تونس - منال المبروك

تستعر في تونس حرب التسريبات والاتهامات والاتهامات المضادة للمتقدمين للسباق الانتخابي في الاستحقاق الرئاسي المرتقب، قبل أيام قليلة، من انطلاق الحملات الرئاسية الرسمية للمترشحين. وتحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى محمل للتقاذف بالتهم وتسريب الاتصالات بين سياسيين من كل المشارب السياسية.

وتشير حرب التشويهات والتسريبات التي طالت حتى الحياة الخاصة للمترشحين استياء كبيرا لدى نشطاء سياسيين معتبرين أن هذه الحرب التي وصفوها" بالقذرة" بين المترشحين للرئاسية في تونس نزلت إلى القاع وباتت تمثل تهديداً للحياة السياسية في البلاد.

وتحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحات "صراع" بين مناصري الحملات الاتتخابية بين المترشحين حيث يعمد البعض منهم إلى فبركة تصريحات مثيرة للجدل للمتنافسين خدمة لهذا المترشح أو ذلك.

كما لا تخلو حملات التشويه من اتهامات بالعمالة والتخابر مع جهات أجنبية والتقليل من وطنية بعض المترشحين في محاولة للتأثير على نتائج الانتخابات أو الإقصاء المبكر للبعض من المتقدمين للانتخابات الرئاسية.

وسرب نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي اتصالات مكتوبة على تطبيق "الواتساب" بين سليم العزابي رئيس حملة المرشح يوسف الشاهد والإعلامي بوبكر بن عكاشة الذي ينشط البرنامج السياسي "ساكن قرطاج" على قناة التاسعة يدعوه إلى "الحط من قيمة" منافس الشاهد، عبد الكريم الزبيدي أثناء استضافته في برنامجه خدمة لمصالح الشاهد.

ومباشرة بعد انتشار التسريب على"فيسبوك" نفى الاعلامي بوبكر بن عكاشة أي اتصال له مع العزابي مؤكداً أن "التسريبات مفربكة وأنه سيذهب إلى القضاء".

ورسميا تبدأ في تونس الاثنين الحملات الانتخابية الرسمية والمناظرات التلفزيونية بين المترشحين التي ستجرى لأول مرة في تونس فيما يطالب نشطاء سياسييون من الهيئات العدلية المشرفة على الإعلام بالمساهمة في أخلقة الحياة السياسية وضمان حيادية كل وسائل الاعلام والإعلاميين بعد أن أفلتت منهم مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي.

ويعد أخلقة الحياة السياسية في تونس مطلبا للحكومة الحالية وعدد من الأحزاب السياسية التي دعت البرلمان إلى ضبط مدونة سلوك سياسي تضمن الحد الأدنى من الأخلاق في التعامل السياسي بين الأحزاب وفي تسيير الانتخابات.

وقدمت حكومة الشاهد مقترحاً لميثاق أخلاقيات السياسة، يقوم على مقاربة أخلاقية وأخرى حقوقية، تراعي حق جميع الفاعلين في الخوض في الشأن العام وفق التصور العام المعلن عنه.

ومنذ إعلان رئيس الحكومة يوسف الشاهد عزمه على الدعوة لصياغة مدونة أخلقة السياسة في تونس، لم تلق المبادرة إجماعاً والتفافاً حولها.

فعدا مساندي الشاهد والأحزاب المتحالفة معه، لم يرحب بالمبادرة إلا قلة ربطوا نجاحها ومصداقيتها بشروط واضحة، وفي مقدمتهم المنظمات المهنية، على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان وعمادة المحامين.

وأكد رئيس الرابطة التونسية لحقوق الانسان، جمال مسلم، أن مبادرة الشاهد لم تكن الأولى من نوعها، وإنما سبقته إليها المنظمات الوطنية التي دعت لتوقيع "عهد المواطنة".

واشترك في صياغة العهد كل من المعهد العربي لحقوق الإنسان، والنقابة الوطنية للصحافيين، والاتحاد العام التونسي للشغل، وعمادة المحامين، والرابطة، وجمعيات أخرى، واتفقت جميعها على الدعوة للرفع من المواطنة والانتماء لدى التونسيين وتحسين التعامل السياسي، الذي أصبح حراً في تكوين الأحزاب والمنظمات. وفي المقابل، ارتفعت حدة العنف، ما نفر المواطنين من الطبقة السياسية.

واعتبر مسلم أن النقاش السياسي يجب أن يحترم الحد الأدنى من الأخلاقيات والمبادئ، لذلك عندما جاء مقترح الحكومة للمعهد العربي بأن يعد مشروع وثيقة لأخلقة السياسة، قبلت الرابطة، لاعتبارها أن السجال السياسي يجب أن يقوم على مبدأ الاختلاف والتعايش وقبول الآخر والخفض من منسوب العنف، مع تنظيم الصراعات السياسية في ظل حد أدنى من القبول بالآخر.

اشتكي التونسيون، مواطنين ومسؤولين وأحزاباً، منذ سنوات من تدني مستوى الخطاب السياسي وانفراط عقد القواعد الأخلاقية في الممارسة السياسية، ما دفع نواباً وأحزاباً إلى تغيير مواقعهم ومواقفهم باستمرار، وأدى إلى موجة عزوف كبيرة للمواطنين عن العمل السياسي وتراجع منسوب الثقة بالمؤسسات والأحزاب فيما تزيد حرب التسريبات المستعرة هذه المدة في حيرة الناخبين الذين فقدوا بوصلة التمييز بين الغث والسمين.