بي بي سي عربي

خلال نهاية الأسبوع الجاري، سجلت السلطات الصحية في تونس أعلى أرقام الوفيات والإصابات، منذ بداية وباء كورونا، بداية العام الماضي.

ورغم محاولة الحكومة احتواء الانتشار المخيف للفيروس، فإنّ وزارة الصحّة تتوقّع أن تبلغ الموجة الرابعة ذُروتها نهاية الشهر الجاري أو بداية الشهر المقبل.

أطلّت ريم حامد، رئيسة قسم الطوارئ بمستشفى شارل نيكول بالعاصمة التونسية، مساء الخميس، لتدقّ ناقوس الخطر مؤكدة أن: "لدينا أربع أسرّة للإنعاش وستّة عشر مصابا بالفيروس".

وأضافت حامد في حديثها مع التلفزيون الحكومي التونسي أنّه بات من الضروري وقف النزيف "في غضون أسبوعين أو ثلاثة على أقصى تقدير وإلاّ فستقع الكارثة".

وخلال الأسبوع الجاري، تواترت خطابات التحذير من انزلاق البلاد نحو سيناريو قد يأتي على الأخضر واليابس.

وقال رئيس بلدية الزريبة بولاية زغوان، إبراهيم بن عمر، في تسجيل انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي، إنّ البلاد تعيش" أيّاما سوداء"، لافتا إلى أنّ البلديات المجاورة لن تستقبل مرضى من دائرته بسبب تدهور الوضع الوبائي في جهته.

وأضاف بن عمر: "فلتُفتَح المآتم"!

مخاطر انهيار المنظومة الصحية

وأشار مسؤولون في السياحة لبي بي سي نيوز عربي إلى أنّ عددا من العمّال والموظّفين تقدّموا بطلبات إجازة غير مدفوعة لتخوّفهم من الإصابة بفيروس كورونا.

وذكر أحد هؤلاء المسؤولين، وقد رفض الكشف عن هوّيته، أنّ "العمّال يعرفون جيّدا أنّهم لن يستطيعوا الحصول على سرير بأحد المستشفيات الحكومية إذا ما تعكّرت حالتهم الصحّية وهم غير قادرين على اللجوء إلى المصحّات الخاصّة لارتفاع كلفة التداوي فيها".

وذكرت وزارة الصحّة، بداية الأسبوع الجاري، أنّ نسبة الضغط على أقسام الإنعاش في المستشفيات الحكومية بلغت أكثر من 89 ٪، مقابل 70 ٪ في أقسام التنفّس الاصطناعي.

ولم يستبعد الخبير في المجال الصحي، كريم الشريف، لبي بي سي نيوز عربي، انهيار المنظومة الصحية، أي " ستنعدم قدرة الدولة على استيعاب جميع الحالات التي تتطلّب تدخّلا طبّيا"، موضحا أنّه "حتّى في حال الحصول على مساعدات فإنّ الطواقم الطبّية استُنزفت بالكامل".

وكان المستشار لدى منظمة الصحة العالمية، سهيل العلويني، قد حذّر، منذ منتصف أبريل الماضي، من انهيار المنظومة الصحية برمتها بسبب "حالات الإصابات المتصاعدة بفيروس كورونا".

وتجاوز عدد الوفيات بالفيروس، منذ ظهوره بتونس، حاجز 15 ألفا، في الوقت الذي أحصت فيه السلطات الصحية في تونس، الأربعاء، نحو 7 آلاف إصابة جديدة، لتتصّدر قائمة الدول العربية والإفريقية من حيث عدد الضحايا، حسب أرقام منظمة الصحة العالمية.

معضلة احتواء الوباء

وقرّرت السلطات التونسية، الثلاثاء الماضي، رفع عدد ساعات حظر التجوّل في البلاد، لتصبح من الساعة الثامنة مساء وحتى الخامسة صباحا بدلا عن الساعة العاشرة إلى الخامسة صباحا، في الوقت الذي دعا فيه تونسيون إلى إعادة فرض الحجر الصحّي الشامل.

وقال الخبير في المجال الصحي، كريم الشريف، إنّ "الحجر يمثّل فعلا حلاّ فعّالا من الناحية الطبية لكنّ الحكومة عاجزة عن اللجوء إليه مجدّدا بالنظر لتداعياته الاقتصادية والاجتماعية الوخيمة".

واستنجدت الحكومة التونسية، في أبريل / نيسان الماضي، بصندوق النقد الدولي للحصول على قرض بـ 4 مليارات دولار على ثلاث سنوات، في الوقت الذي ترزح فيه البلاد تحت أزمة غير مسبوقة.

ويرى الشريف أنّ الحلّ العملي يتمثّل في التسريع في عمليّة التطعيم. وخلال أربعة أشهر، تلقّى نحو مليون و٩٠٠ ألف تونسي التلقيح، من بينهم 566 ألفا حصلوا على جرعتهم الثانية.

وشهدت ولايات القيروان وسليانة، وهي من الولايات الأكثر تهميشا، صعودا صاروخيا في عدد الوفيات والإصابات، في الوقت الذي تجاوز فيه عدد الحالات الجديدة نسبة 35 ٪ من بين الخاضعين للتحاليل المخبرية.

ومنحت الحكومة الولاة صلاحيات واسعة لفرض إجراءات وقائية مشدّدة في المدن والمناطق التي تشهد تطوّرا وبائيا

خطيرا.

غياب "جبهة داخلية"

وتعهّدت الولايات المتحدة والصين ودول الاتحاد الأوروبي بتقديم العون إلى تونس في جهود احتوائها لوباء كورونا. لكنّ مؤسّسات الدولة التونسية انخرطت في حملات تسويق لدورها المُفترَض في تعبئة المساعدات الخارجية.

ولم تعد بيانات الرئاسة والحكومة والبرلمان تخلو من الإشارة، تلميحا أو تصريحا، لفضلها في الحصول على معدّات طبّية أو كمّيات إضافيّة من التطعيمات.

ويقول المحلل السياسي، سعيد الزواري، لبي بي سي، إنّ "الأخطر من أزمة كورونا هو الانقسام السياسي في وقت يتطلب فيه الأمر للتكاتف"، مضيفا أنّ "جلب مزيد من التطعيمات، على سبيل الذكر، يتطلب جبهة داخلية موحّدة تقودها ديبلوماسية قوية".

وشدّد الزواري على أنّ "الأولوية المطلقة، الآن، في تونس هي جلب التطعيمات وهذا يتطلب من الجميع ترك الخلافات جانبا وتوحيد الجهود". لكنّه يستدرك: "هذا صعب الآن في ظلّ الطبقة الحاكمة الحالية".

ولا يزال الرئيس التونسي، قيس سعيد، يرفض تحديد موعد لأداء أحد عشر وزيرا اليمين الدستورية، رغم حصولهم، نهاية يناير / كانون الثاني الماضي، على ثقة البرلمان. ومن بين الوزراء الذين شملهم التعديل وزير الصحة.