يتزيد من عام إلى أخر تمرد الشباب التونسيين على عادات الزواج التقليدية، فلم تعد مراسم الأعراس القديمة ولا المراسم الفاخرة تغريهم، بالرغم من إصرار العائلات على التشبث بما دأبوا عليه في عادات الأفراح والمآدب التي تقام بهذه المناسبات.
ويجد الشباب في ارتفاع تكاليف الزواج مبررات لهم للتمرد على العادات المتوارثة التي تتشبث بها عائلاتهم، حيث يتخذ الشباب المتمرد من الطبيعة بديلا، لإقامة أفراحهم ومراسم الزواج على شواطئ البحر أو وسط الغابات معتمدين على ديكورات بسيطة لا تكلفهم الكثير.
وبسبب موجة الغلاء التي ضربت تونس في السنوات الأخيرة، شهدت تكاليف الزواج قفزات كبيرة، ما أدى إلى موجة عزوف عن الارتباط لدى الشباب هربا من الضغوط العائلية والأعراف المجتمعية، فيما واجه آخرون هذه الضغوط بموجة تمرد تتوسع من عام إلى آخر.
وتجد صور الأعراس التي تقام في الطبيعة بعيدا عن بهرج صالات الأفراح والمأدب الفخمة على شبكات التواصل الاجتماعي اعجابا ومباركة من النشطاء أو مرتادي هذه المنصات ممن ينادون بالتمرد على العادات القديمة، وتشجيع الشباب على الارتباط وتكوين أسر، دون الوقوع في براثن الضغوط المادية التي تسببها عادات الزواج التقليدية.
ويفسر الباحث في علم الاجتماع سامي نصر لـ"الوطن"، موجة التمرد التونسية على عادات الزواج بردة الفعل العادية على ارتفاع كلفة الزواج وزيادة الضغوط الاجتماعية على الشباب في وضع إقتصادي صعب.
وتوقع أن تتوسع موجة التمرد في السنوات القادمة، مشيرا إلى أن الشباب بصدد التأسيس لثقافة جديدة تقوم على البساطة والتخلص من المظاهر الاجتماعية المكلفة.
وقال إن الالتزام بالعادات وتقاليد الزواج يدفع المقبلين على الزواج إلى مجابهة المصاريف والنفقات المرتفعة بالتداين لإرضاء العائلات والمجتمع، وهو ما يتسبب لاحقا في صعوبات معيشية لدى الزوجين الجديدين قد تنتهي بالطلاق، فيما يفضل قسم أخر عدم الزواج وتأخيره إلى سن متقدمة وهو ما يفسر ارتفاع معدلات العنوسة في تونس بحسب قوله.
وكشف تقرير صدر مؤخرا عن الديوان الوطني للأسرة و العمران البشري، أن تونس تعتبر من الدول الحائزة على مرتبة متقدمة في نسبة عدم الإقبال على الزواج، مقارنة بنسب الدول العربية، حيث بلغت أعلى مستوياتها في الآونة الأخيرة لتصل إلى 60 %.
وبين التقرير ارتفاع عدد العازبات إلى أكثر من 2.25 مليون إمرأة من مجموع نحو 4.9 مليون أنثى في البلاد، مقارنة بنحو 990 ألف عازبة عام 1994، كما بلغت العنوسة أقصى معدلاتها بين الإناث في عمر الإخصاب الأقصى "بين 25 و 34 سنة".
وأوضح الديوان أن تأخر سن الزواج في تونس يشمل الرجال أيضاً، حيث أظهر أن نسبة التونسيين غير المتزوجين، والذين تراوح أعمارهم بين 25 و 29 عاماً، ارتفعت من 71 % خلال عام 1994، إلى نسبة 81،1 % في نهاية العام الماضي، مؤكدا بلوغ نسبة العنوسة خلال سنة 2018 حوالي 60 % بعد أن كانت النسبة أقل بكثير في السنوات الماضية.
وأرجع ازدياد نسبة العنوسة إلى أسباب عدة أبرزها، إرتفاع تكاليف الزواج الناتجة عن العادات والتقاليد التي تثقل كاهل الشاب وتجعله يتهرب من المسؤولية لما يرى فيه من صعوبات مادية غير قادر عليها.
وتحتل تونس المرتبة الرابعة عربيا من حيث نسبة العنوسة وتأخر سن الزواج، مما قد يخلق حسب التقرير ارتباكا كبيرا في المجتمع التونسي إذا لم توجد حلول لمقاومة هذه الظاهرة.