سكاي نيوز عربية

ربط المراقبون المتابعون للشأن العراقي بين لقاء رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بالرئيس الأميركي دونالد ترامب المقرر الخميس في واشنطن، وبين تتصاعد عمليات اغتيال النشطاء المدنيين، بالذات في المناطق التي تشهد تظاهرات عارمة وسط وجنوب البلاد.

واعتبرت الاغتيالات بمثابة رسالة ثنائي للطرفين العراقي والأميركي على حد سواء، مفادها أن السيطرة الفعلية على الأرض في العراق ليست في يد الحكومة الشرعية والرسمية، وأن طرفا ثالثا يهيمن بقوة على البلاد، ويرجح أن يطرح ذلك للنقاش خلال المفاوضات.

ظهر ذلك جليا من اللقاءات التمهيدية التي عقدها الوفد العراقي مع كبار المسؤولين الأميركيين، بالذات مع وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي نقلت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" تصريحات قال فيها إن اللقاء مع الكاظمي والوفد المرافق له ستركز على ملف الجماعات العراقية المسلحة الممولة من قبل إيران.

فالولايات المتحدة مستعدة تماما لدعم العراق في ملف محاربة الإرهاب، بالذات في مواجهة تنظيم "داعش"، لكن المسألة الأهم في البلاد هي التنظيمات المسلحة الخارجة عن القانون والشرعية الحكومية، إذ أوضح بومبيو أثناء مؤتمره الصحفي مع وزير الخارجية العراقية فؤاد حسين: "لا يزال هناك عمل يتعين القيام به، لقد أعاقت الجماعات المسلحة التي لا تخضع للسيطرة الكاملة لرئيس الوزراء تقدمنا، يجب استبدال هذه المجموعات بالشرطة المحلية في أسرع وقت ممكن، لقد أكدت للدكتور فؤاد أنه يمكننا المساعدة".

استجابة الكاظمي جاءت مباشرة، خصوصا بعد ورود أنباء عن تصاعد عمليات اغتيال الناشطين التي طالت 7 خلال اليومين الماضيين فقط، 6 في مدينة البصرة وواحدة في العاصمة بغداد.

المثير أن تلك العمليات جرت خلال النهار وفي مناطق مكتظة بالسكان، ولم تتمكن قوات الأمن من اعتقال أي من الفاعلين في علامة على سيطرة المرتكبين التامة على مفاصل المدن الرئيسية.

الكاظمي كتب على حسابه الرسمي في "تويتر": "أقلنا قائد شرطة البصرة وعددا من مدراء الأمن بسبب عمليات الاغتيال الأخيرة، وسنقوم بكل ما يلزم لتضطلع القوى الأمنية بواجباتها. التواطؤ مع القتلة أو الخضوع لتهديداتهم مرفوض وسنقوم بكل ما يلزم لتقوم أجهزة وزارة الداخلية والأمن بمهمة حماية المجتمع من تهديدات الخارجين على القانون".

وسيكون للملف الأمني أولوية على باقي الملفات التي سيناقشها الطرفان، لكنه ملف منقسم إلى مستويات عدة لا يمكن لأي حكومة عراقية أن تتخذ قرارات مباشرة بشأنها، لأن تمس الاستقرار الداخلي العراقي بعمق.

فالولايات المتحدة ستطلب من رئيس الوزراء حلا عاجلا ومباشرا لمعضلة قرابة ألفي مسلح تابع لفصيل "كتائب حزب الله"، التي تعتبر التشكيل العسكري الأكثر خطورة وارتبطا بإيران من باقي التشكيلات المسلحة المكونة للحشد الشعبي العراقي.

فهذا التنظيم الذي يملك مقرات رسمية داخل المنطقة الخضراء وقواعد عسكرية قرب مقر إقامة رئيس الوزراء نفسه وقاعة استقبالات ضمن المقر السابق لرئاسة الجمهورية، حسب الكاتب علي عبد الأمير عجام، يشن هجمات يومية على القواعد العسكرية المشتركة بين الجيش العراقي ونظيره الأميركي، وعلى المصالح المدنية للولايات المتحدة في العراق، بالذات السفارة الأميركية.

موقع "إيران إنترناشيونال" رصد في تقرير مطول العلاقة بين تصاعد هجمات هذا الفصيل في الفترة الأخيرة، وبين حملات اغتيال الناشطين المدنيين العراقيين، معتبرا أن كلا الآليتين بمثابة رسائل ثنائية من إيران للحكومة المركزية العراقية والولايات المتحدة في الوقت ذاته.

ويفتح ذلك بابا أمام المسألة الكبرى التي يجب مناقشتها إستراتيجيا بين الطرفين، المتعلقة بمصير قرابة 150 ألف مسلح يشكلون تنظيمات الحشد الشعبي العراقي، لكن الولايات المتحدة تعتبر أغلبها تنظيمات مرتبطة أيديولوجيا وسياسيا وحتى تنظيميا بإيران.

إذ تربط الولايات المتحدة نوع ومستوى علاقتها مع الحكومة المركزية العراقية، بقدرة هذه الأخيرة على تحديد المصير المستقبلي لهذه التنظيمات التي تتلقى مواردها وتسليحها وشرعيتها من الحكومة المركزية العراقية والخزينة العامة للبلاد.

وسيكون كل ذلك مدخلا لمناقشة الموقع الإستراتيجي للعراق في المشهد الإقليمي، فالولايات المتحدة ترى أن استقطابا إقليميا يتشكل في مواجهة إيران، وأن الموقف العراقي، بالذات موقف الحكومات المركزية السابقة وأغلب القوى السياسية المشكلة لهذه الحكومات، كان على الدوام أقرب للإستراتيجية الإيرانية، وأن حكومة الكاظمي عليها قبل مطالبة الولايات المتحدة بتحييد العراق عن الصراع الإقليمي والدولي مع إيران، أن تحدد موقفها وموقعها من خطط طهران.

صحيفة "ذي هيل" الأميركية نقلت في تقرير موسع تفاصيل التدخلات الإيرانية في العراق، الذي يقوض كل أشكال السيادة الرسمية على البلاد، بما في ذلك الخطوات التي يمكن أن تتخذها أي حكومة عراقية في تفاصيل الحياة العامة اليومية، معتبرة أن تدخلات طهران لا تهدد الاستقرار الداخلي فحسب، بل تتجاوز ذلك لأن تكون عاملا في إمكانية تفكك العراق كحل وحيد لمشاكله الداخلية، وهو ما قد يسترعي انتباه المسؤولين الأميركيين.

كانت إشارة وزير الخارجية العراقي خلال المؤتمر الصحفي مع نظيره الأميركي، إلى أن العراق سيوقع عقدا مع شركة النفط الأميركية "شيفرون"، ذات دلالة على أن الجانب العراقي يسعى لعلاقات إستراتيجية بعيدة المدى مع نظيره الأميركي.

صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت عن مسؤولين عراقيين مطلعين على تفاصيل الصفقة، أن "شيفرون" ستنفذ أعمال استكشاف في حقول محافظة الناصرية جنوبي العراق الذي يعتقد أنها تحتوي على ما يقرب من 4.4 مليار برميل من النفط الخام، وهو ما يعد مشروعا إستراتيجيا للجانبين.

بومبيو كان قد صرح أثناء نفس المؤتمر بأن الولايات المتحدة ستستمر في دعم العراق في كافة المجالات، مذكرا أن بلاده قررت إضافة 204 ملايين دولار لحجم مساعداتها للعراق، على أن تصرف في القطاعات التنموية وبيئات النازحين العراقيين، وتأتي هذه الرسائل المتبادلة في ظلال مؤثرين فاعلين على هذا التعاون بين الطرفين.

فالشركات الأميركية، خصوصا تلك العاملة منها في القطاع النفطي جنوب البلاد، كانت قد واجهت تحديا أمنيا صعبا طوال العام الماضي، حيث كانت الكثير من الهجمات المسلحة تطال مواقع نشاطها مستغلة حالة الفوضى الأمنية التي ترافق التظاهرات في تلك المنطقة، وكانت بمثابة رسائل للحكومة المركزية والولايات المتحدة تقول إن أي مسعى لتبديل المعادلة السياسية في البلاد عن طريق التظاهرات ستمس المصالح الاقتصادية الأميركية في العراق، بما في ذلك سلامة العاملين الأميركيين في القطاع النفطي.

كذلك فإنها تؤثر على تفاصيل الحوار الإستراتيجية الذي تخوضه الحكومتان، ويستهدف الموازنة بين التعاون الأمني والعسكري، وما يوازيه من تفاصيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الطرفين، التي وقعت عام 2008، وتضمنت توافقا على تعاون الطرفين في مختلف المجالات التنموية، بشكل يشبه ما فعلته الولايات المتحدة مع كل من ألمانيا واليابان عقب نهاية الحرب العالمية الثانية.

لكن ضغوط القوى السياسية والفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، حالت دون تنفيذ أغلب بنود تلك الاتفاقية وحولت موضوع إخلاء العراق من القوات الأميركية إلى جوهر العلاقة بين الطرفين.

مصادر خاصة رفيعة المستوى مقربة من رئيس الجمهورية العراقية برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، كشفت لـ"سكاي نيوز عربية" عن مساع أميركية لدعم تحالف سياسي عراقي يجمع "قوى الاعتدال"، لدخول الانتخابات البرلمانية المقررة في أوائل شهر يونيو من العام المقبل كجبهة سياسية واحدة.

المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه، أوضح أن جزءا من اللقاءات غير المعلنة للكاظمي في واشنطن ستتضمن نقاشا موسعا حول مستقبل الدعم الأميركي لمثل ذلك التحالف السياسي، الذي سيكون برعاية غير معلنة من الكاظمي ورئيس الجمهورية، وسيضم كتلا شيعية وسنية مدنية، على أن تحصل على توافق مع القوى الكردية في المرحلة التي تلي الانتخابات، وأن تكون بمثابة الموازي السياسي للقوى الموالية لإيران في المشهد السياسي العراقي المستقبلي.