سكاي نيوز عربيةتتراكم المؤشرات على بروز شح كبير في الخبز داخل العراق خلال الأشهر المقبلة، رغم سعي السلطات إلى توجيه رسائل طمأنة للمواطنين الذين أرهقتهم الأزمات المتتالية التي تعصف بالبلاد.

وبدأ عراقيون يشعرون باقتراب الأزمة مع الارتفاع الذي طرأ على أسعار الطحين، رغم أن العراق كان يحقق في السنوات الأخيرة اكتفاءً ذاتيا من هذه السلعة الاستراتيجية.

وذكرت وزارة الزراعة العراقية أن نصف مساحة الأراضي القابلة للزراعة في البلاد زُرعت بالفعل، وذلك بسبب الزيادة الاستثنائية في مستويات الجفاف والتصحر طوال الصيف الماضي، ولتأخر هطول الأمطار الخريفية لهذا العام.

وتوقعت الوزارة ألا يصل الإنتاج المحلي من الخُبز إلا لنسبة 44 بالمئة من حاجة البلاد، حتى لو كان الموسم الزراعي في أفضل أحواله.

وهذا الأمر يعني أن قُرابة 40 مليون عراقي سيعانون من أزمة حقيقية في إمكانية الحصول على الخُبز وبقية المواد الغذائية التي يدخل القمح في صناعتها، وهي شديدة الاستهلاك في العراق.

وإزاء هذه المؤشرات المقلقة، حاولت وزارة التجارة العراقية تبديد المخاوف بنفي وجود مشكلة في مخزون الطحين.

وقالت التجارة العراقية في بيان أعقب اجتماع الوزير علاء الجبوري مع أصحاب عدد من المطاحن والأفران في بغداد، إن الوزارة مستمرة في تجهيز مادة الطحين ضمن مفردات الحصة التموينية، ولا توجد أي مشكلة في الخزين المتوفر لدى الوزارة في مادة الحنطة المحلية المسوقة من الفلاحين.

أما بخصوص أسعار الطحين التي ارتفعت أخيرا، قال إن هذا الارتفاع يخص الطحين المستورد لصالح التجار والقطاع الخاص ولا يقع ضمن الطحين الموزع في إطار السلة الغذائية.

أفران مغلقة في النجف

وتظهر بوادر الأزمة بشكل جلي في مدينة النجف، جنوب بغداد، إذ نفذ أصحاب الأفران العديد من الوقفات الاحتجاجية على ارتفاع أسعار الطحين في الأسواق العراقية.

ويقول هؤلاء إنهم غير قادرين على رفع أسعار الخُبز، الأمر الذي يعني خسائر يومية متراكمة لهم، حيث أعلن العشرات منهم إيقاف أفرانهم مؤقتاً، حتى الاستجابة لمطالبهم.

أسعار الطحين تضاعفت تقريباً في السوق العراقية طوال الأسبوعين الماضيين. إذ صار سعر كيس الطحين الشعبي العراقي يُباع بـ45 ألف دينار عراقي (حوالى 33 دولار)، بعدما كانت تُباع فقط بـ 25 ألف دينار فحسب (حوالى 18 دولار).

ولم تأمر وزارة التموين العراقية بأي رفع لسعر رغيف الخُبز، خشية حصول أية ردة فعل شعبي، بعد رفع أسعار الوقود وانخفاض قيمة الدينار العراقي منذ أشهر عدة، مما أدى إلى التهام قرابة 20 بالمئة من مداخيل الأسر العراقية.

وتبلغ حاجة العراق السنوية من الحنطة نحو 4.5 مليون طن، في وقت لا يُمكن أن يصل الإنتاج المحلي المتوقع إلى 2 مليون طن، الأمر الذي يعني أن الحكومة مُلزمة بشراء 2.5 مليون طن من السوق العالمية، التي تشهد ارتفاعاً في مستويات طلب الحصول على القمح، بسبب الأزمة المناخية العالمية وتراجع هطول الأمطار في مختلف الدول الغنية بإنتاج القمح.

ويزيد من أزمة أسعار الطحين العالمية، سعي العديد من الدول لزيادة احتياطيها الوطني من مادة القمح، تحسباً لأية ازمة عالمية متوقعة في ذلك الاتجاه.

غياب الاستراتيجية

الخبير والمستثمر في القطاع الزراعي، جوان حسين، أرجع مواجهة العراق لهذه الأزمة الزراعية إلى غياب أية استراتيجية وطنية زراعية، بسبب اعتماد العراق على نوعية من الاقتصاد الريعي التام، مما ألحق الضرر بالزراعة.

وقال حسين لموقع "سكاي نيوز عربية": "حسب المعلومات المتوفرة لدينا، ومن دراسات موثقة، فإن المناطق الزراعية في إقليم كُردستان العراق فقط، قادرة على تلبية حاجة أكثر من 150 مليون نسمة، ومن جميع الحاجات الزراعية، بالذات القمح. لكن لغياب أي توجه لاستغلال واستخدام تلك الطاقات الكامنة، فإنه ليس من أية فائدة لتلك الإمكانيات".

وتابع: "طوال السنوات الثمانية عشر الماضية، لم تُشييد أية بُنية تحتية لحماية وتطوير القطاع الزراعية، لا سدود ولا مؤسسات تخزينية مركزية (...). هذه الأمور التي حولت العراق من دولة مشهورة بتصدير القمح، إلى أخرى غير قادرة على إنتاج نصف حاجته السُكانية".

متابعون عراقيون على وسائل التواصل الاجتماعي أعلنوا رفضهم لتصريحات المدير العام لشركة تصنيع الحبوب العراقية التي أعلن فيها نية وزارته توزيع حصص من الطحين على المواطنين العراقيين، وذلك للتخفيف من آثار ارتفاع أسعار الطحين في السوق العراقية.

المواطنون العراقيون طالبوا الحكومة بضبط الأسعار ودعمها في السوق العراقية، وليس منح حصص من الطحين للمواطنين، لأن مثل هذا الأمر لا يخدم البُنية المدنية الجديدة التي يقوم عليها المُجتمع في العراق، كما كانت الأحوال مع المُجتمعات العراقية الريفية التي تتلقى دعماً بالطحين والمواد الأولية أثناء سنوات الحصار في تسعينيات القرن الماضي.