يتميز التراث الثقافي في صنعاء بخصوصية تميزها عن بقية مناطق اليمن، ما جعله في صدارة وسائل التعريف بالهوية الفنية والثقافية لليمن.ويتنوع هذا التراث بعدد من الفروع كاللون الغنائي الصنعاني، بالإضافة إلى الموشحات والإنشاد الديني، والزوامل الشعرية الحماسية، المستخدمة في ترسيخ نخوة القبلية اليمنية وتعزيز قيمها النبيلة.غير أن هذا الإرث الشعبي والثقافي الذي يعكس هوية الشعب اليمني عمومًا، تعرض للقرصنة والتوظيف لأغراض عسكرية من قبل مليشيا الحوثي، التي سخرته في الترويج للحرب والتجنيد ومجهوداتها القتالية العبثية.السطو الحوثي على الثقافة التراثية والهوية الشعبية تجلى في استغلال المليشيات للقبول الواسع الذي تحظى به الموشحات الصنعانية كفن ذائع الصيت في أوساط اليمنيين، وتوظيفه إلى جانب الزوامل الشعبية كأداة ترويج للقتل، وطبل لقرع وإعلان الحشد لحروبها التخريبية.وتجسد الزوامل الحوثية وسيلة ثقافية وإعلامية لتسويق بطولات زائفة، لرفع معنويات مقاتليها المتراجعة على جبهات القتال، حيث يحرص الحوثيون على منح مجنديهم بجانب قطعة السلاح مسجلاً وقرص تخزين مشحون بزوامل صدى الحرب؛ لإثارة رغبة القتال، ودفعهم نحو الموت.قوة تغير خفيةوتعتبر الزوامل قوة التغير الخفية للحوثي وأخطر غزو إيراني للمجتمعات القبلية، بحسب خبراء يمنيين.ولعل الانقلابيين أدركوا عمق التأثير الذي تحدثه الثقافة بكافة أنماطها في حياة المجتمع اليمني وتوجهاته السياسية، لهذا يبدو أنهم عرفوا كيف يستغلون التراث اليمني، والعمل على تشويهه خدمةً لمصالحها التدميرية والقتالية.فقصيدة شعبية واحدة يمكن أن تُحدث ثورة، وزامل غنائي أو أغنية قد تُغير مزاج الشارع، وهو الأمر الذي تفطَّنت له طهران منذ وقت مبكر، فأخذت في استقطاب الكُتَّاب والمثقفين والشعراء اليمنيين عبر دورات منتظمة حملتهم إلى إيران تباعاً، في تسعينيات القرن العشرين.وحتى ينعكس هذا التدريب المنظم على الأرض، لم تُقصر المليشيات ثقافة الزوامل على مقاتليها في الجبهات، بل عملت مؤخرًا على إلزام طلاب المدارس في مدينة صنعاء، باستخدام الزوامل القتالية، بدلاً من الأناشيد الوطنية وأغاني الأفراح والمناسبات.وحتى الأعراس تعرضت لمصادرة أفراحها من قبل عصابات الانقلابيين، من خلال مداهمة مسلحين حوثيين، منتصف العام الماضي، إحدى قاعات الأفراح، أثناء زفاف في شارع الرباط بصنعاء، واتجهوا على الفور نحو فنان الحفل وأجبروه على السكوت ليشغلوا زواملهم المليئة بثقافة الموت.وتعدت قرصنة الحوثيين العناصر غير المادية للتراث الصنعاني، وطالت الفنانين وملاك الفرق الموسيقية بصنعاء، الذين تعرضوا للمضايقات والكثير من الانتهاكات، فاضطروا لاعتزال الفن، أو إجبارهم على هجر تلحين الموشحات التراثية في حفلات الزفاف، التي تُروّج للحياة، والاتجاه قسرًا لإنتاج زوامل الحرب والتسويق للموت.وتبنت المليشيات سياسة الفرض القسري لبث ونشر الزوامل، باعتبارها توجها رسميا، من خلال بثها في الإذاعات المحلية، وحتى في تداخلات نشرة الأخبار على وسائل إعلام الانقلابيين.ويعد القيادي الحوثي المتطرف "عيسى الليث" هو صاحب النفوذ الأعلى بنشر ثقافة الموت هذه، المدعوم بشكل مباشر من عبدالملك الحوثي زعيم المليشيات الانقلابية المدرج بقائمة الإرهاب.ويُعرف عن المدعو "الليث" سرقته وقرصنته للحقوق الموسيقية لألحان وأغانٍ شهيرة، وتوظيفها في زوامل ثقافة الموت الحوثية.كما أن "وحدة الإنتاج الفني" الخاصة باستنساخ الزامل، يديرها خبير في الحرس الثوري الإيراني، وهذه الوحدة تصدر معظم الزوامل التي تمجد إيران الحوثي وتراثهم على حساب التراث والفن اليمني.ومؤخرا عمل المدعو هاشم الحسني، على تحريف أغاني شعبية شهيرة لعدد من الفنانين والشعراء اليمنيين الكبار، وتوظيفها في أهداف الجماعة العنصرية في حادثة أثارت غضب الرأي العام.تمامًا كما حدث مع كلمات أغنية الشاعر اليمني أحمد المطري والمعروفة بـ"عاشقك حميري غُب"، وتسخيرها لخدمة الأجندة السلالية والعنصرية للمليشيات، لتصبح عاشقك "هاشمي" غُب، تجسيدًا للسلالة الطائفية التي تستند اليها المليشيات الانقلابية.تشويه للفنويرى الباحث وأستاذ العلوم السياسية بجامعة عدن، الدكتور جمال حسين، أن هذا السطو والقرصنة يتعدى خطرها الوضع الحالي الذي تعيشه اليمن؛ بسبب حرب المليشيات الحوثية، ولن تكون حالة مؤقتة.فالحوثيون يساهمون من خلال هذه الأعمال بتهديد الفن الشعبي والاجتماعي اليمني، والذي تعد الزوامل أحد روافده، حيث كان هذا الفن مرتبطًا بطقوس قبلية واجتماعية بحتة، يستخدم خلال لقاءات التحكيم والمصالحة المجتمعية بين القبائل منعًا لسفك الدماء، وتعزيزًا للتماسك المجتمعي، وفقا للأكاديمي اليمني الدكتور جمال حسين.وتابع الأكاديمي بجامعة عدن : "توظف المليشيات الحوثية هذا الفن في الدعوة للقتل وإزهاق الأرواح ودفع مقاتليها نحو الموت، وهو ما يتناقض مع أهداف وغايات فن الزوامل".واعتبر عملاً كهذا مهددًا للثقافة والهوية اليمنية اجتماعيًا وشعبيًا، بالإضافة إلى كونه يشوّه الفن اليمني الذي عُرف بأصالته ورقيه وجذوره المرتبطة بالهوية والتراث.