واشنطن - (وكالات): دعا معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الولايات المتحدة الأمريكية إلى توجيه ضربات عسكرية علنية وسرية ضد الفصائل العراقية المدعومة من إيران مثل عصائب أهل الحق ومنظمة بدر وغيرها، لمنعها من الاعتداء على المتظاهرين وتخريب العملية السياسية في العراق.

كما حثّ واشنطن على فرض عقوبات واسعة ضد قادة الأحزاب الفاسدين والميليشيات والقادة العسكريين المتورطين في قمع التظاهرات.

ودعا التقرير إلى العمل مع رئيس الحكومة العراقية المكلف محمد علاوي، وفق نهج مدروس يقوم على عدة نقاط يجب إيضاحها له قبل تشكيل الحكومة.

وقال معهد واشنطن في تقريره إنه للمرة الأولى منذ الأحداث المثيرة التي وقعت خلال الشهرين الماضيين، يستطيع واضعو السياسات العراقيون والأمريكيون على حدٍّ سواء التقاط أنفاسهم والنظر في خياراتهم على المدى المتوسط للتعامل مع رئيس الوزراء المكلف علاوي.

لقد تم اختيار علاوي لأنه لم يكن ليثير على الأرجح معارضةً قويةً من أي جانب، بما في ذلك من تيار الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر، أو المسؤولين الإيرانيين، أو الفصائل السنية، أو الأكراد، أو المعتدلين العراقيين، أو الغرب. ولم يكن بأي حال من الأحوال الرجل الذي تفضله طهران، وخاصة بعد أن فشلت "كتلة البناء" المدعومة من إيران في دفع مرشحيها الأربعة الأوائل.

ومهما كانت وجهات نظر الحكومة الأمريكية، فهي بحاجة إلى التعامل بسرعة مع علاوي - أي قبل المصادقة عليه كرئيس للوزراء - بينما يشكل فريقه الانتقالي الصغير مجلس الوزراء ويقوم بالتحضيرات لتولي المنصب.

وذكر المعهد أن أمريكا يجب أن تكون واضحة جداً مع علاوي بشأن توقعاتها وخطوطها الحمراء في المرحلة المقبلة، مع إعطائه جميع المعلومات التي يحتاجها للاضطلاع بدوره المحلي مع مراعاة وجهات نظر أحد الشركاء الأساسيين في التعاون الاقتصادي والأمني.

وبشكلٍ عام، تتماشى توقعات الولايات المتحدة مع توقعات الشعب العراقي، خاصة فيما يتعلق بالقضايا التالية:

أولاً: حماية المواطنين العراقيين: وفقاً لـ "المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق"، أشرفت حكومة رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي، على حملات القمع التي قامت فيها الميليشيات الخاضعة رسمياً للعقوبات بقتل 536 محتجاً وجرح 23545 آخرين. ينبغي على واشنطن أن تضغط بقوة على علاوي لمنع أي استخدام مستقبلي للنيران الحية، أو رصاص مكافحة الشغب، أو عبوات الغاز ضد المحتجين "حتى إن هذه الأخيرة غالباً ما تستخدم بطريقة مميتة في العراق".

بالإضافة إلى ذلك، على الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ومسؤولين آخرين أن يذْكروا بصورة روتينية وعلنية محنة المحتجين العراقيين بالطريقة الصلبة نفسها التي طالبوا بها لحماية المحتجين الإيرانيين.

ثانيا: حماية مؤسسات الدولة: لقد استخدمت الميليشيات فترة ولاية عبد المهدي للإسراع في تثبيت المسؤولين الفاسدين في مكتب رئيس الوزراء، والوزارات المتنوعة، وقوات الأمن، والقطاعات الاستراتيجية مثل البنوك والموانئ والجمارك والطيران المدني. وهناك علامات على أن علاوي يخضع أصلاً لضغوط لإحضار مسؤولين فاسدين إلى مكتبه.

وبناءً على ذلك، تحتاج واشنطن إلى إعلامه بأنها تراقب عن كثب وأنّ بحوزتها مجموعة من العقوبات المستهدفة المتاحة للاستخدام الفوري ضد كبار المسؤولين الفاسدين ومنتهكي حقوق الإنسان الذين يواصلون العمل ضمن نظامه. والهدفان الأكثر وضوحاً هما مستشار عبد المهدي للأمن الوطني، فالح الفياض، ومدير مكتب عبد المهدي أبو جهاد "اسمه الحقيقي محمد الهاشمي"، وكلاهما لعب دوراً رئيسياً في تنظيم قتل المحتجين، وغيرها من الانتهاكات.

كما يجب على الحكومة الأمريكية أن تعاقب أيضاً على الفور أي خطوات عراقية أخرى للتخلص من التكنوقراطيين، من بينهم أولئك المتواجدين في المؤسسات الأمنية مثل "جهاز المخابرات الوطني".

لقد دعت كلٌّ من منظمة "الأمم المتحدة" والاتحاد الأوروبي" إلى إجراء انتخابات مبكرة، وإذا استطاع علاوي تجنب القضايا التي ابتليت بها انتخابات عام 2018 التي تمت إدانتها على نطاق واسع، والإشراف على انتخابات حرة ونزيهة في العام المقبل، فلدى العراق فرصة للإقلاع مجدداً كدولة ديمقراطية. وتشير جميع الدلائل إلى أن علاوي يتمتّع فعلاً بالسلطة والمسؤولية لضمان عدم فساد العملية، وحماية المرشحين والمجتمع المدني في الفترة ما قبل الانتخابات، ودعم الرقابة الدولية المكثفة على عملية التصويت.

الجنرال الإيراني قاسم سليماني قتلته واشنطن في بغداد يوم 3 يناير الجنرال الإيراني قاسم سليماني قتلته واشنطن في بغداد يوم 3 يناير

رابعاً: حماية الأفراد الأمريكيين: يجب على وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أن يخبر علاوي مباشرةً أنّ أي هجمات على الأفراد الأمريكيين ستؤدي إلى انتقام مؤلم ضدّ الميليشيات العراقية وكذلك ضدّ أهدافٍ إيرانيةٍ داخل العراق وخارجه.

خامسا: الاعتراف بالشركاء وردع الأعداء: وفي الآونة الأخيرة، في سبتمبر الماضي، بدت الولايات المتحدة منعزلةً في هدفها المتمثل بالسعي إلى تحقيق السيادة والاستقرار والديمقراطية في العراق. واليوم، في أعقاب الاحتجاجات التي استمرت عدة أشهر وازدياد المقاومة السياسية في وجه الميليشيات المدعومة من إيران، يجب على واشنطن أن تشعر بالاطمئنان من أن القوى البارزة داخل العراق تسعى ناشطةً إلى تحقيق الهدف نفسه. لقد أظهر المحتجون وحركات المجتمع المدني والفصائل الكردية، بالإضافة إلى الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي والعديد من النوّاب السنّة، العزم والشجاعة في التصدي للترهيب الميليشياوي.

وبالإضافة إلى الإشادة بهؤلاء العراقيين الذين يضعون العراق أولاً، يجب على الحكومة الأمريكية منحهم آلية دعمٍ منظّمة بشكلٍ أفضل، مع التواصل أيضاً في الوقت نفسه مع الجيل القادم من القادة والجهات الفاعلة السياسية والاجتماعية الأقل شهرةً.

علاوةً على ذلك، يشعر الكثير من العراقيين المعتدلين بأنه يتعين على واشنطن الاستمرار في الضغط على العناصر المدمّرة مثل "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و "منظمة بدر" والفياض. فإذا رأت هذه الجهات أنّ هذا الضغط يُرفَع، ستعود للانتقام، وسوف تقتل المحتجّين والأمريكيين، وكذلك الجهات الفاعلة السياسية العراقية الجديدة أيضاً التي تبرز في الفترة التي تسبق الانتخابات.

ولتفادي هذه النتيجة، على الولايات المتحدة تحديد نسبة استجابة وتوجيه ضرباتٍ أميركية شبه مميتة أو قاتلة "معترف بها أو غير معترف بها"، على قادة الميليشيات العراقية. "يجب أن تكون تفاصيل هذه النسبة معروفة فقط للحكومة الأمريكية. وقد استُخدم هذا النوع من النظام لمراقبة الردود على مضايقات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين المستمرة لدوريات منطقة حظر الطيران في التسعينيات".

وبالنسبة للساعين إلى تحقيق السلام والسلامة للأمريكيين والعراقيين، من المهم ردع الهجمات الصاروخية الخطرة على القواعد الأمريكية، التي ستقتل في النهاية المزيد من الأمريكيين، حتى لو كان ذلك "عن طريق الخطأ".

وفي الوقت نفسه، على واشنطن التنسيق مع بريطانيا و"الاتحاد الأوروبي" بشأن برنامج عقوبات شامل وغير محدود يسرع استهداف القادة العراقيين الفاسدين ومنتهكي حقوق الإنسان.

وينبغي على الولايات المتحدة أن تسحب أيضاً دعم التعاون الأمني من وزارة الداخلية إلى حين تعيين وزيرٍ جديدٍ يتخلص من منتهكي حقوق الإنسان، وهي خطوة أصبحت ضرورية بسبب تورّط قوات الوزارة بشكلٍ صارخ في قمع المتظاهرين.

وأخيراً، على واشنطن النظر في معاقبة الأفراد داخل منظمة بدر بدلاً من المنظمة بأكملها، لزيادة الانقسام في هذه الحركة التي تعاني أصلاً من الانشقاقات.

هذا ولم يعد المسؤولون الأمريكيون بحاجة إلى إعلاء الصوت لإعلان نفوذ طهران الخبيث في العراق: فالجميع في البلاد يفهمون الآن ذلك، ولهذا السبب حاول المحتجون إحراق السفارة والقنصلية الإيرانيتيْن وليس الأمريكيتيْن. والشعب العراقي هو أفضل حليف لأمريكا في المناطق الخاضعة لسيطرة بغداد، لذلك على واشنطن المساعدة في حماية ثورته البطيئة الاشتعال ضد قوات الاحتلال الوكيلة لإيران.