تلفزيون الشرق
كشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية في تحقيق مطول، الجمعة، ما وصفته بـ"تغلغل" ميليشيات "الحشد الشعبي" المدعومة من إيران، في العراق، وتنامي سيطرتها على مفاصل الدولة، وعملها على إنشاء "حزام" يحيط بالعاصمة العراقية بغداد من خلال كتائب "حزب الله" العراقي، على شاكلة ما قام به "حزب الله" اللبناني في جنوب لبنان.
جرف الصخر
وتناول التحقيق مدينة جرف الصخر، الواقعة على بعد 60 كيلومتراً جنوب غرب بغداد، والتي غير "الحشد الشعبي" اسمها إلى "جرف النصر" بعد هزيمة تنظيم "داعش"، وأعلنها "منطقة محظورة" على سكانها.
وتقع جرف الصخر في موقع استراتيجي بين بغداد ومدينة كربلاء المقدسة لدى الشيعة، وتوجد على الطريق الذي يربط العاصمة الإيرانية طهران بالعاصمة السورية دمشق.
وتحدثت الصحيفة مع شاب عراقي يبلغ من العمر (26 عاماً)، وهو من سكان المدينة، ويقطن حالياً في مخيم وسط صحراء الأنبار، غرب العراق. قال إن "الميليشيات المسلحة، دمرت المنازل ثم المزارع، باستثناء وسط مدينة جرف الصخر، التي يحتلونها حالياً"، مؤكداً أن هذه الميليشيات "أقامت معسكرات وسجوناً سرية، ومزارع لتربية الأسماك"، في المنطقة التي تبعد بنحو 80 كيلومتراً من مجرى نهر الفرات. وأضاف: "يمكننا رؤية سيارات الأمن حول المدارس، ونعتقد أنها تستخدم كسجون".
وأشارت "لوموند" إلى أنه لا أحد من بين 85 ألف فرد من قبيلة الجنابي، الذين فروا من جرف الصخر، خلال اجتياح تنظيم "داعش" للمحافظة في يونيو 2014، ولا حتى من بين المسؤولين السنة الذين يتابعون القضية، يمكنهم تحديد أسباب بقاء الميليشيات المسلحة هناك، بعد ثلاث سنوات من إعلان النصر على "داعش" في ديسمبر 2017.
وأشار الشاب العراقي، في حديثه للصحيفة الفرنسية، إلى أن "كتائب حزب الله العراقية (الموالية لإيران)، تسيطر على المنطقة، وحتى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لا يستطيع أن تطأ قدمه هناك".
وبحسب تحقيق "لوموند"، فإن "العديد من شيوخ قبيبة الجنابي تم اغتيالهم بسبب احتجاجهم. ودعا شيخ القبيبة عدنان الجنابي الحكومات المتعاقبة، إلى إيجاد حل لقبيلته المبعدة من أراضيها، ولكن من دون جدوى".
وأشارت الصحيفة إلى أن الشيخ الجنابي سافر إلى لبنان لعرض قضيته على الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله ، ثم إلى إيران، لعرضها على المرشد الإيراني علي خامنئي، لكن جهوده كلها لم تكلل بالنجاح.
وأكد أحد شيوخ القبيلة، الذي رفض الكشف عن هويته، إنهم "ينشئون منطقة على شاكلة ما يمثله جنوب لبنان لحزب الله".
وقال الخبير الأميركي مايكل نايتس، في مقاله بمجلة "CTC Sentinel" التابعة للأكاديمية العسكرية لـ West Point في الولايات المتحدة، إن منطقة جرف الصخر "تضم العديد من السجون الخاصة (مع أكثر من 1000 معتقل غير قانوني)، ودور راحة للمقاتلين، ومقرات لكتائب حزب الله".
وأضاف الخبير الاستراتيجي أن "هذه المليشيا (حزب الله)، تستخدم المجمع الصناعي العسكري القديم الذي أنشأه صدام حسين، لتصنيع وتخزين واختبار الذخيرة"، مؤكداً أن هذا المجمع "استُخدم لإطلاق طائرتين مسيرتين مفخختين ضد محطات ضخ أنابيب النفط السعودية، في 14 مايو 2019".
وقال متحدث باسم كتائب "حزب الله" العراقية لـ"لوموند"، إن "المنطقة تدمرت جراء العمليات العسكرية"، مضيفاً أن "عملية إصلاح البنية التحتية تستغرق وقتاً، وعندما نعيد بناء ما دمر، سنرى بعدها". كما وصف كل ما يقال عن جرف الصخر بأنه "مجرد بروباغندا".
دولة داخل دولة
وقالت "لوموند" إن جرف الصخر، هي حالة رمزية لـ"دولة داخل الدولة"، وما تشكله الميليشيات العراقية من تحدي كبير للحكومة، مستفدين بما تم تحقيقه في الحرب على تنظيم "داعش". ونسجت هذه الميليشيات شبكتها في جميع مؤسسات الدولة، من الأحياء السكنية في بغداد التي تضم مقارها، إلى المحافظات السنية الريفية، حيث تتخلل حواجزها الطرق السريعة، ولا توجد أي منطقة تخرج عن نفوذها، وفق الصحيفة.
وأشار التحقيق إلى أن "الحشد الشعبي"، يعتمد على عدد لا يحصى له من وسائل الإعلام المحلية، وعشرات النواب، كما أنهم يسيطرون على الوزارات، التي تضمن مداخيل من الرشاوى مقابل تسيير عقود حكومية.
وأكدت الصحيفة أنه منذ انتهاء الحرب على "داعش"، ووصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وانسحابه من جانب واحد من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرضه عقوبات على إيران في مايو 2018، فُتحت مرحلة جديدة من المواجهة على الأراضي العراقية، بين من يسمون أنفسهم "محور المقاومة" بقيادة طهران، والولايات المتحدة التي تقف إلى جانبها أيضاً إسرائيل.
وانتهت الهدنة التي فرضها الصراع المشترك ضد تنظيم "داعش"، لتشن الفصائل الموالية لإيران عشرات الهجمات على المصالح الأميركية في العراق، واستهداف منشآت نفطية في السعودية. فيما تم استهداف قوافل ومخازن أسلحتهم في غارات في العراق وسوريا.
وكادت هذه المواجهة أن تتحول إلى حرب مفتوحة في قلب العاصمة العراقية قبل عام، رداً على تصعيد خطر للمليشيات العراقية، التي دفعت بالآلاف من مؤيديها، لمحاصرة السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء في 31 ديسمبر 2019. ورد ترمب بضربة "موجعة"، استهدفت قائد "فيلق القدس" في الحرس الإيراني قاسم سليماني، وملازمه العراقي، أبو مهدي المهندس، قائد وحدات الحشد الشعبي، اللذان قتلا في 3 يناير 2019.
وصوت نواب شيعة في 5 يناير 2020، على قرار غير ملزم في البرلمان يطالب بسحب القوات الأجنبية من العراق، كما ردت طهران بوابل من الصواريخ الباليستية على قاعدة عين الأسد التي تضم قوات أميركية في غرب العراق، من دون وقوع إصابات. ومنذ ذلك الحين، يسعى الحرس الثوري الإيراني والميليشيات العراقية، إلى الانتقام بما يتناسب مع الخسارة التي لحقت بهم.
تعويض غياب سليماني
وقال السياسي العراقي إحسان الشمري لـ"لوموند"، إنه "مع مقتل سليماني، خسرت إيران الرجل الأكثر نفوذاً في العراق وسوريا واليمن"، مؤكداً أنه "كان على طهران تعويض غيابه، وإعادة تأسيس نفوذ في المنطقة بطريقة مختلفة مع خليفته إسماعيل قاآني، الذي لا يتمتع بكاريزما سليماني ولا بشخصيته".
وأشار إلى أن قاآني (62 عاماً)، الذي كان مسؤولاً على آسيا الوسطى، "لا يتحدث العربية"، مؤكداً أن الميليشيات العراقية "فقدت قادتها الروحيين"، برحيل سليماني والمهندس.
وأشارت "لوموند" إلى أن سليماني والمهندس، المولودان في خمسينيات القرن الماضي، تمكنا من تأسيس شبكة من الميليشيات، مدفوعة بأفكار "الثورة الإسلامية" الإيرانية، إذ جمعت بين كتائب "بدر" التي تم تأسيسها خلال فترة الرئيس الأسبق صدام حسين، في الثمانينات، والميليشيات التي انخرطت في مواجهة الغزو الأميركي في عام 2003، مثل "جيش المهدي"، "عصائب أهل الحق" ، أو "كتائب حزب الله".
وكشف التحقيق أنهما أشرفا سوياً على إرسال مقاتلين عراقيين إلى سوريا منذ عام 2011، للقتال إلى جانب القوات السورية. وبعدما استولى تنظيم "داعش" على ثلث الأراضي العراقية في يونيو 2014، انتهز الرجلان فرصة دعوة علي السيستاني، والذي يمثل أعلى سلطة شيعية في العراق، للتعبئة العامة لمواجهة "داعش"، من أجل استقطاب آلاف المتطوعين في فصائلهم المسلحة، وتشكيل قوة قوامها 160 ألف مقاتل، يتم تمويلهم من خزينة الدولة.
وأصبح الحشد الشعبي قوة حكومية في عام 2016، وتمكن أبو مهدي المهندس من خلال هذه الخطوة، أن يضمن هيمنة الفصائل الموالية إلى إيران على الساحة العراقية، من خلال توزيع المناصب والتمويل المالي.
نفوذ "حزب الله"
ووصف القيادي في جبهة الإنقاذ والتنمية مشعان الجبوري، الحالة بعد مقتل سليماني والمهندس، قائلاً: "كان هناك أب (سليماني) يشرف على المنزل، ولكنه مات مع الابن الأكبر (المهندس)، ليتعارك أبناؤه الآخرون على الخلافة"، مضيفاً أن "الخال (قاآني) تولى الإشراف، إلا أنه لا يملك كاريزما الأب".
وفي "معركة الخلافة"، فرضت كتائب "حزب الله" العراقية نفسها بمساعدة طهران. وبحسب الخبير حمدي مالك، فإن هذه الكتائب التي تضم 10 آلاف مقاتل، "أصبحت أداة للتوسع الإيراني"، و"القوة الوحيدة في العراق، التي تنقل إليها طهران صواريخها وتقنياتها المتقدمة".
وفي فبراير الماضي، تولى أبو فدك المحمداوي (40 عاماً)، وهو رجل متمرس في القتال ومعروف بولائه لإيران، منصب قائد أركان الحشد الشعبي خلفاً للمهندس"، وقال قائد كتائب "بدر" مهند الكاظمي إن "القادة تصالحوا لما فيه مصلحة للحشد الشعبي"، مؤكداً أن "أبو فدك لديه خبرة كبيرة، ونحن ندعمه".
ولفت تحقيق "لوموند" إلى أن الميليشيات تُبقي نفسها خارج الساحة السياسية التي تسيطر عليها الفصائل الشيعية الأخرى، مضيفاً أن "ائتلاف سائرون" بزعامة مقتدى الصدر، القائد السابق لـ"جيش المهدي"، و"ائتلاف الفتح"، الذي يوحد بين حزبي "بدر" و"صادقون" من "عصائب أهل الحق"، أصبحوا أول القوى الشيعية في البرلمان، في مايو 2018 ، مع 54 و 50 نائباً على التوالي (من أصل 329)، ما يمنحهم دوراً حاسماً في اختيار رئيس الحكومة.
وبحسب "لوموند" الفرنسية، فقد اتفقوا في نيسان 2020، على تعيين رئيس الاستخبارات مصطفى الكاظمي، متجاهلين اعتراض كتائب "حزب الله"، الذي يلوم الكاظمي على قربه من واشنطن، وتأييده للاحتجاج الذي يرفض منذ أكتوبر 2019، قوة الأحزاب الشيعية وإيران، كما يتهمونه بلعب دور في الاغتيال المزدوج في 3 يناير 2020، وهو ما ينفيه جملة وتفصيلاً.
وقال محمد نعيم (24 عاماً)، وهو أحد أبرز وجوه الاحتجاجات الشعبية، وأصبح مستشاراً للكاظمي: "لقد نجحوا في إسكات المجتمع المدني، 85% من النشطاء البارزين تم قتلهم أو فروا من البلاد"، مضيفاً أن "11 من أصدقائي تم اغتيالهم".
وأكد أنهم "ليسوا عصابات للمافيا، ولكن فصائل محمية من قبل البرلمان والحكومة، والتي تسيطر على وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية"، حسبما نقلت "لوموند".
كشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية في تحقيق مطول، الجمعة، ما وصفته بـ"تغلغل" ميليشيات "الحشد الشعبي" المدعومة من إيران، في العراق، وتنامي سيطرتها على مفاصل الدولة، وعملها على إنشاء "حزام" يحيط بالعاصمة العراقية بغداد من خلال كتائب "حزب الله" العراقي، على شاكلة ما قام به "حزب الله" اللبناني في جنوب لبنان.
جرف الصخر
وتناول التحقيق مدينة جرف الصخر، الواقعة على بعد 60 كيلومتراً جنوب غرب بغداد، والتي غير "الحشد الشعبي" اسمها إلى "جرف النصر" بعد هزيمة تنظيم "داعش"، وأعلنها "منطقة محظورة" على سكانها.
وتقع جرف الصخر في موقع استراتيجي بين بغداد ومدينة كربلاء المقدسة لدى الشيعة، وتوجد على الطريق الذي يربط العاصمة الإيرانية طهران بالعاصمة السورية دمشق.
وتحدثت الصحيفة مع شاب عراقي يبلغ من العمر (26 عاماً)، وهو من سكان المدينة، ويقطن حالياً في مخيم وسط صحراء الأنبار، غرب العراق. قال إن "الميليشيات المسلحة، دمرت المنازل ثم المزارع، باستثناء وسط مدينة جرف الصخر، التي يحتلونها حالياً"، مؤكداً أن هذه الميليشيات "أقامت معسكرات وسجوناً سرية، ومزارع لتربية الأسماك"، في المنطقة التي تبعد بنحو 80 كيلومتراً من مجرى نهر الفرات. وأضاف: "يمكننا رؤية سيارات الأمن حول المدارس، ونعتقد أنها تستخدم كسجون".
وأشارت "لوموند" إلى أنه لا أحد من بين 85 ألف فرد من قبيلة الجنابي، الذين فروا من جرف الصخر، خلال اجتياح تنظيم "داعش" للمحافظة في يونيو 2014، ولا حتى من بين المسؤولين السنة الذين يتابعون القضية، يمكنهم تحديد أسباب بقاء الميليشيات المسلحة هناك، بعد ثلاث سنوات من إعلان النصر على "داعش" في ديسمبر 2017.
وأشار الشاب العراقي، في حديثه للصحيفة الفرنسية، إلى أن "كتائب حزب الله العراقية (الموالية لإيران)، تسيطر على المنطقة، وحتى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لا يستطيع أن تطأ قدمه هناك".
وبحسب تحقيق "لوموند"، فإن "العديد من شيوخ قبيبة الجنابي تم اغتيالهم بسبب احتجاجهم. ودعا شيخ القبيبة عدنان الجنابي الحكومات المتعاقبة، إلى إيجاد حل لقبيلته المبعدة من أراضيها، ولكن من دون جدوى".
وأشارت الصحيفة إلى أن الشيخ الجنابي سافر إلى لبنان لعرض قضيته على الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله ، ثم إلى إيران، لعرضها على المرشد الإيراني علي خامنئي، لكن جهوده كلها لم تكلل بالنجاح.
وأكد أحد شيوخ القبيلة، الذي رفض الكشف عن هويته، إنهم "ينشئون منطقة على شاكلة ما يمثله جنوب لبنان لحزب الله".
وقال الخبير الأميركي مايكل نايتس، في مقاله بمجلة "CTC Sentinel" التابعة للأكاديمية العسكرية لـ West Point في الولايات المتحدة، إن منطقة جرف الصخر "تضم العديد من السجون الخاصة (مع أكثر من 1000 معتقل غير قانوني)، ودور راحة للمقاتلين، ومقرات لكتائب حزب الله".
وأضاف الخبير الاستراتيجي أن "هذه المليشيا (حزب الله)، تستخدم المجمع الصناعي العسكري القديم الذي أنشأه صدام حسين، لتصنيع وتخزين واختبار الذخيرة"، مؤكداً أن هذا المجمع "استُخدم لإطلاق طائرتين مسيرتين مفخختين ضد محطات ضخ أنابيب النفط السعودية، في 14 مايو 2019".
وقال متحدث باسم كتائب "حزب الله" العراقية لـ"لوموند"، إن "المنطقة تدمرت جراء العمليات العسكرية"، مضيفاً أن "عملية إصلاح البنية التحتية تستغرق وقتاً، وعندما نعيد بناء ما دمر، سنرى بعدها". كما وصف كل ما يقال عن جرف الصخر بأنه "مجرد بروباغندا".
دولة داخل دولة
وقالت "لوموند" إن جرف الصخر، هي حالة رمزية لـ"دولة داخل الدولة"، وما تشكله الميليشيات العراقية من تحدي كبير للحكومة، مستفدين بما تم تحقيقه في الحرب على تنظيم "داعش". ونسجت هذه الميليشيات شبكتها في جميع مؤسسات الدولة، من الأحياء السكنية في بغداد التي تضم مقارها، إلى المحافظات السنية الريفية، حيث تتخلل حواجزها الطرق السريعة، ولا توجد أي منطقة تخرج عن نفوذها، وفق الصحيفة.
وأشار التحقيق إلى أن "الحشد الشعبي"، يعتمد على عدد لا يحصى له من وسائل الإعلام المحلية، وعشرات النواب، كما أنهم يسيطرون على الوزارات، التي تضمن مداخيل من الرشاوى مقابل تسيير عقود حكومية.
وأكدت الصحيفة أنه منذ انتهاء الحرب على "داعش"، ووصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وانسحابه من جانب واحد من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرضه عقوبات على إيران في مايو 2018، فُتحت مرحلة جديدة من المواجهة على الأراضي العراقية، بين من يسمون أنفسهم "محور المقاومة" بقيادة طهران، والولايات المتحدة التي تقف إلى جانبها أيضاً إسرائيل.
وانتهت الهدنة التي فرضها الصراع المشترك ضد تنظيم "داعش"، لتشن الفصائل الموالية لإيران عشرات الهجمات على المصالح الأميركية في العراق، واستهداف منشآت نفطية في السعودية. فيما تم استهداف قوافل ومخازن أسلحتهم في غارات في العراق وسوريا.
وكادت هذه المواجهة أن تتحول إلى حرب مفتوحة في قلب العاصمة العراقية قبل عام، رداً على تصعيد خطر للمليشيات العراقية، التي دفعت بالآلاف من مؤيديها، لمحاصرة السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء في 31 ديسمبر 2019. ورد ترمب بضربة "موجعة"، استهدفت قائد "فيلق القدس" في الحرس الإيراني قاسم سليماني، وملازمه العراقي، أبو مهدي المهندس، قائد وحدات الحشد الشعبي، اللذان قتلا في 3 يناير 2019.
وصوت نواب شيعة في 5 يناير 2020، على قرار غير ملزم في البرلمان يطالب بسحب القوات الأجنبية من العراق، كما ردت طهران بوابل من الصواريخ الباليستية على قاعدة عين الأسد التي تضم قوات أميركية في غرب العراق، من دون وقوع إصابات. ومنذ ذلك الحين، يسعى الحرس الثوري الإيراني والميليشيات العراقية، إلى الانتقام بما يتناسب مع الخسارة التي لحقت بهم.
تعويض غياب سليماني
وقال السياسي العراقي إحسان الشمري لـ"لوموند"، إنه "مع مقتل سليماني، خسرت إيران الرجل الأكثر نفوذاً في العراق وسوريا واليمن"، مؤكداً أنه "كان على طهران تعويض غيابه، وإعادة تأسيس نفوذ في المنطقة بطريقة مختلفة مع خليفته إسماعيل قاآني، الذي لا يتمتع بكاريزما سليماني ولا بشخصيته".
وأشار إلى أن قاآني (62 عاماً)، الذي كان مسؤولاً على آسيا الوسطى، "لا يتحدث العربية"، مؤكداً أن الميليشيات العراقية "فقدت قادتها الروحيين"، برحيل سليماني والمهندس.
وأشارت "لوموند" إلى أن سليماني والمهندس، المولودان في خمسينيات القرن الماضي، تمكنا من تأسيس شبكة من الميليشيات، مدفوعة بأفكار "الثورة الإسلامية" الإيرانية، إذ جمعت بين كتائب "بدر" التي تم تأسيسها خلال فترة الرئيس الأسبق صدام حسين، في الثمانينات، والميليشيات التي انخرطت في مواجهة الغزو الأميركي في عام 2003، مثل "جيش المهدي"، "عصائب أهل الحق" ، أو "كتائب حزب الله".
وكشف التحقيق أنهما أشرفا سوياً على إرسال مقاتلين عراقيين إلى سوريا منذ عام 2011، للقتال إلى جانب القوات السورية. وبعدما استولى تنظيم "داعش" على ثلث الأراضي العراقية في يونيو 2014، انتهز الرجلان فرصة دعوة علي السيستاني، والذي يمثل أعلى سلطة شيعية في العراق، للتعبئة العامة لمواجهة "داعش"، من أجل استقطاب آلاف المتطوعين في فصائلهم المسلحة، وتشكيل قوة قوامها 160 ألف مقاتل، يتم تمويلهم من خزينة الدولة.
وأصبح الحشد الشعبي قوة حكومية في عام 2016، وتمكن أبو مهدي المهندس من خلال هذه الخطوة، أن يضمن هيمنة الفصائل الموالية إلى إيران على الساحة العراقية، من خلال توزيع المناصب والتمويل المالي.
نفوذ "حزب الله"
ووصف القيادي في جبهة الإنقاذ والتنمية مشعان الجبوري، الحالة بعد مقتل سليماني والمهندس، قائلاً: "كان هناك أب (سليماني) يشرف على المنزل، ولكنه مات مع الابن الأكبر (المهندس)، ليتعارك أبناؤه الآخرون على الخلافة"، مضيفاً أن "الخال (قاآني) تولى الإشراف، إلا أنه لا يملك كاريزما الأب".
وفي "معركة الخلافة"، فرضت كتائب "حزب الله" العراقية نفسها بمساعدة طهران. وبحسب الخبير حمدي مالك، فإن هذه الكتائب التي تضم 10 آلاف مقاتل، "أصبحت أداة للتوسع الإيراني"، و"القوة الوحيدة في العراق، التي تنقل إليها طهران صواريخها وتقنياتها المتقدمة".
وفي فبراير الماضي، تولى أبو فدك المحمداوي (40 عاماً)، وهو رجل متمرس في القتال ومعروف بولائه لإيران، منصب قائد أركان الحشد الشعبي خلفاً للمهندس"، وقال قائد كتائب "بدر" مهند الكاظمي إن "القادة تصالحوا لما فيه مصلحة للحشد الشعبي"، مؤكداً أن "أبو فدك لديه خبرة كبيرة، ونحن ندعمه".
ولفت تحقيق "لوموند" إلى أن الميليشيات تُبقي نفسها خارج الساحة السياسية التي تسيطر عليها الفصائل الشيعية الأخرى، مضيفاً أن "ائتلاف سائرون" بزعامة مقتدى الصدر، القائد السابق لـ"جيش المهدي"، و"ائتلاف الفتح"، الذي يوحد بين حزبي "بدر" و"صادقون" من "عصائب أهل الحق"، أصبحوا أول القوى الشيعية في البرلمان، في مايو 2018 ، مع 54 و 50 نائباً على التوالي (من أصل 329)، ما يمنحهم دوراً حاسماً في اختيار رئيس الحكومة.
وبحسب "لوموند" الفرنسية، فقد اتفقوا في نيسان 2020، على تعيين رئيس الاستخبارات مصطفى الكاظمي، متجاهلين اعتراض كتائب "حزب الله"، الذي يلوم الكاظمي على قربه من واشنطن، وتأييده للاحتجاج الذي يرفض منذ أكتوبر 2019، قوة الأحزاب الشيعية وإيران، كما يتهمونه بلعب دور في الاغتيال المزدوج في 3 يناير 2020، وهو ما ينفيه جملة وتفصيلاً.
وقال محمد نعيم (24 عاماً)، وهو أحد أبرز وجوه الاحتجاجات الشعبية، وأصبح مستشاراً للكاظمي: "لقد نجحوا في إسكات المجتمع المدني، 85% من النشطاء البارزين تم قتلهم أو فروا من البلاد"، مضيفاً أن "11 من أصدقائي تم اغتيالهم".
وأكد أنهم "ليسوا عصابات للمافيا، ولكن فصائل محمية من قبل البرلمان والحكومة، والتي تسيطر على وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية"، حسبما نقلت "لوموند".