جاء العيد ولكن لم تأت معه طقوس، اعتاد العراقيون عليها خلال تلك المناسبات بالنزول إلى الشوارع وتبادل الزيارات واستقبال الضيوف.
فعند الأسواق والمراكز التجارية التي تشهد اكتظاظا بالمتبضعين قبيل أيام من قدوم عيد الفطر، اختلف الحال كثيراً بعدما تغلبت عليها أجواء رمضان الهادئة في محال بيع الملابس والحلويات على غير العادة، حيث تفرض جائحة كورونا آثارها على مجريات الاحتفال بعيد الفطر في العراق بعد أن استبقت السلطات الصحية والوقائية بفرض حظر تجوال شامل يستمر 10 أيام بدءاً من اليوم الذي يستبق العيد.
وشددت السلطات العراقية من إجراءات التقييد والتباعد الاجتماعي، ومنذ مارس/آذار 2020، كان العراق قد بدأ بإجراءات الحظر الجزئي، ومن ثم الشامل بعد أيام على تسجيل إصابات مؤكدة بفيروس كورونا، يمتد تطبيقها إلى ما بعد عيدي الفطر والأضحى.
وتتميز أجواء العيد في العراق بممارسات وعادات اجتماعية تمتد على طوال تلك الأيام، بتبادل التهاني بين الأقارب وأبناء الأحياء والمناطق، والخروج إلى الأماكن العامة وتناول الطعام في المتنزهات والمطاعم.
ومنذ فبراير/شباط الماضي، عادت معدلات الإصابة للارتفاع وما ترافق معها من تطور في الجائحة وظهور السلالة المتحورة مما اضطر على إثرها لجنة الصحة والسلامة العليا على العودة إلى إجراءات الحظر الجزئي والشامل.
عادة ما تتجهز البيوت بالحلوى عشية قدوم العيد وتدخل ربات البيوت المطابخ لإعداد "الكليجة"، التي تعد من أهم المفردات العراقية التي تقدم للضيوف المهنئين.
تقول "أم أحلام"، التي قضت أكثر من يومين لتجهيز فرش منزلها وتزيين الجدران ومداخل البيت بأدوات العيد ببالونات ملونة وورد، إن "العيد فرحة ننتظرها بفارغ الصبر ولا يمكن لكورونا وقيودها أن تعطل احتفالاتنا بمناسبة قدومه".
تتحدث "أم أحلام" التي تعيش مع أبنائها الأربعة عند منطقة تقع وسط بغداد، عن اختلاف سابق الأعياد عن السنوات الأخيرة، وكيف تغيرت الطقوس أو ربما أفرغت من حرارتها وباتت أشبه بباقة ورد ولكنها "بلاستيكية"، وتعود لتواصل قولها عن ما تسميه بـ"أعياد كورونا"، والظروف التي تضغط على قصر الاحتفال بتلك المناسبة عند جدران البيت الأربعة، وتلفت السيد الخمسينية إلى أن "التهاني متواصلة وقد استقبلت في صبيحة أول يوم تبريكات كان البعض منها عبر تطبيقات الهاتف الجوال وأخرى بشكل مباشر من قبل بعض الأحبة القريبين من سكنها".
وتؤكد السيدة البغدادية في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "الحظر الذي بدأ تطبيقه منذ يوم الأربعاء، ظهر تأثيره واضحاً على صبيحة عيد الفطر المبارك بخلو الشوارع من المحتفلين"، ورغم ذلك جهزت السيدة "أم أحلام" أبنائها قبل أيام بكسوة العيد وشراء متطلباتهم للاحتفاء بعيد الفطر المبارك.
الأمر يبدو مختلفاً في الأحياء الشعبية فقد بدت طقوس العيد واضحة رغم تراجع قوتها عن بقية الأعوام التي سبقت ظهور كورونا في العراق، حيث ظهرت آثار زخات ماء على عتبات المنازل وبدت نواصي الشوارع خالية من الأتربة والأوساخ، بعدما تم تنظيف الأرصفة ورفع الأنقاض عن تلك العتبات، والتي دائما ما تعاني سوء الخدمات.
وعند ساحة ترابية تقع في شرقي بغداد، تجمع أطفال الحي منذ ساعات الصباح الباكرة لأول أيام العيد بانتظار ركوب الأراجيح وصعود "دولاب الهواء"، وألعاب أخرى تتميز ببساطتها.
جاسب حمادي، يمتلك لعبة "تزحلق بلاستيكية"، يصل ارتفاعها إلى نحو 3 أمتار، كان قد استعد منذ فجر اليوم لتجهيزها حتى تكون في استقبال أطفال الحي لقاء أجرة بسيطة تؤخذ عن كل راكب، قال وقد بدت عليه علامات الإرهاق إنه يعيل زوجة وطفلين في ظل عمل غير متواصل وثابت، بالتنقل ما بين مهنة وأخرى جراء تقلبات الظروف التي يعيشها العراق وقلة فرص التوظيف والتكسب.
ورغم اشتداد الإجراءات الوقائية، وتقييد السلطات الصحية لحركة المركبات والمارة خشية الجائحة، إلا أن الساحة الترابية تشهد تجمع للأطفال وتعج بصيحات الفرح بتلك الألعاب، ويوضح "حمادي"، أنه "يعرض نفسه للمساءلة من قبل اللجان الصحية، و"لكن لا يمتلك خياراً آخر لسد رمق عائلته خلال أيام الحظر".