سكاي نيوز عربيةللمرة الأولى منذ 15 عاماً، يتبنى "حزب الله" إطلاق الصواريخ من لبنان على إسرائيل، فيُصدِر بيانا رسميا باسم "المقاومة الإسلامية"، متجاهلا القرار 1701، لإنهاء حرب يوليو "تموز 2006".ولإنعاش الذاكرة، كانت "حرب تموز" قد اندلعت عندما خطف الحزب جنودا إسرائيليين، لتبادر الدولة العبرية إلى حرق الأخضر واليابس والقضاء على البنى التحتية اللبنانية، وصولا إلى القرار 1701، الذي تضمَّن بنودا، منها ما يقضي بتسليم الأمن جنوب الليطاني إلى قوات اليونيفيل والجيش اللبناني بعد غياب استمر عقودا، مع منع حزب الله من التواجد عسكريا في تلك المنطقة.لكن "حزب الله" استثمر هذه الحرب لتغيير المعادلة في الداخل اللبناني بغية العمل على نسف مفاعيل المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وتمهيدا لمصادرة السيادة اللبنانية بالتقسيط الدموي أحيانا، والضغوط السياسية أحيانا أخرى، وصولا إلى انهيار اقتصادي وأزمات سياسية مستعصية، مما يهدد بالقضاء على الكيان اللبناني الذي لم تقضِ عليه الحروب الأهلية ولا الاعتداءات الإسرائيلية في السابق. وذلك وسط عزلة عربية ودولية تترك اللبنانيين لمصيرهم من دون ما يوحي برغبة للتدخل.وإذا سلمنا بأن "حرب تموز" بعد سنة وأشهر على جريمة اغتيال الحريري وما تلاها من اغتيالات حالت دون قيام جبهة قادرة على مناهضته، أعطت النتائج المرجوة، سواء لجهة الإفلات من العقاب، أو لجهة إطباق المحور الإيراني على السيادة اللبنانية، لا بد من السؤال عن دواعي إعادة إشعال جبهة الجنوب ببيان رسمي للحزب الإلهي، وإن بحدود مدروسة حتى تاريخه، بحيث يقتصر القصف المتبادل على مناطق "مفتوحة" خالية من السكان.الجواب يفرض التوقف عند جريمة تفجير المرفأ التي حلت الذكرى الأولى لها في 4 أغسطس 2021، وتحديدا مع اقتراب صدور القرار الظني، ومع ملامح معطيات تشير إلى أن صمت المسؤولين السياسيين والأمنيين والإداريين عن وجود نيترات الأمونيوم على رغم معرفتهم بها، له ما له من دلالات على أن هذا الصمت كان لعجز هؤلاء عن مواجهة صاحب هذه المادة والمتصرف بها.وتجدر الإشارة الى أن جرائم الاغتيال، كما جريمة تفجير المرفأ، ليست صناعة لبنانية بحتة، ولكنها في إطار أجندة المحور الإيراني خدمة لاستراتيجية التوعية في المنطقة.بالتالي يصبح الشأن الداخلي اللبناني، على خصوصيته، مرتبطا بهذه الأجندة، ويصبح مقلقا مشهد المتظاهرين في الذكرى الأولى لتفجير المرفأ وما حمله من أدلة على القطيعة الكاملة بين شرائح واسعة من اللبنانيين، لم يعد ممكنا تجاهلهم، وبين المنظومة السياسية المدجنة وجماهيرها، ومعها المواقف الدولية الراغبة بتعويم هذه المنظومة عبر حكومة وإصلاحات، لتؤكد أن المسألة في لبنان لا تنحصر في الحكومات والإصلاحات، وإنما هي قضية سيادة واسترجاع دولة.بالتالي، ما يحصل اليوم في جنوب لبنان قد يمهد بدوره، لخطط استباقية، سواء للإطاحة بالتحقيق في جريمة تفجير المرفأ، وأيضا للإطاحة بالاستحقاق الإنتخابي وما قد يحمله من مفاجآت، أو لتغير المعادلة الحالية بعد القطيعة التي تواجه مصادرة المحور الإيراني للسيادة اللبنانية واستخدامه ورقة في الاستحقاقات مع الولايات المتحدة ومن خلفها المجتمع الدولي.فكل الجهود التي بذلها ويبذلها المحور بدأت تهتز مع لافتات تطالب بتحرير لبنان من الاحتلال الإيراني رُفِعت بين حشود اللبنانيين، الذين باتوا يعرفون مكمن الداء الذي يغتال أمانهم واقتصادهم ومستقبلهم.هذا عدا وضع إيران المأزوم مع التعثر الواضح في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، وبعد "البروفة" الفاشلة في خليج عُمان.بالتالي، كان لا بد من نقل المواجهة بين إيران وإسرائيل إلى جنوب لبنان. لكن الرسائل الصاروخية لإيران بذراع "حزب الله" ربما لن تؤتي ثمارها. فالفيديو الذي يتم تداوله عن مصادرة أبناء قرية شويا في حاصبيا لراجمات صواريخ الحزب، ورفض الأهالي استخدامهم كدروع بشرية يشير إلى أن المغامرة التي حصلت عام 2006، لا تملك أدواتها لتتكرر عام 2021.وفي حين يبدو مدروسا تغليب مصلحة إيران على لبنان، بحيث لا تفلت الأمور من يدها، وذلك بالمراهنة على تبادل محدود للصواريخ، انطلاقا من أن إسرائيل لا تريد التصعيد، وتفضل الاكتفاء بقواعد اشتباك سائدة منذ 2006، بحيث يكتفي الطرفان، الإسرائيلي والحزب إلهي بالرسائل الصارخية المتبادلة عند هذه الحدود، يبقى السؤال عمن يضمن عدم انزلاق الأمور الى دائرة العنف لأن الأجندة الإيرانية قد تتطلب ذلك، أو لأن الحكومة الإسرائيلية الجديدة تريد تغيير قواعد الاشتباك لسبب أو لآخر.وفي غياب تام للدولة بمؤسساتها الأمنية، وفي ظل عزلتها وافتقارها إلى سياسة خارجية، مما يحول دون طلب المساعدة من الدول العربية والمجتمع الدولي، قد يدفع لبنان ضريبة تشكل الضربة القاضية لهذا البلد المنكوب بإجندات تفاقم مآسي اللبنانيين بمزيد من الخراب والدمار والخوف على المصير.