احتفلت الجزائر، الإثنين، بالذكرى الـ59 لنيل استقلالها عن الاحتلال الفرنسي وسط آمال بكسب التحديات والرهانات "المتراكمة".
ففي هذا اليوم قبل 59 عاماً، خرج الجزائريون في 5 يوليو/تموز 1962، معلنين "فرحة المنتصر والمقهور"، وبدأ معها شوط آخر في مسار الجزائر المستقلة وهو "تثبيت الاستقلال".
وتتزامن ذكرى هذا العام، مع تحديات ورهانات "متشعبة" بين الموروثة عن عهد الاحتلال مثل قضية الهوية، وملف الذاكرة الشائك مع فرنسا، وهو الملف الذي دفع مسؤولي البلدين للتأكيد على أنه السبب في "استحالة التخلص من رواسب الماضي".
إرث نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، واحد من التركات الثقيلة أيضا التي يصفها مراقبون بـ"الشبح" الذي "يعرقل التقدم نحو نهاية النفق"، رغم بعض البوادر المضيئة - كما تقول السلطة – والتي لخصتها في إحداث القطيعة مع ممارسات النظام السابق السياسية والاقتصادية.
الجزائر في الذكرى الـ59 لاستقلالها، ورثت أيضا تراكمات تجارب سياسية واقتصادية يعدها المتابعون بـ"القاسية"، لازالت تبحث عن مخرجات لها، من بينها "شرعية المؤسسات" التي جرى تجديدها بقوانينها، و"الاقتصاد التائه" والباحث عن سكة نموذج واضح المعالم يتلائم مع مقدرات البلاد واحتياجاتها.
وفي كل مناسبة وطنية، يستذكر الجزائريون ذلك الثمن الباهض الذي دفعه الثوار والشهداء من أجل نيل الحرية واسترجاع الأرض وبسط السيادة على بلد عربي أفريقي بات يعرف بـ"بلد المليون ونصف مليون شهيد".
وتؤكد الأرقام والشهادات والوثائق التاريخية، أن استقلال الجزائر "لم يكن منِيّة احتلال" بل نتاج إرادة شعبية ثورية دامت 7 أعوام ونصف العام (1954 – 1962)، كانت فيها الخسائر البشرية والمادية الفادحة "أكبر مكسب" يتحقق في تاريخ الجزائر الحديث، وهو تحرير البلاد.
ووفق الدراسات التاريخية والشهادات فدفع الجزائريون من أجل نيل حريتهم عن الاحتلال الفرنسي ثمناً أقل ما يقال عنه أنه باهض، ترجمه أكثر من مليون ونصف المليون شهيد رحلوا في ميادين الشرف.
علاوة على أكثر من نصف مليون يتيم وعشرات الآلاف من المعطوبين، وأكثر من 8 آلاف قرية دُمرت عن بكرة أبيها من قبل جيش الاحتلال الفرنسي، وحتى الأشجار لم تسلم من همجية الاحتلال الذي أحرق آلاف الهكتارات من الغابات والأشجار النادرة والمثمرة.
كما زرع جيش الاحتلال الفرنسي 8 ملايين لغم على طول الحدود مع تونس والمغرب في محاولة لوأد الثورة التحريرية وتَرَكها "انتقاماً" من هزيمة مدوية كما تذكر الشهادات التاريخية.
ويمتد الثمن الباهض لاستقلال الجزائر إلى 3 ملايين جزائري تم تهجيرهم من قراهم ومنازلهم ونقلهم إلى المحتشدات التي كانت تمارَس بها كل أنواع التعذيب التي لم تشهد لها البشرية مثيلا، وكذا أكثر من 300 ألف لاجئ.
وعلى مدار 59 عاماً، مرت الجزائر بأفراح وأتراح، وبنجاحات وإخفاقات، بعضها كاد "يزيل كيان الدولة"، مثلما حدث فترة تسعينيات القرن الماضي مع همجية الإرهاب الإخواني "المشابه تماماً" لإرهاب الاحتلال الفرنسي في بشاعته، وكذا في 2019 عقب دخول البلاد في أزمة سياسية خطرة بعد استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وطوال 6 عقود، حكم الجزائر 8 رؤساء، كان بينهم عبد العزيز بوتفليقة الأكثر جدلاً بسنوات حكمه التي امتدت إلى 20 سنة كاملة، أو لنهايته "غير المتوقعة".
ويُقسم الباحثون في العلوم السياسية مرحلة استقلال الجزائر إلى فترتين اثنتين، الأولى من 1962 إلى 1992، شهدت خلالها البلاد استقرارا سياسياً واقتصادياً وحتى توهجاً دبلوماسياً، وكانت فترة لبناء الدولة ومؤسساتها.
إلا أن العقود الـ3 الأخيرة من عمر استقلال الجزائر حملت في جعبتها متغيرات كثيرة كانت بمثابة النقطة المفصلية والمنعرج الحاسم والاختبار الصعب لقدرة "رجال الاستقلال" في الحفاظ على "أمانة الشهداء" كما يردد ذلك المسؤولون الجزائريون.
عاشت الجزائر خلال ذلك، عشرية كاملة من الإرهاب الهمجي أتت على أكثر من ربع مليون جزائري وخسائر اقتصادية هائلة، ودخلت بعدها في مرحلة "إعادة تحريك لعبة الشطرنج" بإزاحة من كانوا يوصفون بـ"حزب فرنسا" (ضباط جزائريون عملوا مع الجيش الفرنسي) وإبعادهم عن "كواليس الحكم" كما حدث في عهد بوتفليقة، بحسب شهادات موثقة في مذكرات شخصيات جزائرية سابقة.
استعادت الجزائر أمنها بفضل جيشها الذي انضم إلى قائمة "أقوى الجيوش بالعالم" وتمكن من قهر الإرهاب وإذلاله، لكنها لازالت تبحث عن "ثقة مفقودة أو ضائعة" بين الحاكم والمحكوم.
وهي الثقة التي يقول بعض العارفين بالشأن السياسي الجزائري بأنها "ضاعت في متاهات تراكمات عهد الاستقلال"، أطرافها (الثقة) مجتمع يكافح من "أجل طموحاته المشروعة" كما يقول، وسلطة مضغوطة بتركات الماضي وتحديات الداخل والإقليم بالحاضر، ويجمعهم وسط كل ذلك "آمال مستقبل يليق بتضحيات مليون ونصف المليون شهيد".