أبوذر حسين

جددت منظمات مهنية وحقوقية دولية تحركاتها في ملف المعتقلين بشكل غير قانوني في السودان، في أعقاب السابقة العدلية التي يتعرض لها حالياً وكيل وزارة الصحة السابق، والكاتب الصحافي الساخر د. كمال عبدالقادر، المحتجز في سجن كوبر بالخرطوم بحري، لأكثر من شهرين على الرغم من القرار الصادر ببراءته من النيابة العامة من شبهات الفساد والثراء الحرام المشبوه، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في الرأي العام السوداني وانعكس بشكل ظاهر على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية والصحف المحلية.

وكانت سلطات سجن كوبر العمومي بالخرطوم بحري، رفضت تنفيذ أوامر النيابة العامة بالإفراج عن معتقلين بحجة "لم يأتيهم قرار من المجلس العسكري" من بينهم رجل الأعمال م. الحاج عطا المنان، وآدم الفكي الوالي السابق، فضلا عن د. كمال عبدالقادر.

وفيما باءت محاولات "الوطن" المتكررة للحصول على رد من السفارة البريطانية في الخرطوم لمعرفة ملابسات الصمت الذي تمارسه حيال مواطنها كمال عبدالقادر الذي يحمل الجنسية البريطانية منذ أكثر من 20 عاما، أكد مسؤول في الاتحاد الدولي للصحافيين "إن رفض إدارة السجن تنفيذ النيابة العامة صاحبة السلطة والاختصاص غير مبرر ويدخل في صميم عمل جهات عدلية أخرى، مستدركا "إننا لم نتحصل على كامل المعلومات الخاصة بقضية د. كمال عبدالقادر المثارة حالياً بشكل كبير في السودان، ولكن في كل الأحوال يجب عدم تحميل الصحافيين مسؤولية الأزمة التي يشهدها السودان، كما يجب السماح لهم بالتعبير عن أرائهم دون ترهيب أو تهديد أو تعسف".

وأوضح "أن منح إدارة السجن نفسها حق عصيان قرار النيابة العامة، وتشكيل سلطة أعلى من النائب العام المنوط به تحقيق العدالة، يعد كارثة وتحولا كبيرا ينافي ما نادت به قيادات المجلس العسكري في إعمال القانون اتجاه كل القضايا المطروحة".

وأشار المسؤول إلى أن مثل تلك الإجراءات تمثل انتهاكا واضحا للحقوق الأساسية ويجب أن تتوقف بشكل عاجل.

- إضراب عن الطعام:

من جانبه قال عاصم عبدالقادر محامي د. كمال لـ"الوطن" إن "سلطات سجن كوبر بررت رفض الإفراج عن موكله بأن القرار بيد اللجنة الأمنية بالمجلس العسكري الانتقالي"، مشيراً إلى أن رئيس المجلس العسكري الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي" كانا صرحا في أكثر من مناسبة بأن ملف المعتقلين بيد النيابة، وهي جهة الفصل في كل الدعاوى المرفوعة.

وأضاف المحامي عاصم "أن قرار رفض السجن كان مفاجئا للغاية بالنسبة لي، ولكل المتابعين من أهله ومحبيه المنتشرين بالسودان عامة، ما أثار حفيظة الرأي العام السوداني، ودعا إلى وقفة احتجاجية أمام سجن كوبر، ومن ثم مسيرة هادرة في مدينة الحصاحيصا "وسط السودان" مسقط رأس د. كمال عبدالقادر.

وحمل المحامي عاصم عبدالقادر إدارة سجن كوبر المسؤولية الكاملة لرفضها إطلاق سراحه وتنفيذ أمر النيابة العامة، وتدهور صحته في ظل دخوله في إضراب عن الطعام منذ أيام. وطالب الإدارة بتنفيذ قرار النيابة وإنهاء إجراءات التحفظ الصادرة من اللجنة الأمنية للمجلس العسكري.

وأشار عاصم إلى أن أسرة د. كمال عبدالقادر تلقت اتصالاً من السفارة البريطانية أبدت فيه قلقها من تدهور صحته في ظل منع الزيارات ومنع أي نوع من التواصل، وحملت إدارة سجن كوبر والمجلس العسكري المسؤولية الكاملة، وأشارت إلى أنها تتجه لتصعيد الأمر مع منظمات حقوق الإنسان.

"الحرية والتغيير": لا تراجع عن العدالة

ورداً على سؤال "الوطن" حول تراجع تجمع قوى الحرية والتغيير عن شعار تحقيق العدالة تجاه حالة د. كمال عبدالقادر، قال الفريق معاش صديق محمد إسماعيل القيادي بقوى الحرية والتغيير لـ"الوطن"، إننا "لم نتراجع عن العدالة ولا ينبغي التخلي عن هذا المطلب الجماهيري، غير أن الواقع الحالي يؤكد أن جميع السلطات في يد المجلس العسكري، وبالتأكيد هناك كثير من التجاوزات والأمور التي يجب أن توضع في نصابها، إلا أن هذا الأمر لا يتحقق - للأسف - إلا بعد تشكيل مستويات الحكم بشكل كامل".

وأضاف إسماعيل "أن النائب العام منوط به الدعاوى الجنائية والفصل فيها في الظروف الطبيعية، ولا سلطة لأي جهة أخرى فوق سلطته، ولكن قرارات المجلس العسكري الحالية تمثل السيادة الكاملة، وهذا ما تضرر ويتضرر منه كثير من المواطنين، لذا فإننا نسارع الخطى لإنجاز الخطوات المتبقية من الاتفاق حتى ترد كل الأمور لنصابها".

وشدد الفريق صديق نائب رئيس حزب الأمة على أهمية سيادة القانون وعدم اعتقال أو احتجاز أي مواطن برئ وفقا لما تقتضيه العدالة. مشيرا إلى التأكيدات الصادرة من قيادات المجلس العسكري بهذا الشأن.

تحقيق "نصف نهار"

إلى ذلك أكد المستشار القانوني سيف الدولة حمدنا الله، أن "كل التُهم التي يُحتجز بسببها المتهمين الآن وتجري النيابة العامة بشأنها التحقيقات لأكثر من شهرين، تتصل بحصول المتهمين على قطع أراضي حكومية بدون وجه حق أو بالمخالفة للإجراءات القانونية السليمة".

وأوضح حمدنا الله القاضي السابق بالمحاكم السودانية "أن مثل هذا النوع من الجرائم لا يستلزِم فيه التحقيق أكثر من نصف نهار، وهو الوقت الذي يُمكِّن النيابة من الحصول على إفادة سلطات الأراضي بكشف العقارات المسجلة في اسم كل متهم وذويه المنصوص عليهم في القانون، ثم يُقدّم من يثبت حصوله منهم على أراضي بالمخالفة للقانون للمحاكمة لينال جزاءه". مشيرا إلى أن كل ذلك لم يحدث في قضية د. كمال عبدالقادر، فضلا عن أن النيابة أصدرت صك براءته من كل التهم المسنودة إليه.

فيما أتهم الصحافي حسن وراق شخصية -لم يسمها- تقف بكل قدرتها على على عدم إطلاق سراح د. كمال عبدالقادر، مؤكدا "هنا يكمن سر التحفظ عليه بدون أوراق ثبوتية تبين التهم المبررة لإبقائه في السجن بعد أكثر من شهرين منذ اعتقاله.

وألمح وراق إلى المفارقة الكبيرة في إعلان إدارة سجن كوبر عدم مسؤوليتها على الرئيس المخلوع عمر البشير بحجة أن اسمه ليس موجودا لديها، بينما تحتجز د. كمال عبدالقادر بحجج واهية.

وأكد "حتى هذه اللحظة لم تقم أمانة المجلس العسكرى الانتقالى بالرد على خطاب الإدارة العامة للسجون التى تطلب الموافقة على إطلاق سراح د. كمال عبدالقادر بعد ان صدر الامر من جهة الاختصاص".

تصعيد جديد

من جانبه استنكر الناشط الاجتماعي عثمان العمدة تحفظ إدارة سجن كوبر على د. كمال في حين كثير من الفاسدين يتمتعون بالحرية المطلقة في السفر وما إلى ذلك، مشيراً إلى أن كل ممتلكات المذكور قد حازها بـ"عرق جبينه" من خلال رحلة كفاحه التي امتدت زهاء الـ25 سنة في العمل بالمملكة المتحدة، وهذا ما أثبتته تحريات النيابة.

وأوضح العمدة "أن كمال عبدالقادر يعد من أبرز رجال البر والخير في السودان، إذ بنى أكثر من 11 منشأة طبية، فضلا عن تشييد كلية للطب وكلية للصحة من حر ماله وأكثرها وهو خارج منظومة الحكومة السابقة".

وقال "لذلك لم يكن غريبا أن تتقاطر حشود كبيرة من هذا الشعب لنصرته والمطالبة بالإفراج الفوري عنه، في الوقت الذي تطالب ذات الحشود بتصفية الفاسدين من جماعة الإخوان المسلمين وأذيالهم".

وأضاف "إن لم يقم المجلس العسكري بالرد على ما تحججت به إدارة سجن كوبر، سيكون هناك تصعيدا جديدا وهائلا من قبل هؤلاء المتعففين الذين يكفلهم د. كمال عبدالقادر بالكامل ومن أولئك الطلبة الذين شق لهم مستقبلهم المشرق بمبادراته التعليمية، ولعامة الشعب الذين برزت همومهم وأوجاعهم من خلال كتاباته الصحافية الساخرة في العمود الأشهر بالسودان (كلامات) والذي استمر زهاء الثلاثة عقود بنفس الألق.