمكن تجاوزه في ترصين القانون ومراجعة مواده ودراسته بعناية لتجنيبه الانزلاق بما يتحفظ عليه من قبل المعترضين".

وقال محمد لـ "الوطن"، إن "الحاجة أصبحت ملحّة لقيام الجهات المعنية سواء وحدة خلية الحرب النفسية أو هيئة الإعلام والاتصالات وشبكة الإعلام العراقي لإنشاء صفحات إلكترونية لهذا الغرض تتولّى نشر الوعي المجتمعي والتواصل المباشر مع الضحايا لتمكينهم نفسياً ومعالجة المشاكل التي يتعرضون لها لأن المحدّدات والمقيدات والأعراف المجتمعية تحول دون قدرة إفصاح المبتز لعرض مشكلته وهذه تحتاج آلية لتمكين سرية المحافظة على هويّة المتضرر وتشجيعه على عرض حالته ومعالجتها".

وقال المدون والناشط على مواقع التواصل الاجتماعي علي فارس لـ "الوطن"، "اصبحت اليوم مواقع التواصل الاجتماعي وبوابات التراسل الساحة الرئيسية للابتزاز من خلال انتحال شخص ما اسماً مستعاراً لفتاة أورجل يبدأ باستدراج الضحايا عبر ممهدات العلاقات والصداقات وطلب التعارف ليتطور الأمر إلى الإيقاع في الشرك أو نتيجة اختراق ما يعرف مدمني الهكرز الذين يكرسون جل اوقاتهم للعيش بالعالم الافتراضي لتصيد طرائدهم".

وأضاف أن "الشباب من كلا الجنسين هم اكثر شريحة معرضة للابتزاز الإلكتروني بسبب كثرة استخدامهم للحواسيب أو أجهزة الموبايل وطول مدد تواجدهم بمواقع وكروبات الصداقات وغرف الدردشة عبر تواصل مباشر أو عبر محادثة جماعية تحقق رغبات الشباب الطامح إلا أن تلك المحادثات وما يتخللها من حوارات متنوعة تعتبر المرحلة الأولى من عملية ابتزاز قد تمتد لفترة طويلة يستثمر سقطاتها المبتزون لتحقيق مصالح مادية".

وقال الباحث في علم النفس الدكتور هادي طارق لـ "الوطن" إن "المتورطين في قضايا الابتزاز الإلكتروني فهم شخوص تعاني اضطراباً سلوكياً وعدم استقرار اجتماعي يدفعهم إلى اللجوء إلى ممارسات خفية تعوضهم عن حالة النقص التي يشعرون بها سواء نقص المورد المادي بسبب البطالة أو انعدام الثقة بالنفس بسبب نقص التعليم يجعلهم صيداً سهلاً لتلك العصابات التي تجند هؤلاء الأفراد وتوريطهم في هذه الأعمال".

وأضاف طارق أن "دراسة هذه الظاهرة تبين أن حالات الابتزاز اليومي في تزايد مستمر في العراق وهم الضحايا الأبرز لهذه العصابات، ووفقاً لراصدين، فإن 50% من المشتركين في شبكات التواصل الاجتماعي هم عرضة للابتزاز الإلكتروني".