وكالات قالت شركة "كارباورشيب" التركية التي تزود لبنان بربع إمداداته من الكهرباء من محطتين عائمتين، الجمعة، إنها أوقفت الإمدادات بسبب متأخرات مالية لم تسدد.ويعاني قطاع الكهرباء اللبناني من نقص كبير في السيولة، في وقت تواجه البلاد أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها المعاصر.وحذّر وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية ريمون غجر على مدى شهور من أن البلاد قد تشهد انقطاعاً كاملاً للكهرباء، ما لم يتم تأمين تمويل طارئ للمحافظة على إمدادات الطاقة.وأعلنت شركة "كارباورشيب"، أنه لم يعد لديها خيار آخر سوى وقف عمليات الإنتاج من باخرتين راسيتين قبالة سواحل لبنان، بعد شهور من التأخر في سداد دفعات مستحقة، وتهديد النائب العام المالي بحجزهما.وقالت الشركة التركية في بيان، إنها "تأسف لإطفاء مولدات بواخر الطاقة، بعدما بذلنا قصارى جهدنا لتفادي اتخاذ قرار مماثل".وتابعت: "تعاملنا لمدة 18 شهراً بمرونة وليونة كليتين مع الدولة اللبنانية، وواظبنا على توفير الطاقة من دون أن نتقاضى مستحقاتنا، ومن دون أي خطة للدفع، لأن لبنان كان يمر بأوقات صعبة للغاية".وأضافت: "إنما لا يمكن لأي شركة أن تعمل في بيئة كهذه، بيئة محفوفة بالمخاطر المباشرة وغير المبررة".وأكد مصدر في "كارباورشيب" لوكالة "فرانس برس"، أن الوقود المتبقي في الباخرتين نفد عند الساعة 05:00 بتوقيت غرينيتش الجمعة، وتوقفت عملية تغذية الشبكة اللبنانية.وأضاف المصدر، أن الدولة اللبنانية تدين للشركة بأكثر من 100 مليون دولار، وأن الشركة قلقة أيضاً إزاء تهديد النائب العام المالي بحجز الباخرتين.تهديد بالحجزوفي مطلع مايو، أمر النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم بالحجز على الباخرتين التركيتين ومنعهما من مغادرة لبنان، من أجل ضمان تنفيذ التزاماتهما بدفع مبلغ 25 مليون دولار أميركي للخزينة اللبنانية، في حال ثبت وجود صفقات وسمسرات مالية، وفق ما أفاد مصدر قضائي لبناني حينذاك.ورفضت "كارباورشيب" تلك الاتهامات بوصفها "باطلة وتفتقر للمصداقية".وتقول الشركة التركية، إن الباخرتين الموجودتين في لبنان منذ 2013، وفرتا ما يصل إلى 25 بالمئة من الإمدادات الرئيسية للطاقة.خفض الإنتاجوأعلنت مؤسسة كهرباء لبنان في بيان، أنه "عند نحو الثامنة من صباح اليوم (بتوقيت لبنان)، أوقفت البواخر التركية في معملي الذوق والجية المولدات العكسية لديها كافة، ما أدى إلى انخفاض القدرات الإنتاجية الإجمالية المتوافرة على الشبكة الكهربائية اللبنانية بنحو 240 ميغاواط".وأضافت أن "المؤسسة عملت على تشغيل بعض المجموعات الإنتاجية في معملي المحركات العكسية في الذوق والجية، ورفع قدرة معمل الذوق القديم، ووضع مجموعة إنتاجية في معمل صور الحراري، ما سيوفر 130 ميغاواط إضافية على الشبكة، تعويضاً عن جزء من النقص الحاصل جراء توقيف البواخر التركية لكافة مجموعاتها الإنتاجية".وتابع البيان: "إن مؤسسة كهرباء لبنان، اضطرت إلى اتخاذ إجراءات إحترازية من خلال تخفيض قدراتها الإنتاجية في معامل الإنتاج، بما يتناسب مع مخزون المحروقات المتوافر لديها، ومن أجل الحفاظ على التغذية الكهربائية لأطول فترة ممكنة، لحين البت بموضوع الطعن المقدم في القانون الرقم215/2021 (قانون منح مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة بقيمة 300 مليار ليرة لتأمين حاجتها من الفيول)".تعثر السلفةكان مجلس النواب اللبناني أقر في الـ16من مارس الماضي، قانوناً بمنح سلفة لكهرباء لبنان بقيمة 200 مليون دولار، غير أن المجلس الدستوري، أوقف السلفة بعد طعن نواب من حزب "القوات اللبنانية" في الـ7 من مايو الجاري، اعتراضاً على أن إعطاء السلفة للوزارة سيتم مما تبقى من أموال الناس في المصارف (الاحتياط الالزامي).وطالب نواب "القوات اللبنانية" بالتغيير في وزارة الطاقة، وفي مؤسسة كهرباء لبنان قبل إعطاء أي سلفة.ووسط هذه الأجواء الضاغطة على قطاع الكهرباء، وانتظار حسم الطعن المقدم لدى المجلس الدستوري، أحدث خبر وفاة القاضي أنطوان بريدي، أحد أعضاء المجلس الدستوري في الـ8 من مايو الجاري، بلبلة، لا سيما أن وفاته، تعني أن المجلس الدستوري سيفقد نصابه القانوني الذي يتطلب اجتماع 8 أعضاء من أصل 10.وبات الأعضاء المتوفين 3 بوفاة بريدي، لذلك فإن نصاب المجلس يعتبر "غير مكتمل"، ولن يتمكن من النظر في الطعن.لكن الخبير القانوني الدكتور بول مرقص، قال لـ"الشرق" إن "السلفة ستُصرف، لأن القانون المطعون عليه سيصبح نافذاً بمرور 15 يوماً من صدور قرار المجلس الدستوري بإعلان عدم اكتمال النصاب".خفض ساعات التغذيةمن جهته، أوضح مصدر مسؤول في وزارة الطاقة لـ"الشرق"، أنّ "خطة وزارة الكهرباء تهدف إلى خفض ساعات التغذية حتى نهاية يونيو المقبل، وليس إطفاء المعامل بالكامل، انتظاراً لما ستؤول إليه الأمور".وتابع: "لبنان في ورطة في موضوع الكهرباء، لكن الأمر الآن يتوقّف على استمرار تمويل مصرف لبنان"، في وقت يطالب المصرف المركزي بخطة لحماية ما تبقى من أموال لديه، مشيراً إلى أن الأموال المخصصة للدعم شارفت على النفاد.عقود من الأزمةوتتواصل منذ عقود أزمة انقطاع التيار الكهربائي، ما اضطر اللبنانيين المقتدرين إلى التزود بالكهرباء عن طريق مولدات خاصة بما يصل إلى 12 ساعة يومياً.ويُعد قطاع الكهرباء الأسوأ بين مرافق البنى التحتية، وكبّد خزينة الدولة أكثر من 40 مليار دولار منذ انتهاء الحرب الأهلية.ويشكل إصلاح القطاع شرطاً رئيسياً يطالب به المجتمع الدولي منذ سنوات، إذ شكل أبرز مقررات مؤتمر "سيدر" لدعم لبنان في 2018، ومن أبرز طلبات صندوق النقد الدولي العام الماضي، بحسب "فرانس برس".ويشهد لبنان منذ صيف 2019 أسوأ أزماته الاقتصادية التي أدت إلى خسارة العملة أكثر من 80% من قيمتها، تزامناً مع قيود مصرفية مشددة وشح في الدولار.