الخرطوم - (سكاي نيوز عربية): أثارت التصريحات التي أدلى بها قادة عسكريون سودانيون في أعقاب عملية فض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم في الثالث من يونيو الماضي، تساؤلات حول من يقود أو يوجه الكتائب التابعة للمؤتمر الوطني، الجناح السياسي لتنظيم الإخوان بالسودان، والذي حكم البلاد لمدة 30 عاما قبل أن تطيح به الثورة الشعبية في أبريل الماضي.

وتناوبت على هذه المهمة شخصيات نافذة بدء بعلي عثمان محمد طه النائب الأول السابق لعمر البشير، مرورا بعلي كرتي ونافع على نافع وعوض الجاز وعبدالله إدريس وعماد حسين وطارق حمزة، وقيادات طلابية وشبابية تدين بالولاء الشديد لحزب المؤتمر الوطني الذي يشكل الجناح السياسي لتنظيم الإخوان الإرهابي في السودان، وكان يرأسه البشير.

وهنالك العديد من الدلائل والمؤشرات التي تؤكد ضلوع عدد من قادة التنظيم الإخواني في توجيه الوحدات المدسوسة داخل الأجهزة النظامية.

ومن بين تلك الدلائل التصريحات التي أدلى بها نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد حمدان دقلو "حميدتي" في يوليو الماضي، أي بعد مرور أكثر من شهر على عملية فض الاعتصام الذي راح ضحيته العشرات، حيث قال حميدتي إن هنالك مندسين داخل قوات الدعم السريع، وأن وجودهم يشوه صورة تلك القوات.

كما تشير إلى ذلك أيضا النتائج التي أعلنتها لجنة التحقيق التي شكلها المجلس العسكري الانتقالي عقب حادثة فض الاعتصام، والتي أكدت أن وحدات شبه عسكرية تابعة لقوات الدعم السريع متورطة في تلك الحادثة الدامية والتي راح ضحيتها أكثر من 120 شخصاً.

وذات الأمر أكده المتحدث باسم اللجنة العسكرية العميد الحقوقي عبدالرحيم بدر الدين عبد الرحيم، حيث قال إن اللجنة توصلت إلى "ضلوع عدد من الضباط برتب مختلفة، ودخولهم لميدان الاعتصام من دون تعليمات من الجهات المختصة"، ما يعني أن هنالك أوامر صدرت من جهات أخرى.

ووفقاً لمتابعات "سكاي نيوز عربية" فإن أكثر ما يجمع بين من تولوا قيادة تلك الكتائب خلال الأعوام الثلاثين الماضية هو الولاء الشديد لجماعة الإخوان، وتحولهم السريع من حالة الفقر الشديد إلى ثراء فاحش، يظهر حجم الأموال التي أنفقت على تلك الأجهزة والتي تقدر بأكثر من 15 مليار دولار.

كذلك ارتبط جميع قادة الأجهزة السرية بعمليات فساد ضخمة مكنتهم من جمع مئات الملايين من الدولارات.

ويصف الكثير من المراقبين علي عثمان محمد طه النائب الأول للرئيس المخلوع عمر البشير، بعراب ثقافة العنف واسترخاص الدماء، حيث ظل طه طوال العقود الماضية أحد أبرز قادة أجهزة الموت الإخوانية.

وعلى الرغم من توليه العديد من المناصب السياسية المهمة إبان فترة حكم الإخوان في السودان، إلا أن الدور الأكبر الذي كان يلعبه طه هو تأمين استمرارية نظام الإخوان في الحكم.

واتصف الرجل بلغة خشنة ضد المعارضين، وحملت العديد من التصريحات التي أدلى بها خلال الأسابيع الأخيرة التي سبقت سقوط نظام البشير تهديدات واضحة ومباشرة لملايين المتظاهرين، حيث توعدهم بالموت على يد كتائب الظل التي يعتقد على نطاق واسع أنه المحرك الرئيس لها.

ويرى مراقبون أن العديد من عمليات القتل والاغتصاب التي طالت المئات منذ اندلاع الثورة السودانية في ديسمبر 2019 كانت بتوجيهات مباشرة منه، رغم أنه يقبع في سجن كوبر حالياً.

ويدير طه شبكة من قادة الأجهزة السرية المتسترين بوظائف في العديد من مؤسسات الدولة المدنية والأمنية.

ويعتقد على نطاق واسع أن طه، البالغ من العمر نحو 75 عاماً، كان القائد والمخطط الفعلي لمحاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في السادس والعشرين من يونيو 1995، والتي أظهرت الارتباط الكبير بين إخوان السودان والتنظيم الإرهابي العالمي.

كما يعتقد أن طه هو من كان يرسم استراتيجية أسامة بن لادن خلال تواجده في السودان، وهو التواجد الذي سمح لابن لادن وتنظيم "القاعدة" من بناء نقطة انطلاق رئيسية من خلال معسكرات في شرق السودان وبدعم لوجستي وفني من إخوان السودان.

وارتبط اسم طه أيضاً بالمليشيات المسلحة التي ارتكبت فظائع كبيرة في دارفور خلال الفترة من 2003 وحتى 2010.

وخلال فترة توليه حقيبة الخارجية من 1989 وحتى 1995، جيّر طه السياسة الخارجية السودانية لصالح الحركات الإسلامية الراديكالية، وكان أكثر تقاربا مع جماعات الإخوان المسلمين في مصر والعديد من بلدان العالم، كما شهدت فترته نمواً كبيراً للعلاقات السودانية الإيرانية. واستطاع طه من خلال ذلك النهج تقوية نفوذ الأجهزة السرية بشكل كبير.

وينظر إلى وزير الخارجية الأسبق علي كرتي "66 عاماً" على أنه مهندس استنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني في السودان.

وقبل أن يتولى حقيبة الخارجية، عمل كرتي لسنوات طويلة على حشد عناصر التنظيم الإخواني وإلحاقهم بكتائب تدربت على العنف وقتل المدنيين الأبرياء في ساحات القتال في الجنوب ودارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق.

وأسس كرتي قوات الدفاع الشعبي في تسعينيات القرن الماضي وأراد لها أن تكون نواة لكتائب عقدية على غرار مليشيات الحرس الثوري الإيراني.

وإلى جانب قوات الدفاع الشعبي شارك كرتي في تأسيس ودعم العديد من الكتائب الجهادية التي شكلت فيما بعد نواة للعناصر التنظيمية داخل العديد من الأجهزة النظامية.

ويعتبر كرتي مثالا صارخا للانتهازية السياسية، فقد نجح في تكوين ثروة ضخمة من تجارة مواد البناء مستفيدا من نفوذه السياسي والأمني الكبير، وقربه الشديد من المخلوع عمر البشير وأفراد أسرته.

واشتهرت شخصية عوض الجاز، وزير النفط الأسبق وأحد أكثر عناصر الإخوان فساداً وبطشاً، بالميل نحو حشد النفوذ الاقتصادي للتنظيم أكثر من الجوانب الأخرى، لكن أدواره تغيرت بشكل ملحوظ في نهاية العام 2013 حيث أصبح نجمه يسطع أكثر في الجوانب الأمنية.

وتعزز وجوده التنظيمي بشكل أكبر بعد أن أسندت إليه مهمة الإشراف على كتائب الموت الملحقة بالعديد من الأجهزة النظامية.

وفي خطوة رمت لتوسيع القبضة الأمنية وزيادة الاعتماد على الميليشيات الحزبية وخدمات الأمن الخاص تم تسليم الجاز ملف العلاقات الروسية لتدخل شركات الأمن الروسية الخاصة على الخط لتحصل على عقود إعداد وتدريب ضخمة.

وأشارت تقارير موثوقة إلى أن المجموعة التي شاركت في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في الثالث من يونيو كانت تتشكل في معظمها من الأفراد الأكثر ولاء للإخوان "المؤتمر الوطني"، وأخضعوا لعمليات تدريب مكثفة استمرت بضعة أيام قبل العملية وتحت إشراف مباشر من شركة روسية.

ويعتبر الجاز واحداً من أكثر العناصر ولاء للتنظيم، وتمكن من تقوية المركز المالي لجماعته خلال السنوات التي سبقت انفصال الجنوب والتي تولى في معظمها وزارة النفط التي كانت الوزارة الأكثر أهمية حينها، وذهبت الكثير من أموال النفط إلى اأجهزة الحزب وفي مقدمتها أجهزة القتل السرية.

ويعد طارق حمزة من عناصر التنظيم الذين حققوا طفرات مالية ضخمة في سنوات الإنقاذ الأخيرة، وهو من أكثر العناصر ارتباطاً بمجموعات العنف داخل التنظيم.

ومن خلال الأنشطة الاقتصادية الضخمة التي يديرها بأموال الدولة، أصبح طارق حمزة أحد الممولين الرئيسيين لكتائب الموت التابعة للتنظيم.

وإضافة لترؤسه الشركة السودانية للاتصالات، فهو يرأس أيضاً مجلس إدارة بنك المال المتحد.

ويتمثل الخطر التنظيمي الأكبر لحمزة في تمدد الأنشطة الاقتصادية التي يديرها في العديد من الدول الأفريقية ما يشي باحتمال وجود رابط مع العديد من جماعات الإسلام السياسي في دول القارة السمراء.

أما عماد حسين الذي تولى مهمة الإشراف على كتائب الموت لأكثر من عامين، فيجمع بين القبضة الأمنية والمالية.

ويعتقد أن حسين، الذي عمل في السابق ضابطاً في جهاز الأمن والمخابرات ورئيساً تنفيذياً لشركة سوداتل للاتصالات، واحد من أكثر كوادر التنظيم نشاطاً في مجال تجنيد العناصر المقاتلة.

وارتبط اسمه بالعديد من عمليات الفساد التي أفقدت الخزينة العامة مئات الملايين من الدولارات.

وعلى مدى سنوات عديدة ظل حسين بمثابة المنسق التنظيمي للأمن الشعبي، وهي ذات المهمة التي تقلدها عبدالله إدريس أحد أباطرة المال في التنظيم الإرهابي.

ويعتبر عبدالله إدريس أحد القيادات المؤسسة للأمن الشعبي، وهو رجل أعمال ينشط في مجال التحويلات من خلال شبكة من الصرافات التي يديرها أو يساهم فيها.

ووفقاً لتقارير فقد ارتبط اسم إدريس بصفقات غسيل أموال ضخمة بالتنسيق مع مجموعة من الصوماليين.

ويدير إدريس حالياً شبكة من الاستثمارات الموزعة على عدد من المقربين له والتي تشمل قطاعات متنوعة من بينها تجارة قطع الغيار والأجهزة والمولدات والمضخات إضافة إلى الزراعة والعديد من الأنشطة الأخرى.

وكتائب الظل هي مجموعة عقائدية تربت تحت مظلة الإخوان في السودان يعمل بعضهم بشكل مباشر في أجهزة أمنية رسمية والبعض الآخر يعملون في وظائف مدنية في المؤسسات العامة وفي الشركات التابعة للتنظيم، وقبل إلحاقهم بالأجهزة الأمنية الرسمية أو تعيينهم في الخدمة المدنية تتولى أجهزة سرية حزبية شديدة الخطورة عمليات تدريبهم عسكرياً وعقائدياً بحيث يكونوا أكثر ولاء للتنظيم.

وتعددت مهام تلك الكتائب لتشمل عمليات قتل ممنهجة خارج إطار القانون طالت المئات من المعارضين لتنظيم الإخوان الإرهابي.

ونفذت عمليات القتل تلك بأساليب مختلفة منها التعذيب حتى الموت داخل المعتقلات مثل حالة الدكتور علي فضل في بداية التسعينيات، والعديد من المعتقلين السياسيين.

كما نفذت الأجهزة السرية عمليات قتل متظاهرين مناوئين لنظام البشير في فترات مختلفة أهمها انتفاضتي ديسمبر 2013 وديسمبر 2018 والتي نجحت في اقتلاع نظام المؤتمر الوطني في أبريل 2019، وأوقع رصاص الأجهزة السرية خلال العقود الثلاثة الماضية مئات القتلى من بينهم طلاب جامعات ومدارس وأطباء ومهندسين وعمال وموظفين من مختلف الفئات العمرية والعرقية.

وفقاً للصحفي والمحلل السياسي مأمون الباقر فإنه ونظراً لأن عقيدة الإخوان تقوم على تعزيز الوجود في السلطة عبر العنف والإرهاب وسفك الدماء، فقد وجهوا معظم ثروات البلاد نحو دعم وتمويل الأجهزة السرية ومكنتها من الحصول على ميزانيات مفتوحة، وسهلت لها منافذ وتسهيلات استثمارية ضخمة تمكنوا من خلالها من تأسيس شركات يقدر عددها بأكثر من 200 شركة تدير حتى الآن العديد من الأنشطة التجارية والخدمية على نهج أنشطة واستثمارات الحرس الثوري الإيراني الذي ساهم بطرق مختلفة في رسم استراتيجية أجهزة القتل الإخوانية في السودان خلال تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الجديدة.

ويركز الناشط السياسي صديق تاور على نقطة محورية تتعلق بطبيعة تركيبة وتحرك أفراد الأجهزة السرية. مشيراً إلى أن مراكز النفوذ هي التي تحدد طبيعة وحجم الولاء.

ويؤكد تاور على أنه ورغم حضور البعد العقائدي إلا أن معظم المنتمين لتلك المجموعات يتحركون في معظم الأحيان بدافع الامتيازات والمصالح الذاتية البحتة.

ويرى تاور أن كتائب الأمن الطلابي كانت الأكثر حضوراً في قمع ثورة ديسمبر الأخيرة، حيث كان لهم وجود كثيف في أوساط الأجهزة الأمنية الميدانية، مضيفاً أن السبب المباشر لذلك هو سهولة زرعهم في أوساط المتظاهرين الذين كان يشكل الطلاب ومن هم في سن الدراسة الجامعية غالبيتهم العظمى.