صرخة قهر، أطلقها اللبناني بسَّام الصمدي، عبر إحدى القنوات التلفزيونية اللبنانية، انتشرت بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي.

بسَّام عبّر في صرخته عن الويلات التي عاناها أثناء رحلة بحثه عن دواء لطفلته "ميرا"، التي تعاني التهاباً في الأمعاء.

"وجع اللبنانيين واحد" كما قال الصمدي لـ"العين الإخبارية"، مضيفاً: "الأوجاع كثيرة، على رأسها أزمة فقدان الدواء، وهو أقل واجب على الدولة تأمينه لمواطنيها، إذ يكفي أن الاستشفاء غير مؤمن، فلا أسرَّة فارغة في المستشفيات، ويكفي أن اللبنانيين رضوا بذل الكهرباء، البنزين، المازوت، والخبز وكل شيء، لكن أن يصل الأمر إلى أرواحنا!"، مشدداً على أن "فقدان الدواء يسقط حكومات ورؤساء".

"انصفنا يا طارق".. طلاب الثانوية في لبنان يطالبون بإلغاء الامتحانات

وأطلق الصمدي الأسبوع الماضي أيضاً صرخة ألم من شارع عزمي الرئيسي في طرابلس شمال لبنان، وانتشر له فيديو يصرخ ويناشد مساعدته في تأمين دواء لطفلته، التي لاتزال في المستشفى حتى اللحظة، لكنها تتماثل للشفاء كما يؤكد لـ"العين الإخبارية".

ويعاني اللبنانيون أزمة كبيرة في نقص الأدوية منذ أشهر، حتى أن الأمر وصل لفقدان أبسط مسكنات الألم، أما أدوية الأمراض المزمنة فالعثور عليها مهمة مستحيلة تحتاج إلى معارف ووساطات بالجملة.

تقول الصحفية كلادس صعب لـ"العين الإخبارية": "بعدما عجزت عن تأمين دواء القلب أصبت بعوارض صحية، نُقِلت على أثرها إلى طوارئ المستشفى، مع العلم أن انقطاعي عن تناول هذا الدواء يضعف عضلة قلبي وبالتالي قد يسبب فقداني الحياة".

وتضيف: "أعاني أيضاً من مرض الضغط والأعصاب، وكما هو معروف أدوية هذه الأمراض غير موجودة في السوق، وكلما مر يوم من دون أن أتناولها أصاب بنوبة، إضافة إلى معاناتي من أمراض عدة".

وتتابع: "كل ذلك دفعني إلى التواصل مع شخص مغترب قادم إلى لبنان لتأمين أدويتي باستثناء تلك التي تتطلب وصفة طبية".

وتشير إلى أنها "تقاسمت بعض الأدوية مع أحد معارفي، أما والدتي فتعاني من تصلّب في شرايين الدماغ.. أفكّر كل يوم كيف سأتمكن من تأمين الدواء لها عندما ينفد، فهذه مشكلة كبيرة كون ذلك يؤدي إلى تدهور حالتها سريعاً"، وختمت: "لا نعلم إلى متى ستستمر هذه الأزمة وأي مصير نسير إليه".

بغصة تقول ليلى سوبرة، ربة منزل، لـ"العين الإخبارية": "أتناول أدوية للقلب والضغط والكوليسترول، جميعها مفقودة من السوق حتى البديلة منها، كذلك فيتامين د، أصبحنا نشحذ الدواء، كل مرة يعدني جاري الصيدلي بتأمين علبة لي، أحياناً يتمكَّن من ذلك وأحياناً أخرى لا"، في حين استبقت لمياء حسن، ربة منزل، الأزمة عندما شعرت بقرب فقدان الأدوية من السوق فاشترت كما قالت لـ"العين الإخبارية" ما يكفيها لعدة أشهر مقبلة.

"معظم الأدوية للأمراض المزمنة والمستعصية مفقودة من السوق إن لم نقل جميعها، منها ما يتعلق بالضغط والسكري والكوليسترول"، بحسب ما قاله الصيدلي نبيل أسمر لـ"العين الإخبارية".

ويضيف: "البنادول وما شابه يصلنا بالتقسيط، أي بكميات قليلة جداً، وقد ازداد الطلب عليه في الفترة الأخيرة بسبب تلقي المواطنين لقاح كورونا".

ويشير إلى أنه وعدد كبير من الصيدلانيين التزموا بقرار الإضراب المفتوح الذي دعا إليه أصحاب الصيدليات وذلك "لأنه وضعنا في مواجهة مع المرضى لذنب لا علاقة لنا فيه".

أزمة الدواء دفعت المغتربين إلى التحرك للوقوف بجانب أبناء بلدهم سواء من خلال مبادرات فردية أو من خلال تجمعات تعمل على توفير المال لإرسال أكبر قدر من الأدوية، لا بل منهم مَن أصبح يعرض المساعدة عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت منفذاً للبنانيين كذلك للبحث عن الأدوية التي يحتاجونها.

كل ذلك دفع قبل أيام عدداً من المحتجين إلى اقتحام مستودع أدوية في مدينة طرابلس شمال لبنان، حيث عثروا في داخله على كميات كبيرة من الأدوية غير الموجودة في الصيدليات: ضغط، التهابات، خافض حرارة وسعال.

وطالبوا وزير الصحة والأجهزة الأمنية والرقابية التدخل فوراً وإجراء المقتضى اللازم وتوزيع الأدوية على الصيدليات، لأن الناس تعاني ولا تجد دواء.

تفاقم أزمة الدواء في لبنان يعود لعدم فتح المصرف المركزي اعتمادات جديدة لها على وقع شحّ احتياطي الدولار، إضافة إلى ازدياد عمليات التهريب والاحتكار عن طريق تخزين الأدوية.

واليوم كشف نقيب الصيادلة غسان الأمين عن "انفراجة في أزمة الدواء مطلع الأسبوع"، مشيراً إلى أنَّ "الإثنين المقبل سيعلن وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن عن خطة جديدة لتقويم سياسة الدعم التي كانت معتمدة في ملف الدواء بما يساهم في هدر الأموال والتهريب والتخزين".

ولفت إلى أنَّ "الخطة تقوم على إبقاء الدعم على كل الأدوية الأساسية للمواطنين، على أن تتولى لجان رقابية الإشراف على دخول الأدوية الى لبنان وتوزيعها على الصيدليات، بينما سيتمّ رفع الدعم عن الأدوية غير الأساسية، وهو إجراء يتوقع أن يوقف عمليات تهريب الأدوية المدعومة وبالتالي إلى إراحة السوق".