وسط ساحة محاطة بأحواض مائية وقناطر حجرية في مدينة الرقة شمالي سوريا، ينتظر نادر الحسين (25 عاماً) بفارغ الصبر وصول خطيبته إلى دوار النعيم، بعد أن عاد مجدداً ملتقى، يجمع الأهالي والعائلات.

ويقول الحسين: «أنتظر لقاء خطيبتي، فهنا أفضل مكان، كنا سابقاً نتجنّب حتى المرور قرب الدوار، لكي لا نرى الدماء والرعب».

خلال سيطرة تنظيم داعش على الرقة، التي كانت معقله الأبرز في سوريا بين الأعوام 2014 و2017، استبدل السكان اسم «دوار النعيم» بـ «دوار الجحيم» بعد أن اتخذ منه مقاتلو التنظيم مكاناً لتنفيذ عقوباتهم الوحشية، من قطع أطراف السارقين، إلى تنفيذ إعدامات، وعمليات صلب علناً، للتخويف.

ورجم مقاتلو التنظيم الإرهابي للمرة الأولى امرأة حتى الموت، كما عرضوا عشرات النساء الأيزيديات اللاتي أسروهنّ في العراق للبيع على أنهن «سبايا» حرب.

عن تلك المرحلة يقول نادر: «لم أكن أتجرأ على لقاء خطيبتي، كنا نكتفي بالمكالمات الهاتفية، بسبب خشيتنا من قصاص الرجم بالحجارة».

تحول إلى جنة

وحين خسر «داعش» الرقة في أكتوبر 2017 إثر معارك مع المقاتلين الأكراد، بدعم أميركي، بدا الدوار أشبه بساحة ترابية فارغة، تنبت فيها الأعشاب، ويحيطها الدمار من كل حدب وصوب.

مناف (24 عاماً) لا يصدق أيضاً أنه بات بإمكانه الجلوس في هذه الساحة ولقاء الأصدقاء. وقال:«تحوّل دوّار النعيم من الجحيم إلى جنة، حتى بات العشاق يأتون إليه».

ووسط الدوار، يركض الأطفال بين المقاعد. يتبادل رجال ونساء الأحاديث ويلتقطون صوراً تذكارية، وتعلو ضحكات أصدقاء يفترشون الأرض ويتناولون الطعام، بينما يجول الباعة بين رواد الساحة، حاملين بالونات ملونة، وأخرى على شكل قلب.

الأطفال يلعبون

محمد العلي (37 عاماً) يجلس مع زوجته على أحد المقاعد، يراقبان أطفالهما وهم يلعبون. ويروي كيف كان يتجنب مرور أطفاله في المكان لكي لا يروا الرؤوس المعلقة.

أحمد الحمد من على كرسيه المتحرك، قال بدوره: «يذكّرنا هذا الدوار بالمأساة التي عشناها، يذكّرنا بالموت، كنا نشهد هنا على قطع الرؤوس والأيادي والإعدامات بالسيف».

وفي محيط آخر قريب، يتجه عبد المجيد العبدالله (35 عاماً) كل صباح إلى دوار الدلة - الذي يتوسطه مجسم لإبريق قهوة على الطراز العربي وبجانبه فنجان- للبحث عن فرصة عمل.

ويتذكر كيف كان «داعش» يسجن الناس في أقفاص في الدوار، وكيف أصبح اليوم ساحة تزدحم بالباحثين عن العمل.