وكالات
بعد عام على انفجار مرفأ بيروت، سيسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأربعاء، لجمع أكثر من 350 مليون دولار من المساعدات للبنان خلال مؤتمر للمانحين يحيى الذكرى السنوية للانفجار، وإرسال تحذير آخر إلى النخبة السياسة اللبنانية المتناحرة.
ويغرق لبنان في واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية منذ ما قبل الانفجار المدمر الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص، في وقت لا تزال الأزمة السياسية على حالها، إذ لم يشكل الساسة بعد حكومة قادرة على إعادة بناء البلاد على الرغم من الضغوط الفرنسية والدولية.
وقال مستشار لماكرون للصحافيين: "بما أن الوضع مستمر في التدهور، فالحاجة إلى حكومة باتت أكثر إلحاحاً".
وقادت فرنسا الجهود الدولية لانتشال مستعمرتها السابقة من الأزمة. وزار ماكرون بيروت مرتين منذ انفجار المرفأ، وزاد مساعدات الطوارئ، وفرض حظر سفر على بعض كبار المسؤولين اللبنانيين، في إطار سعيه للحصول على حزمة إصلاحات. كما أقنع الاتحاد الأوروبي بالموافقة على إطار عقوبات جاهز للاستخدام.
لكن مبادراته، بما في ذلك الحصول على تعهدات من السياسيين اللبنانيين بالاتفاق على حكومة خبراء غير طائفية، باءت بالفشل حتى الآن.
وقال مكتب ماكرون إن الرئيس الأميركي جو بايدن سيشارك في المؤتمر الذي تستضيفه الأمم المتحدة إلى جانب نحو 40 من زعماء العالم الآخرين، بما في ذلك قادة مصر والأردن والعراق وكندا.
وسيمثل بريطانيا وزير خارجيتها.
وجمع مؤتمر العام الماضي في أعقاب الانفجار، حوالي 280 مليون دولار، وحُجبت المساعدات الطارئة عن ما وصفه ماكرون آنذاك بأنها "أيدي فاسدة" للسياسيين، وتم إيصالها عبر المنظمات غير الحكومية وجماعات الإغاثة.
وذكر مكتب ماكرون، أن المساعدات الإنسانية الجديدة ستكون غير مشروطة، لكن حوالي 11 مليار دولار من التمويل طويل الأجل الذي تم جمعه في 2018 خلال مؤتمر دعم لبنان (سيدر) في فرنسا، لا يزال محجوباً ومشروطاً بسلسلة من الإصلاحات التي لا بد أن تنفذها السلطات السياسية.
دعوات للتظاهر
وبالتزامن، دعت أحزاب معارضة ومجموعات ناشطة تأسست خلال احتجاجات 2019 ضد الطبقة الحاكمة إلى تظاهرات في مناطق عدة من بيروت، تحت شعار "العدالة الآن".
وفي الرابع من أغسطس الماضي، اندلع حريق في مرفأ بيروت، تلاه عند الساعة السادسة وبضع دقائق (15,00 توقيت غرينيتش) انفجار هائل وصلت أصداؤه إلى جزيرة قبرص، وألحق دماراً ضخماً في المرفأ وأحياء في محيطه وطالت أضراره معظم المدينة وضواحيها.
وعزت السلطات سبب الإنفجار، إلى 2750 طناً من مادة نيترات الأمونيوم مخزنة منذ العام 2014 في المعبر رقم 12 في المرفأ.
وفي بلد شهد خلال السنوات العشرين الماضية اغتيالات وتفجيرات لم يكشف النقاب عن أي منها، إلا نادراً، ولم يحاسب أي من منفذيها، لا زال اللبنانيون ينتظرون أجوبة لتحديد المسؤوليات والشرارة التي أدت إلى وقوع أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم.
ودعا أهالي الضحايا إلى مسيرات تنطلق عند الساعة الثالثة والنصف بالتوقيت المحلي (12,30 بتوقيت غرينتش) في اتجاه المرفأ، حيث ستتم تلاوة صلوات. وعند تمام الساعة السادسة وسبع دقائق، أي لحظة وقوع الانفجار، ستُتلى أسماء ضحايا الانفجار.
كما ستنطلق من مناطق عدة في بيروت تظاهرات دعت اليها أحزاب ومجموعات معارضة ومحامون وأطباء، على أن تلتقي قرب المرفأ، قبل أن تتوجه إلى مجلس النواب.
وخلال مؤتمر صحافي الاثنين، حدّد أهالي الضحايا مهلة 30 ساعة للمسؤولين لرفع الحصانات عن مسؤولين استدعاهم قاضي التحقيق طارق بيطار ليمثلوا أمام القضاء. وقال والد أحد الضحايا ابراهيم حطيط: "صَبَرنا حتّى نفد صبرنا... الرابع من آب هو يوم وجعنا".
أزمة الحصانات
وأكدت مصادر قضائية لوكالة "فرانس برس"، أن الجزء الأكبر من التحقيق انتهى. لكن الحصانات والأذونات السياسية تقف اليوم عائقاً أمام استدعاء نواب ووزراء سابقين ورؤساء أجهزة أمنية وعسكرية، تبين أنهم كانوا يعلمون بمخاطر تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم في المرفأ، ولم يحركوا ساكناً لإخراجها منه، إلى التحقيق.
وبعد نحو خمسة أشهر على تسلمه الملف إثر تنحي قاض سابق بسبب ضغوط سياسية، أعلن بيطار الشهر الماضي عزمه استجواب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب كمدعى عليه، ووجّه كتاباً إلى البرلمان طلب فيه رفع الحصانة عن ثلاثة نواب شغلوا مناصب وزارية، كما طلب الإذن بملاحقة قادة أجهزة أمنية، وادعى على قائد الجيش السابق، ولكنها اصطدمت بالواقع السياسي.
وأظهرت تقارير أولية أعدها جهاز أمني مباشرة بعد وقوع الانفجار واطلعت وكالة "فرانس برس" عليها حديثاً، أن أطنان نيترات الأمونيوم كانت مخزنة إلى جانب مواد قابلة للاشتعال والانفجار، مثل براميل من مادة الميثانول والزيوت وأطنان من المفرقعات النارية، وفتيل.
واتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الثلاثاء السلطات اللبنانية بـ"انتهاك الحق بالحياة" و"جرم الإهمال"، بعدما أظهرت في تحقيق خاص تقصير مسؤولين سياسيين وأمنيين في متابعة قضية شحنة نيترات الأمونيوم. كما اتهمت "منظمة العفو الدولية" الإثنين السلطات بأنها تعرقل "بوقاحة" مجرى التحقيق في الانفجار.
انهيار غير مسبوق
وعمّقت كارثة الانفجار وتفشي فيروس كورونا قبلها، الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ صيف العام 2019 وصنفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وبات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار، فيما ارتفعت أسعار مواد أساسية بأكثر من 700 في المئة خلال عامين.
ومنذ انفجار المرفأ، يقدّم المجتمع الدولي مساعدات إنسانية مباشرة إلى اللبنانيين، من دون المرور بمؤسسات الدولة المتهمة بالفساد والهدر.
وبرغم الأزمات المتلاحقة، فشل المسؤولون اللبنانيون بالتوصل إلى اتفاق يتيح تشكيل حكومة منذ استقالة حكومة حسان دياب إثر الانفجار، والتي لا تزال تقوم بمهام تصريف الأعمال. وفي 26 يوليو، كلف رئيس الجمهورية ميشال عون رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي تشكيل حكومة بعدما فشلت محاولتان سابقتان في ذلك.