بلومبرغ
تزايدت وتيرة الإقبال على "بنك الطعام اللبناني" خلال شهر رمضان الحالي، بشكلٍ غير مسبوق، في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، بسبب انهيار العملة المحلية، وتردي الأوضاع الاقتصادية.
وبحسب سهى زعيتر، المديرة التنفيذية لـ"بنك الطعام اللبناني" وهو منظمة غير حكومية، فإنها ترصد من خلال رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية التي يتلقاها البنك، عدداً متزايداً من طلبات المساعدة من قِبل "أناس متعلمين كانوا ينتمون إلى الطبقة الوسطى".
وشهد البنك قفزة كبيرة في عدد الأشخاص الذين يطلبون المساعدة.
ثلاثة تحدّيات
أصبحت الديموغرافيا المستجدة للأشخاص الذين يطلبون المساعدة خلال شهر رمضان المبارك، محل دراسة حول كيفية تغيير تدهور الاقتصاد اللبناني للمشهد، بالنسبة لسكان البلاد البالغ عددهم 6.8 مليون نسمة. فبينما اعتاد المسلمون في لبنان على الاحتفال بتناول وجبة "الإفطار" مع الأصدقاء والأقارب، أصبح الحفاظ على هذا التقليد أمراً يتجاوز الإمكانات المادية للكثيرين منهم. وينطبق الأمر كذلك على قدرتهم على شراء المشروبات والحلويات الموسمية.
وانخفضت قيمة الليرة اللبنانية بنحو 90% في الأشهر الـ18 الماضية، ما دفع التضخم السنوي لأسعار المواد الغذائية للارتفاع بنسبة 400%، كما أدّى ذلك إلى تآكل الرواتب والمدخرات، ودفع أكثر من نصف سكان لبنان إلى هوة الفقر. وتتزامن كل تلك التطورات السلبية مع مكافحة البلاد لتداعيات تفشي جائحة كورونا، بالإضافة إلى إرهاصات انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020.
يُشكّل المواطن أحمد عبد الله مثالاً لمعاناة الكثير من اللبنانيين. فعامل الإسعاف في الصليب الأحمر اللبناني، والذي يتقاضى راتباً أعلى بقليل من الحد الأدنى للأجور، يُعاني بشدّة من أجل تغطية نفقات معيشته.
ولم يعد بمقدرو عبد الله حالياً سداد إيجار الشقة التي يقطنها، لاضطراره لاستخدام المال لشراء الطعام. ورغم ذلك، فإنه لا يتمكن من دعوة الضيوف إلى مائدة الإفطار خلال رمضان 2021.
ويشكو عبد الله، الذي يقطن في شقة من غرفتين مع زوجته وأربعة أطفال بالغين بينهم ابنتان مصابتان بالشلل الدماغي، أنه لا يمكنه دعوة صديق أو قريب لمشاركته وعائلته وجبة الإفطار، "لأنني لا أستطيع زيادة كمية الطعام، والتي بالكاد تكفي لنا فقط بعد احتسابها بدقة متناهية".
"لا يمكنهم إعالة أنفسهم"
ويقدم البنك 5000 صندوق طعام، و1000 قسيمة للأسر المحتاجة، ويتعاون مع جمعيات خيرية تدير 7 مطابخ لتقديم وجبات الإفطار خلال شهر رمضان.
وتكشف سهى زعيتر، وهي تتفقد عملية تجهيز الوجبات في مطبخ بمنطقة طريق الجديدة في بيروت: "لقد وصل الناس إلى مستوى معين، لا يمكنهم إعالة أنفسهم، ويطلبون الطعام كي لا ينام أطفالهم جائعين".
ويحسب مرصد الأزمات في الجامعة الأميركية في بيروت، فإن التكلفة الأساسية لوجبة الإفطار لأسرة مكونة من 5 أفراد خلال شهر رمضان، تبلغ 1.8 مليون ليرة، أي ما يعادل 2.6 ضعف الحد الأدنى للأجور. وترتفع التكلفة أسبوعياً، بسبب استمرار ضعف العملة المحلية.
ويبلغ سعر الكيلوغرام من اللحم البقري حالياً حوالي 65 ألف ليرة، أي ما يقرب من 10% من الحد الأدنى للأجر الشهري البالغ 675 ألف ليرة، وهو ما يعادل 450 دولاراً بسعر الصرف الرسمي غير المعمول به إلى حد كبير، ويناهز 55 دولاراً في السوق السوداء لصرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية.
ويرى ناصر ياسين، الأستاذ المساعد للسياسة والتخطيط في "الجامعة الأميركية في بيروت" ورئيس المرصد، أنه "للأسف، هذه مجرد البداية. الأسوأ لم يأتِ بعد في لبنان في ظل غياب تنفيذ الإصلاحات الجادّة".
السياسيون في وادٍ آخر
تركت الانقسامات السياسية لبنان بدون حكومة كاملة الصلاحيات منذ أغسطس 2020، عندما استقال رئيس الوزراء حسان دياب في أعقاب انفجار المرفأ.
ولا تزال الحكومة تقوم بتصريف الأعمال منذ ذلك الحين. في غضون ذلك، يتبادل قادة الأحزاب إلقاء اللوم عبر وسائل الإعلام، لكنهم يتجنّبون جميعاً اتخاذ إجراءات غير شعبية، مثل خفض الدعم على السلع، للمساعدة في استقرار أوضاع المالية العامة.
{{ article.visit_count }}
تزايدت وتيرة الإقبال على "بنك الطعام اللبناني" خلال شهر رمضان الحالي، بشكلٍ غير مسبوق، في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، بسبب انهيار العملة المحلية، وتردي الأوضاع الاقتصادية.
وبحسب سهى زعيتر، المديرة التنفيذية لـ"بنك الطعام اللبناني" وهو منظمة غير حكومية، فإنها ترصد من خلال رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية التي يتلقاها البنك، عدداً متزايداً من طلبات المساعدة من قِبل "أناس متعلمين كانوا ينتمون إلى الطبقة الوسطى".
وشهد البنك قفزة كبيرة في عدد الأشخاص الذين يطلبون المساعدة.
ثلاثة تحدّيات
أصبحت الديموغرافيا المستجدة للأشخاص الذين يطلبون المساعدة خلال شهر رمضان المبارك، محل دراسة حول كيفية تغيير تدهور الاقتصاد اللبناني للمشهد، بالنسبة لسكان البلاد البالغ عددهم 6.8 مليون نسمة. فبينما اعتاد المسلمون في لبنان على الاحتفال بتناول وجبة "الإفطار" مع الأصدقاء والأقارب، أصبح الحفاظ على هذا التقليد أمراً يتجاوز الإمكانات المادية للكثيرين منهم. وينطبق الأمر كذلك على قدرتهم على شراء المشروبات والحلويات الموسمية.
وانخفضت قيمة الليرة اللبنانية بنحو 90% في الأشهر الـ18 الماضية، ما دفع التضخم السنوي لأسعار المواد الغذائية للارتفاع بنسبة 400%، كما أدّى ذلك إلى تآكل الرواتب والمدخرات، ودفع أكثر من نصف سكان لبنان إلى هوة الفقر. وتتزامن كل تلك التطورات السلبية مع مكافحة البلاد لتداعيات تفشي جائحة كورونا، بالإضافة إلى إرهاصات انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020.
يُشكّل المواطن أحمد عبد الله مثالاً لمعاناة الكثير من اللبنانيين. فعامل الإسعاف في الصليب الأحمر اللبناني، والذي يتقاضى راتباً أعلى بقليل من الحد الأدنى للأجور، يُعاني بشدّة من أجل تغطية نفقات معيشته.
ولم يعد بمقدرو عبد الله حالياً سداد إيجار الشقة التي يقطنها، لاضطراره لاستخدام المال لشراء الطعام. ورغم ذلك، فإنه لا يتمكن من دعوة الضيوف إلى مائدة الإفطار خلال رمضان 2021.
ويشكو عبد الله، الذي يقطن في شقة من غرفتين مع زوجته وأربعة أطفال بالغين بينهم ابنتان مصابتان بالشلل الدماغي، أنه لا يمكنه دعوة صديق أو قريب لمشاركته وعائلته وجبة الإفطار، "لأنني لا أستطيع زيادة كمية الطعام، والتي بالكاد تكفي لنا فقط بعد احتسابها بدقة متناهية".
"لا يمكنهم إعالة أنفسهم"
ويقدم البنك 5000 صندوق طعام، و1000 قسيمة للأسر المحتاجة، ويتعاون مع جمعيات خيرية تدير 7 مطابخ لتقديم وجبات الإفطار خلال شهر رمضان.
وتكشف سهى زعيتر، وهي تتفقد عملية تجهيز الوجبات في مطبخ بمنطقة طريق الجديدة في بيروت: "لقد وصل الناس إلى مستوى معين، لا يمكنهم إعالة أنفسهم، ويطلبون الطعام كي لا ينام أطفالهم جائعين".
ويحسب مرصد الأزمات في الجامعة الأميركية في بيروت، فإن التكلفة الأساسية لوجبة الإفطار لأسرة مكونة من 5 أفراد خلال شهر رمضان، تبلغ 1.8 مليون ليرة، أي ما يعادل 2.6 ضعف الحد الأدنى للأجور. وترتفع التكلفة أسبوعياً، بسبب استمرار ضعف العملة المحلية.
ويبلغ سعر الكيلوغرام من اللحم البقري حالياً حوالي 65 ألف ليرة، أي ما يقرب من 10% من الحد الأدنى للأجر الشهري البالغ 675 ألف ليرة، وهو ما يعادل 450 دولاراً بسعر الصرف الرسمي غير المعمول به إلى حد كبير، ويناهز 55 دولاراً في السوق السوداء لصرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية.
ويرى ناصر ياسين، الأستاذ المساعد للسياسة والتخطيط في "الجامعة الأميركية في بيروت" ورئيس المرصد، أنه "للأسف، هذه مجرد البداية. الأسوأ لم يأتِ بعد في لبنان في ظل غياب تنفيذ الإصلاحات الجادّة".
السياسيون في وادٍ آخر
تركت الانقسامات السياسية لبنان بدون حكومة كاملة الصلاحيات منذ أغسطس 2020، عندما استقال رئيس الوزراء حسان دياب في أعقاب انفجار المرفأ.
ولا تزال الحكومة تقوم بتصريف الأعمال منذ ذلك الحين. في غضون ذلك، يتبادل قادة الأحزاب إلقاء اللوم عبر وسائل الإعلام، لكنهم يتجنّبون جميعاً اتخاذ إجراءات غير شعبية، مثل خفض الدعم على السلع، للمساعدة في استقرار أوضاع المالية العامة.