بيروت - (وكالات): سنة، شيعة، موارنة، أرثوذكس، كاثولوليك، دروز، آشور، كلدان في لبنان جميعهم تخطوا الحواجز الطائفية والدينية في البلاد، وتحركوا من أجل عزل الطبقة السياسية التي جعلت لبنان وشعبه في أزمة اقتصادية خانقة.

مشاكل كبرى تعاني منها البلاد، حيث أن أبسط الخدمات مثل الكهرباء غير متوفرة بشكل دائم، إلى جانب تراكم النفايات والصرف الصحي، وموازنة تعاني من ثالث أكبر دين نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم.

لكن هذا ليس ما يشغل بال زعيم حزب الله حسن نصرالله، والذي يجد نفسه "مفلسا" في مواجهة من نوع جديد في البلاد، إذ يقف هو والحرس القديم من السياسيين أمام لبنان جديد لم يعهدوه من قبل، وجيل جديد من الشباب لا يأبهون بتقاطع المصالح لجهات تدين بالولاء لدول أخرى، ولا يرغبون سوى بدولة تخلو من طبقة سياسية فاسدة، وفق تقرير نشره موقع ناشونال إنترست المتخصص.

لبنان الذي عانى من ويلات حرب أهلية لعدة سنوات، استطاع أن يحافظ على السلام الداخلي خلال أزمات عصفت في المنطقة في العقد الماضي، حيث أصبح وجهة للاجئين السوريين الذين يعانون من الحرب منذ 2011.

ولكن الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها اللبنانيون دفعتهم إلى الاحتجاج والخروج إلى الشوارع ما وضع الطبقة السياسية في مأزق بعد المطالبة بمغادرتهم السلطة جميعا من دون تفرقة أو تمييز.

ما دفع اللبنانيين للخروج كان فرض ضريبة على خدمات تطبيقات التراسل عبر الإنترنت، ولكن الاحتجاجات كان بوتيرة أعلى حيث فتحت ملفات الفساد للطبقة السياسية التي تحكم البلاد منذ 1990، والتي دفعت باستقالة رئيس وزراء وتعيين آخر جديد. وتأتي لبنان في المرتبة 138 عالمياً في مؤشر الفساد.

وكان ارتباك "حزب الله" واضحاً فيما حصل بالتظاهرات الأخيرة، إذ إنه كعادته لجأ إلى العنف من أجل قمع المتظاهرين، الأمر الذي تسبب له بانتقاد علني حتى من بعض أنصاره، وألحق ضررا بالحزب وبقاعدته الشعبية، حسب التقرير.

ويقول إن ما حصل في لبنان كان مفاجئا للطبقة السياسية، حيث وجدت بعض التيارات نفسها على المحك كلاعب سياسي قوي في البلاد، والذين كان من أبرزهم حزب الله الموالي لإيران.

ويكافح حزب الله من أجل الحفاظ على سيطرته من خلال السياسيين الذين يدعمهم ولكنهم مرفوضين شعبياً خاصة وأنهم يعدون جزءاً من الطبقة السياسية التي تمثل الحرس القديم.

وكانت نشأة حزب الله كقوة عسكرية شيعية من قبل وكلاء إيرانيين وسوريين خلال فوضى الحرب الأهلية في لبنان، حيث حاولوا دائما استقطاب الناس من خلال استعدائهم لإسرائيل، حسب الموقع.

ولكن منذ التسعينيات سعى الحزب لإعادة إنتاج هويته السياسية بالمشاركة أكثر في البلاد، وبعد ذلك في 2005 عندما اغتالت سوريا رئيس الوزراء رفيق الحريري، وما تبعها من قرار من الأمم المتحدة بدعوة سوريا للانسحاب من البلاد ونزع سلاح حزب الله، إلا أنه أظهر جزء من حقيقته عندما هاجم الدول الغربية واتهمها بالتدخل في الشأن اللبناني، حيث كان يرغب باستمرار السيطرة السورية في البلاد.

والجمعة، دعا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، بمناسبة حلول الذكرى الخامسة عشر لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، إلى نهاء الإفلات من العقاب في لبنان لضمان أمن البلاد واستقرارها.

وقال بومبيو في بيان إن اغتيال الحريري هو عمل من أعمال القتل الجماعي أسفر عن مقتل 21 آخرين وإصابة 266 ضحية في بيروت.

وذكر بومبيو بأن العديد من الأفراد المرتبطين بحزب الله وُجهت لهم تهمة القيام بأدوار في هذا الهجوم الإرهابي، ويجب تقديمهم إلى العدالة في نهاية المطاف.

وقتل الحريري في فبراير 2005 عندما فجر انتحاري شاحنة صغيرة مليئة بالمتفجرات لدى مرور موكبه في جادة بيروت البحرية. وأوقع الهجوم إلى جانب الحريري 21 قتيلا وإصابة نحو 226 شخصا بجروح.

وبعد خسارة سوريا لموطئ قدمها في لبنان، بدأ حزب الله في الاحتكاك بإسرائيل ودفعها باتجاه غارات متبادلة كادت أن تدفع إلى حرب في 2006، ونجح حينها في صد هجمات إسرائيل، ولكن نصر الله اعترف فيما بعد بأن قام به الحزب لم يكن حكيما.

ومع بداية الربيع العربي في 2001، دُعي حزب الله للمشاركة في الحرب بسوريا باعتباره أحد الميليشيات المدعومة من إيران، حيث أرسل العديد من قواته إلى القتال في سوريا، وهو الأمر الذي قلل من شرعية نصر الله في لبنان.

وبعد ذلك استمر نصر الله في إثبات أن الحزب ميليشيا إيرانية لتنفيذ أهدافه في المنطقة العربية، وتحول خطابه بعيداً عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والذي كان يستعطف به الناس دائما، متناسيا أن المناخ السياسي في لبنان لم يعد يسمع نغمة المؤامرة الإسرائيلية الغربية التي استمر بتكرارها مراراً.

والمعضلة التي يواجهها حزب الله الآن بحسب التقرير أنه لا يمتلك أي شيء يمكن تقديمه للبنان، فلا قدرة له في توفير خدمات أساسية أو دعم داخلي، لا بل أن ممارساته تسبب أذى للاقتصاد اللبناني، حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قيادات من الحزب ونشاطات له أضرت ببنوك متعاملة معه، وأثرت على اقتصاد البلاد، ناهيك عن حجب مساعدات أمنية بأكثر من 100 مليون كانت تقدمها أمريكا للبنان.

وتعيين رئيس الوزراء الجديد حسان دياب لا يعني أن تختلف الأمور في لبنان، خاصة بعدما ثبت أنه هو وعدد من أعضاء حكومته عينوا بتوصيات من حزب الله، وهو يواجه أزمة اقتصادية ويسعى للحصول على قروض تقدر بـ 5 مليارات دولار من أجل تسيير الأمور في البلاد.

ومنح البرلمان اللبناني الثقة للحكومة وللبرنامج الاقتصادي لرئيس الوزراء الجديد، حسان دياب، في يوم شهد احتجاجات شعبية حاول خلالها متظاهرون منع النواب من الوصول إلى البرلمان، وتخللته مواجهات بين محتجين وقوى الأمن.

ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر تظاهرات غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية التي يتهمها اللبنانيون بالفشل في إدارة الأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة. إلا أن وتيرة التظاهرات تراجعت بعد تشكيل دياب حكومته خلفاً لحكومة سعد الحريري، التي استقالت تحت ضغط الشارع.