إندبندنت عربية
نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية، بنسختها العربية، تحقيقاً موسعاً حول عمالة الأطفال في العراق، مشيرة إلى أن تقديرات اليونيسيف تشير إلى أكثر من مليون طفل تركوا مقاعد الدراسة في العراق، وانخرطوا في سوق العمل.
وبيّنت الصحيفة أنه "أصبح من المعتاد مشاهدة الأطفال في سن المدرسة وهم يتجولون في الشوارع وبين السيارات في العراق، حاملين عبوات المياه والمشروبات، أو العلكة، لبيعها للمارّة وراكبي السيارات. وأضحت هذه الظاهرة جزءاً من حياة العراقيين اليومية. أطفال في مقتبل العمر تخلّوا عن لعبهم وبراءتهم، غادروا الحقائب والكتب المدرسية إلى غير رجعة، كما تخلّوا عن أحلامهم وطموحاتهم البريئة في اللعب مع أصدقائهم في باحة المدرسة، من أجل توفير لقمة العيش لعائلاتهم التي تنتظر عودتهم".
وأشارت إلى تزايد حالات عمالة الأطفال بالعراق في السنتين الأخيرتين، ولكن يبدو أن هذه الظاهرة لم تحظَ بأولوية الحكومات المتعاقبة، ولم تبرز أي حلول لمعالجتها، في وقت صادق العراق على اتفاقية حقوق الطفل في القانون رقم 5 لعام 1994، وعلى البروتوكولَين الملحقين بها، في القانون رقم 23 لعام 2007.
وصرح عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، بأن "هذه الظاهرة تنامت في العراق بسبب الظروف التي يمر بها البلد، كما أن ازدياد نسبة العائلات تحت خط الفقر رافقها تسرّب الأطفال من المدارس، سواء في بغداد، أو المحافظات. وسُجلت أغلب الحالات في الأُسر ذات الدخل المحدود، فضلاً عن افتقار هذه الأُسر إلى موارد تعزز مدخولها، لذا رصدت مفوضية حقوق الإنسان هذه الظواهر من أجل وضع معالجات لها، مثل إطلاق السياسة الوطنية لحماية الطفولة، أو من خلال مشروع حماية الطفل، أو إنشاء المجلس الأعلى لرعاية الطفولة في العراق، وتشكيل الجانب المتعلق بتعزيز الأُطر القانونية والقضائية في التعامل مع هذه الظاهرة، ومنع ارتياد الأطفال سوق العمالة، وإيجاد بدائل تتعلق بإنشاء صندوق الأجيال القادر على استقطاب جوانب متعددة لإيجاد موارد ثابتة للأُسر كي لا تدفع بهم إلى العمل، أو خضوعهم للاستغلال من قبل بعض العصابات الإجرامية أو اختطافهم لسوق التسول والعمالة". وأضاف الغراوي، "لوحظ استخدام الأطفال من كل الأعمار، حتى الرضّع، للتسول"، مشيراً إلى "عدم وجود حل متكامل في الأفق لهذه الظاهرة، من الدولة، أو مؤسساتها على الرغم من المطالب المتكررة لإنقاذ هذه الشريحة المهمة، التي من الواجب حمايتها ورعايتها لأنها حجر الأساس في بناء مستقبل البلد".
ترك المدرسة والعمل في الشارع
ويقول الطفل حسن (14 عاماً)، الذي يبيع المناديل الورقية قرب جسر الصرَّافية في بغداد، "فقدت والدي في حادث انفجار منذ ما يقرب من السنة، وأصبحنا بلا معيل، وأجبرتني والدتي على مغادرة المدرسة لأعول إخوتي الثلاثة (7 أعوام، و4 أعوام، و3 أعوام)".
يسكن حسن وعائلته في غرفة مُستأجرة في حي فقير بجانب الرصافة، ويتمنى العودة إلى المدرسة، ويشعر بالحنين لأصدقائه، ويقول، "كنت متفوقاً في مدرستي، ووعدت والدي بأن أُصبح مهندساً معمارياً كي أبني منزلاً جميلاً يجمعنا".
آلاف الأطفال حالهم يُشبه حال حسن، توجهوا إلى الشارع لمساعدة عائلاتهم بسبب فقدانهم أحد أبويهم، أو كليهما، إما بسبب العنف، وإما بسبب ازدياد حالات الطلاق، وقد أُجبروا على ذلك لاعتقاد عائلاتهم أن التعليم أمر ثانوي، وليس بأهمية الإنفاق على الأسرة.
عبد الرحمن (13 عاماً)، يتحدث عن عمله، ويقول، "أبيع قناني الماء في تقاطع باب المعظم، وبصراحة لا أشعر بالأمان، بينما أتنقل من مكان لآخر كي أعمل منذ الصباح الباكر حتى أوقات متأخرة من الليل، ولا أملك الخيار. تعرَّضت لأكثر من محاولة اعتداء، ولكن تدخّل رجال الشرطة والشباب الغيارى في الوقت المناسب هو ما أنقذني. من جانب آخر، والدي مُقعد، ووالدتي مريضة، وهُما في حاجة إليّ، وليس لي من سبيل آخر".
لجنة حقوق الإنسان
طالبت لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي في 10 مايو (أيار) 2021، بمنع عمالة الأطفال في البلاد، كما طالبت الحكومة العراقية والبرلمان بوقف استغلال الأطفال في مهن شاقَّة، وذلك من خلال إصدار قرارات مُلزمة بهذا الشأن.
في السياق، تحدث عضو مفوضية حقوق الإنسان فاضل الغراوي، ، عن نص الإطار التشريعي، فقال إنه "على الرغم من وجود النصوص الواردة في الدستور العراقي لعام 2005 ضمن المادتين 29 و30، وانضمام العراق الى اتفاقية حقوق الطفل، والتقدم المُحرَز في إصدار جملة من التشريعات ذات الصلة بحماية حقوق الطفل في العراق، ومنها قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لعام 2012، وصدور قانون انضمام العراق الى اتفاقية لاهاي الخاصة بالجوانب المدنية للاختطاف الدولي للطفل، وقانون منع تصنيع واستيراد ألعاب الأطفال المُحرِّضة على العنف، وقانون مناهضة العنف الأُسري في إقليم كردستان رقم 8، لعام 2011"، لكن المفوضية لاحظت أن اتفاقية حقوق الطفل، وبالأخص أحكام المادتين 4 و19 منها، لم تُطبق في العراق إلا جزئياً في ظل عدم مواءمة غالبية التشريعات الوطنية والسياسات المُتّبعة مع بنود الاتفاقية، ومواءمة التشريعات، تعني تطويع القوانين المحلية بما يتلاءم مع الاتفاقية الدولية التي صادق عليها العراق.
دعم الشرائح الهشة
من جهة أخرى، كشف المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية، عبدالزهرة الهنداوي، عن أن "نسبة التحاق الأطفال في الدراسة الابتدائية تبلغ 94 في المئة، وذلك يعني أن هناك انخفاضاً ملحوظاً في نسبة عزوف الأطفال عن المدرسة، أما نسبة عمالة الأطفال دون الخامسة عشرة فتبلغ 1.5 في المئة، ولدينا مشاريع تُفيد في إيجاد حلول تتمثل في إطار استراتيجية التخفيف من الفقر ودعم الشرائح الهشة في الصحة والتعليم ومستوى الدخل".
وسبق أن قدّرت منظمة اليونسيف التابعة للأمم المتحدة، حجم عمالة الأطفال في العراق بنحو المليون طفل، في حين أكدت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عدم وجود إحصائيات تقيس حجم الظاهرة بدقة.
رواتب الرعاية الاجتماعية لا تكفي
وأكد عضو البرلمان العراقي، حسين عرب "وجود آفة استغلال الطفولة في نطاق العمل بالعراق، تحوّل فيما بعد إلى عمليات نصب واحتيال. ويرفض قانون العمل العراقي عمالة الأطفال دون سن الخامسة عشرة، ولدينا ضوابط تمنع إساءة استخدام هذا القانون، ولكن يكمن الخلل في تنفيذ القانون، وباتت هذه الظاهرة مؤرقة".
وأضاف النائب عرب أن "الظروف التي رافقت حروب (داعش)، وانتشار كورونا دفعت الآباء إلى أن يتعمّدوا تشغيل أولادهم فقط لتوفير لقمة العيش، فضلاً عن استخدام أطفالهم بطرق سيئة فقط للحصول على الأموال، وهذا يعاقب عليه القانون. كما أن رواتب الرعاية الاجتماعية لا تسد حاجة العائلات الفقيرة".
وفي سياق العمل على توفير الحلول، أوضح عرب أن "الإجراءات التي نعمل عليها هي أن تكتفي العائلات برواتب الرعاية الاجتماعية، أو شمول الأطفال بتلك الرواتب، والإجراء يجب أن يكون حكومياً، وليس برلمانياً، وهذا واجب إنساني أولاً. وينبغي أن تأخذ الدولة موقفاً جدياً لإيجاد حلٍّ جذري. ونحن كلجنة برلمانية سيكون لنا موقف لمحاربة هذه الظاهرة في الدورة القادمة".
بانتظار الجلسة الأولى للبرلمان
أما رئيسة لجنة المرأة والأسرة والطفولة، النائب ميسون الساعدي، فصرحت بأن "قانون حماية الطفولة وصل إلى لجنتنا قبل أن ينحلَّ المجلس، عبر وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وناقشنا القانون مع بعض اللجان المعنيّة في البرلمان، مثل لجنة حقوق الإنسان، ولجنة العمل والشؤون الاجتماعية، واللجنة القانونية، وتم الاستعداد للقراءة الأولى للقانون، لكن للأسف انحلَّ المجلس بتاريخ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وحالياً ننتظر الجلسة الأولى للبرلمان الجديد". واستطردت، "لا يُقرّ أي قانون يتعلق بهذه الظاهرة إلا بتشكُّل اللجان، وخصوصاً لجنة المرأة والطفل وبضغط وتواصل من منظمات المجتمع المدني وهيئة الأمم المتحدة".
إحصاءات
وتتابع لجان المفوضية وحقوق الإنسان أسباب تفاقُم هذه الظاهرة، والتي كان من أسبابها الزيادة الكبيرة في حالات الطلاق، وما تتركه من آثار سلبية على وحدة وتماسك الأُسَر، وتبعات ذلك على المجتمع بشكل عام، والطفل بشكل خاص. وبحسب إحصاءات مجلس القضاء الأعلى بلغت حالات الطلاق في عام 2017 في العراق، 70097 حالة، في حين بلغت في عام 2018، 74466 حالة طلاق.
أما بالنسبة إلى تأهيل دُور الأحداث، فأشارت المفوضية إلى تخبط سياسة الحكومة في عملية بناء مراكز ومدارس تأهيل خاصة بهم، على الرغم من المطالبات السابقة للمفوضية بضرورة إنشاء هذه الدور في كل المحافظات.
وفي ما يخص ظاهرة التسول، أشارت المفوضية إلى عدم وجود إحصاءات رسمية دقيقة تبيّن حجم تلك الظاهرة في العراق نتيجة تغيّر أعدادهم وتوزيعهم المكاني والزماني تبعاً للظروف الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد.
كما رصدت المفوضية، ضعف البرامج والإجراءات التنفيذية الفاعلة التي تحقق الهدف الذي جاء به قانون العمل الجديد رقم 37 لعام 2015، والذي نصّت المادة 6 (ثالثاً) منه، على القضاء الفعلي على عمل الأطفال، أو على أقل تقدير الحد من الظاهرة.
مؤشرات وزارة الداخلية
وصرح أحد المسؤولين العسكريين في استخبارات وزارة الداخلية، بأن "هذه الظاهرة تُمارَس على يد عصابات منظَمة يقع على عاتقها إيواء الأطفال (ذكوراً وإناثاً)، وبمختلف الفئات العمرية في خانات ضمن منطقتي الكاظمية والعلاوي لإيواء المتسولين. وتشرف هذه العصابات على توزيعهم فجراً حسب المناطق المتفَق عليها، سواء في التقاطعات المرورية، أو الساحات، لضمان تمركزهم في أماكن مكتظة بالمارّة". وأضاف المصدر ذاته،
"هؤلاء الأطفال تبدأ أعمارهم بين شهرين وثلاثة أشهر، يؤجَرون من قبل ذويهم للنساء المتسولات، ويتراوح مبلغ تأجير الطفل ما بين 25 و50 ألف دينار لليوم الواحد، أي ما يعادل 35 دولاراً. وفي حال كان الطفل أكبر قليلاً، ويمتلك مواصفات جمال مؤثرة، فيكون المبلغ أكثر بالتأكيد. أما المراهقات اللاتي يبعن الزهور والمناديل الورقية، أو يتسولن، فيتعرضن لمضايقات عدّة. وتردنا حالات مختلفة ودعاوى إلى مراكز الشرطة بهذا الخصوص. وهي حالات تُدمي القلب".
انتهاكات غير مُجرَّمة
هناك كثير من الأفعال التي تشكل انتهاكاً لحقوق الطفل، ولكن لم يُجرِّمها القانون المحلي، في حين أن تلك الأفعال تُعد انتهاكاً صارخاً، وفق الاتفاقية الدولية المصادق عليها، مثل منع الطفل من التعبير عن رأيه، وعدم تجريم عمالة الأطفال حتى سن 18 عاماً، وعدم تجريم منع الأطفال من الالتحاق بالمدارس، أو إتمامهم التعليم الأساسي، وعدم تجريم سوء معاملة الطفل بأشكاله كافة، وختان الإناث والتحرش الجنسي، والزواج المبكر.
نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية، بنسختها العربية، تحقيقاً موسعاً حول عمالة الأطفال في العراق، مشيرة إلى أن تقديرات اليونيسيف تشير إلى أكثر من مليون طفل تركوا مقاعد الدراسة في العراق، وانخرطوا في سوق العمل.
وبيّنت الصحيفة أنه "أصبح من المعتاد مشاهدة الأطفال في سن المدرسة وهم يتجولون في الشوارع وبين السيارات في العراق، حاملين عبوات المياه والمشروبات، أو العلكة، لبيعها للمارّة وراكبي السيارات. وأضحت هذه الظاهرة جزءاً من حياة العراقيين اليومية. أطفال في مقتبل العمر تخلّوا عن لعبهم وبراءتهم، غادروا الحقائب والكتب المدرسية إلى غير رجعة، كما تخلّوا عن أحلامهم وطموحاتهم البريئة في اللعب مع أصدقائهم في باحة المدرسة، من أجل توفير لقمة العيش لعائلاتهم التي تنتظر عودتهم".
وأشارت إلى تزايد حالات عمالة الأطفال بالعراق في السنتين الأخيرتين، ولكن يبدو أن هذه الظاهرة لم تحظَ بأولوية الحكومات المتعاقبة، ولم تبرز أي حلول لمعالجتها، في وقت صادق العراق على اتفاقية حقوق الطفل في القانون رقم 5 لعام 1994، وعلى البروتوكولَين الملحقين بها، في القانون رقم 23 لعام 2007.
وصرح عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، بأن "هذه الظاهرة تنامت في العراق بسبب الظروف التي يمر بها البلد، كما أن ازدياد نسبة العائلات تحت خط الفقر رافقها تسرّب الأطفال من المدارس، سواء في بغداد، أو المحافظات. وسُجلت أغلب الحالات في الأُسر ذات الدخل المحدود، فضلاً عن افتقار هذه الأُسر إلى موارد تعزز مدخولها، لذا رصدت مفوضية حقوق الإنسان هذه الظواهر من أجل وضع معالجات لها، مثل إطلاق السياسة الوطنية لحماية الطفولة، أو من خلال مشروع حماية الطفل، أو إنشاء المجلس الأعلى لرعاية الطفولة في العراق، وتشكيل الجانب المتعلق بتعزيز الأُطر القانونية والقضائية في التعامل مع هذه الظاهرة، ومنع ارتياد الأطفال سوق العمالة، وإيجاد بدائل تتعلق بإنشاء صندوق الأجيال القادر على استقطاب جوانب متعددة لإيجاد موارد ثابتة للأُسر كي لا تدفع بهم إلى العمل، أو خضوعهم للاستغلال من قبل بعض العصابات الإجرامية أو اختطافهم لسوق التسول والعمالة". وأضاف الغراوي، "لوحظ استخدام الأطفال من كل الأعمار، حتى الرضّع، للتسول"، مشيراً إلى "عدم وجود حل متكامل في الأفق لهذه الظاهرة، من الدولة، أو مؤسساتها على الرغم من المطالب المتكررة لإنقاذ هذه الشريحة المهمة، التي من الواجب حمايتها ورعايتها لأنها حجر الأساس في بناء مستقبل البلد".
ترك المدرسة والعمل في الشارع
ويقول الطفل حسن (14 عاماً)، الذي يبيع المناديل الورقية قرب جسر الصرَّافية في بغداد، "فقدت والدي في حادث انفجار منذ ما يقرب من السنة، وأصبحنا بلا معيل، وأجبرتني والدتي على مغادرة المدرسة لأعول إخوتي الثلاثة (7 أعوام، و4 أعوام، و3 أعوام)".
يسكن حسن وعائلته في غرفة مُستأجرة في حي فقير بجانب الرصافة، ويتمنى العودة إلى المدرسة، ويشعر بالحنين لأصدقائه، ويقول، "كنت متفوقاً في مدرستي، ووعدت والدي بأن أُصبح مهندساً معمارياً كي أبني منزلاً جميلاً يجمعنا".
آلاف الأطفال حالهم يُشبه حال حسن، توجهوا إلى الشارع لمساعدة عائلاتهم بسبب فقدانهم أحد أبويهم، أو كليهما، إما بسبب العنف، وإما بسبب ازدياد حالات الطلاق، وقد أُجبروا على ذلك لاعتقاد عائلاتهم أن التعليم أمر ثانوي، وليس بأهمية الإنفاق على الأسرة.
عبد الرحمن (13 عاماً)، يتحدث عن عمله، ويقول، "أبيع قناني الماء في تقاطع باب المعظم، وبصراحة لا أشعر بالأمان، بينما أتنقل من مكان لآخر كي أعمل منذ الصباح الباكر حتى أوقات متأخرة من الليل، ولا أملك الخيار. تعرَّضت لأكثر من محاولة اعتداء، ولكن تدخّل رجال الشرطة والشباب الغيارى في الوقت المناسب هو ما أنقذني. من جانب آخر، والدي مُقعد، ووالدتي مريضة، وهُما في حاجة إليّ، وليس لي من سبيل آخر".
لجنة حقوق الإنسان
طالبت لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي في 10 مايو (أيار) 2021، بمنع عمالة الأطفال في البلاد، كما طالبت الحكومة العراقية والبرلمان بوقف استغلال الأطفال في مهن شاقَّة، وذلك من خلال إصدار قرارات مُلزمة بهذا الشأن.
في السياق، تحدث عضو مفوضية حقوق الإنسان فاضل الغراوي، ، عن نص الإطار التشريعي، فقال إنه "على الرغم من وجود النصوص الواردة في الدستور العراقي لعام 2005 ضمن المادتين 29 و30، وانضمام العراق الى اتفاقية حقوق الطفل، والتقدم المُحرَز في إصدار جملة من التشريعات ذات الصلة بحماية حقوق الطفل في العراق، ومنها قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لعام 2012، وصدور قانون انضمام العراق الى اتفاقية لاهاي الخاصة بالجوانب المدنية للاختطاف الدولي للطفل، وقانون منع تصنيع واستيراد ألعاب الأطفال المُحرِّضة على العنف، وقانون مناهضة العنف الأُسري في إقليم كردستان رقم 8، لعام 2011"، لكن المفوضية لاحظت أن اتفاقية حقوق الطفل، وبالأخص أحكام المادتين 4 و19 منها، لم تُطبق في العراق إلا جزئياً في ظل عدم مواءمة غالبية التشريعات الوطنية والسياسات المُتّبعة مع بنود الاتفاقية، ومواءمة التشريعات، تعني تطويع القوانين المحلية بما يتلاءم مع الاتفاقية الدولية التي صادق عليها العراق.
دعم الشرائح الهشة
من جهة أخرى، كشف المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية، عبدالزهرة الهنداوي، عن أن "نسبة التحاق الأطفال في الدراسة الابتدائية تبلغ 94 في المئة، وذلك يعني أن هناك انخفاضاً ملحوظاً في نسبة عزوف الأطفال عن المدرسة، أما نسبة عمالة الأطفال دون الخامسة عشرة فتبلغ 1.5 في المئة، ولدينا مشاريع تُفيد في إيجاد حلول تتمثل في إطار استراتيجية التخفيف من الفقر ودعم الشرائح الهشة في الصحة والتعليم ومستوى الدخل".
وسبق أن قدّرت منظمة اليونسيف التابعة للأمم المتحدة، حجم عمالة الأطفال في العراق بنحو المليون طفل، في حين أكدت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عدم وجود إحصائيات تقيس حجم الظاهرة بدقة.
رواتب الرعاية الاجتماعية لا تكفي
وأكد عضو البرلمان العراقي، حسين عرب "وجود آفة استغلال الطفولة في نطاق العمل بالعراق، تحوّل فيما بعد إلى عمليات نصب واحتيال. ويرفض قانون العمل العراقي عمالة الأطفال دون سن الخامسة عشرة، ولدينا ضوابط تمنع إساءة استخدام هذا القانون، ولكن يكمن الخلل في تنفيذ القانون، وباتت هذه الظاهرة مؤرقة".
وأضاف النائب عرب أن "الظروف التي رافقت حروب (داعش)، وانتشار كورونا دفعت الآباء إلى أن يتعمّدوا تشغيل أولادهم فقط لتوفير لقمة العيش، فضلاً عن استخدام أطفالهم بطرق سيئة فقط للحصول على الأموال، وهذا يعاقب عليه القانون. كما أن رواتب الرعاية الاجتماعية لا تسد حاجة العائلات الفقيرة".
وفي سياق العمل على توفير الحلول، أوضح عرب أن "الإجراءات التي نعمل عليها هي أن تكتفي العائلات برواتب الرعاية الاجتماعية، أو شمول الأطفال بتلك الرواتب، والإجراء يجب أن يكون حكومياً، وليس برلمانياً، وهذا واجب إنساني أولاً. وينبغي أن تأخذ الدولة موقفاً جدياً لإيجاد حلٍّ جذري. ونحن كلجنة برلمانية سيكون لنا موقف لمحاربة هذه الظاهرة في الدورة القادمة".
بانتظار الجلسة الأولى للبرلمان
أما رئيسة لجنة المرأة والأسرة والطفولة، النائب ميسون الساعدي، فصرحت بأن "قانون حماية الطفولة وصل إلى لجنتنا قبل أن ينحلَّ المجلس، عبر وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وناقشنا القانون مع بعض اللجان المعنيّة في البرلمان، مثل لجنة حقوق الإنسان، ولجنة العمل والشؤون الاجتماعية، واللجنة القانونية، وتم الاستعداد للقراءة الأولى للقانون، لكن للأسف انحلَّ المجلس بتاريخ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وحالياً ننتظر الجلسة الأولى للبرلمان الجديد". واستطردت، "لا يُقرّ أي قانون يتعلق بهذه الظاهرة إلا بتشكُّل اللجان، وخصوصاً لجنة المرأة والطفل وبضغط وتواصل من منظمات المجتمع المدني وهيئة الأمم المتحدة".
إحصاءات
وتتابع لجان المفوضية وحقوق الإنسان أسباب تفاقُم هذه الظاهرة، والتي كان من أسبابها الزيادة الكبيرة في حالات الطلاق، وما تتركه من آثار سلبية على وحدة وتماسك الأُسَر، وتبعات ذلك على المجتمع بشكل عام، والطفل بشكل خاص. وبحسب إحصاءات مجلس القضاء الأعلى بلغت حالات الطلاق في عام 2017 في العراق، 70097 حالة، في حين بلغت في عام 2018، 74466 حالة طلاق.
أما بالنسبة إلى تأهيل دُور الأحداث، فأشارت المفوضية إلى تخبط سياسة الحكومة في عملية بناء مراكز ومدارس تأهيل خاصة بهم، على الرغم من المطالبات السابقة للمفوضية بضرورة إنشاء هذه الدور في كل المحافظات.
وفي ما يخص ظاهرة التسول، أشارت المفوضية إلى عدم وجود إحصاءات رسمية دقيقة تبيّن حجم تلك الظاهرة في العراق نتيجة تغيّر أعدادهم وتوزيعهم المكاني والزماني تبعاً للظروف الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد.
كما رصدت المفوضية، ضعف البرامج والإجراءات التنفيذية الفاعلة التي تحقق الهدف الذي جاء به قانون العمل الجديد رقم 37 لعام 2015، والذي نصّت المادة 6 (ثالثاً) منه، على القضاء الفعلي على عمل الأطفال، أو على أقل تقدير الحد من الظاهرة.
مؤشرات وزارة الداخلية
وصرح أحد المسؤولين العسكريين في استخبارات وزارة الداخلية، بأن "هذه الظاهرة تُمارَس على يد عصابات منظَمة يقع على عاتقها إيواء الأطفال (ذكوراً وإناثاً)، وبمختلف الفئات العمرية في خانات ضمن منطقتي الكاظمية والعلاوي لإيواء المتسولين. وتشرف هذه العصابات على توزيعهم فجراً حسب المناطق المتفَق عليها، سواء في التقاطعات المرورية، أو الساحات، لضمان تمركزهم في أماكن مكتظة بالمارّة". وأضاف المصدر ذاته،
"هؤلاء الأطفال تبدأ أعمارهم بين شهرين وثلاثة أشهر، يؤجَرون من قبل ذويهم للنساء المتسولات، ويتراوح مبلغ تأجير الطفل ما بين 25 و50 ألف دينار لليوم الواحد، أي ما يعادل 35 دولاراً. وفي حال كان الطفل أكبر قليلاً، ويمتلك مواصفات جمال مؤثرة، فيكون المبلغ أكثر بالتأكيد. أما المراهقات اللاتي يبعن الزهور والمناديل الورقية، أو يتسولن، فيتعرضن لمضايقات عدّة. وتردنا حالات مختلفة ودعاوى إلى مراكز الشرطة بهذا الخصوص. وهي حالات تُدمي القلب".
انتهاكات غير مُجرَّمة
هناك كثير من الأفعال التي تشكل انتهاكاً لحقوق الطفل، ولكن لم يُجرِّمها القانون المحلي، في حين أن تلك الأفعال تُعد انتهاكاً صارخاً، وفق الاتفاقية الدولية المصادق عليها، مثل منع الطفل من التعبير عن رأيه، وعدم تجريم عمالة الأطفال حتى سن 18 عاماً، وعدم تجريم منع الأطفال من الالتحاق بالمدارس، أو إتمامهم التعليم الأساسي، وعدم تجريم سوء معاملة الطفل بأشكاله كافة، وختان الإناث والتحرش الجنسي، والزواج المبكر.