العين الاخباريةأسابيع قليلة؛ هي كل ما تبقى من عمر مهمة المبعوث الأممي لليمن مارتن جريفيث ليسلم ملف الأزمة إلى خلف لا يبدو أنه سيحقق أكثر من سالفيه.

فبعد 40 شهراً من تعيينه وسيطا دوليا بين الأطراف اليمنية، رسم جريفيث آمالا عريضة بدأت بتفاؤل كبير وانتهت باعتراف متأخر بأن مليشيا الحوثي تستمر في تعطيل جهود السلام.

والأربعاء، عين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، جريفيث وكيلًا للأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، فيما يستمر كمبعوث لليمن مؤقتا حتى تعيين وسيط آخر.

وتبدو مسيرة جريفيث المعقدة أكثر أهمية لفهم سيناريوهات ومراوغات مليشيا الحوثية مع مبعوث تصفه الأمم المتحدة بأنه صاحب تخصص وخبرة رفيعة في الحوار السياسي بين الحكومات والمتمردين.

ومنذ بدء مهمته في 16 فبراير/ شباط 2018، وحتى أمس الأربعاء، بات جريفيث يملك سجلا متكاملا على تعنت وإصرار مليشيا الحوثي على خوض الحرب واغتيال مبادرات ومقترحات وفرص سلام اليمن.

وجريفيث؛ هو ثالث مبعوث أممي تطيح مليشيا الحوثي بجهوده، وذلك عقب فشل مهمتي الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ (أبريل 2015- 2018)، والمغربي جمال بن عمر (أبريل 2011-أبريل 2015).

الحديدة.. المحطة الأولى

"العين الإخبارية" تتبعت مسيرة جريفيث خلال 3 أعوام و3 أشهر من جولات مكوكية بين العواصم المعنية بالملف اليمني، وقدم خلالها 28 إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي كان لها الدور الأبرز بشأن اتخاذ قرارات دولية بشأن الأزمة اليمنية.

إحاطات المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن بشأن إنجازاته ونتائج جهوده للتوصل إلى سلام في اليمن، رسمت خطا تصاعديا بدأ بتفاؤل مرتفع وغير مسقوف، واتخذ من معركة الحديدة محطته الأولى.

دشن مهمته بـ3 محاور رئيسية؛ تمثلت ببدء المشاورات لعقد جولة مفاوضات في جنيف، والحد من التصعيد في الحديدة، وإبقاء البحر الأحمر خارج الصراع، والإفراج عن السجناء؛ وهي ملفات لا زالت عالقة حتى اليوم ولم يتم حلها جراء تعنت الحوثي المدعوم إيرانيا.

وفي أغسطس/ آب 2018، قدم جريفيث إحاطته الثانية ركز فيها على الوضع بالحديدة ومنع تحولها إلى نقطة مشتعلة، مدفوعا بمراوغة حوثية تمثلت بمقترح لمليشيا الحوثي يقضي بإيقاف تهديد الملاحة بالبحر الأحمر مقابل وقف تقدم القوات اليمنية المدعومة من التحالف العربي صوب مدينة وموانئ الحديدة.

وحينها، برر جريفيث ذلك بأنه يهدف لتَجنب أي عمل عسكري تترتب عليه عواقب إنسانية وخيمة ويقوض استئناف العملية السياسية، لكن مليشيا الحوثي تدرج في المراوغة وحول اتفاق ستوكهولم الموقع في 18 ديسمبر/ كانون ثان من ذات العام، إلى مظلة لانتهاكاتها.

وذهب الوسيط الدولي بتفاؤله بعيدا عقب توقيع اتفاق ستوكهولم، حيث اعتبر أن الترتيبات ستسمح بإنهاء القتال داخل اليمن، وعودة علاقات البلد الودية مع الدول المجاورة، وعودة مؤسسات الدولة لممارسة دورها.

ومع حلول 2019، وقع جريفيث ضحية تعهدات حوثية لم تكن أكثر من خدعة، وذلك بعد لقاء مارتن بزعيم المليشيا الذي زعم التزام حركته بتنفيذ كل بنود اتفاق ستوكهولم، غير أن ما حدث هو أن هذا الوعد الحازم كان جزءا من تكتيك طويل لكسب الوقت.

ولم تمض سوى بضعة أشهر حتى اصطدم المبعوث الأممي بتصعيد غير مسبوق لمليشيا الحوثي، بدأ باستهداف شركة "أرامكو"، والحكم بإعدام 30 صحفيا وناشطا سياسيا تعتقلهم في صنعاء، وإفشال محادثات الأسرى بموجب اتفاق ستوكهولم، بالإضافة إلى تصعيد عسكري بري في كل جبهات القتال.

وختم جريفيث آخر إحاطته للعام 2019 باعتراف صريح بالشعور بالإحباط، معتبرا أن التقدم المحرز في الحديدة لم يكن أسرع، ولا يوجد أي تنفيذ ملموس لاتفاقيات ستوكهولم بشأن تعز أو في تبادل الأسرى والمعتقلين.

2020..معركة مأرب

مع بداية 2020, كان تعنت مليشيا الحوثي قد وصل إلى استهداف فرق الأمم المتحدة لتنفيذ اتفاق الحديدة، وفرض قيود مستمرة على حرية حركة موظفي، ودوريات البعثة الأممية لدعم الاتفاق التي قادها لأكثر من عامين أكثر من 3 جنرالات.

ونجح الحوثي بالفعل في تطويع البعثة الأممية التي لا تزال حبيسة في مناطق سيطرة المليشيا حتى اليوم بالحديدة، فيما كان جريفيث على موعد مع تصعيد جديد من قبل المليشيا صوب محافظة مأرب، وتحديدا في مارس/ آذار 2020، وهو توقيت طرحه مقترح جديد عرف بـ"الإعلان المشترك".

وأبلغ جريفيث مجلس الأمن، حينها، بأنه لا يوجد مبرر للتصعيد العسكري في مأرب، ويجب أن لا تتحول مأرب لبؤرة صراع قادمة في النزاع المأساوي الدائر باليمن.

وتصدرت معركة مأرب أولويات المبعوث الأممي، لكن الحوثي لم يكن ليدع 2020 يمر دون جريمة، وذلك بعد أن توجه بمحاولة اغتيال الحكومة المعترف بها دوليا لدى وصول أعضائها إلى مطار عدن الدولي، في جريمة صدمت جريفيث والعالم بأسره، وخلفت أكثر من 135 قتيلا وجريحا.

وشكلت الجريمة منعطفا في تفاؤل جريفيث الذي اعترف حينها، للمرة الأولى، بأن فرص السلام أصبحت شحيحة، متهما مليشيا الحوثي ضمنيا بتعطيل الجهود.

وتسبب ذلك في منع الحوثي مارتن جريفيث من زيارة صنعاء، فيما تضمنت إحاطته تباعا خلال يناير وفبراير ومارس وأبريل من العام الجاري تشاؤما كبيرا وهو يبلغ مجلس الأمن بأن هجوم المليشيا على مأرب وصل إلى مخيمات النازحين.

ما عرضه المبعوث الأممي خلال الأعوام الثلاث يجعل الحديث عن منحه أسابيع أخرى لاستكمال جهوده لإنجاز تسوية سلمية في اليمن مجرد إضاعة للوقت، ومنح المليشيات الحوثية مساحة زمنية كافية لاجتياح مدينة مأرب، وفق خبراء يمنيين.

والأربعاء، أكد جريفيث، في إحاطته أمام مجلس الأمن، أن مليشيا الحوثي أثبتت للمجتمع الدولي والشعب اليمني أنها غير ملتزمة بالمفاوضات السلمية، كاشفا رفضها اللقاء به خلال جولات المفاوضات، وتحويلها حضور الاجتماعات إلى صفقات، وهو أمر مرفوض.

مقابل ذلك، أشاد جريفيث في إحاطته الأخيرة بالتعاطي الإيجابي من قبل الحكومة اليمنية مع مفاوضات السلام، مؤكدا أنّ تعاونها كان ممتازاً.

وحذر في الإحاطة التي سبقت تعيينه وكيلا للأمين العام للأمم المتحدة بساعات، مليشيا الحوثي من أن الفرصة لا تزال متاحة للتوصل إلى صيغة سلام في اليمن، محذرا من أن ما هو مطروح اليوم على الطاولة قد لا يكون متاحاً إلى الأبد، وأنّ تأخير المفاوضات لا يخدم أحداً.

ويقول خبراء لـ"العين الإخبارية"، إن تفسيرات الأمم المتحدة للأزمة اليمنية لا تجدي نفعاً، خصوصا اعتقادها بأن تغيير المبعوثين قد يساعد على إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات، وهو ما فشل فيه جريفيث إثر رفض الحوثيين تقديم أي تنازلات إلا تحت الضغط العسكري.