العربية.نتفي الإعلام تختزل الصورة مليون كلمة، وفي الإنسانية تعبر عن مليون غصة، وهذا ما حدث مع صورة امرأة يمنية مربوطة في عمود، تعجز الأبجدية عن وصفها، وتخجل عين الكاميرا أمام بؤس ملامحها المسنة.ووفق شهود عيان، تحدثوا لـ"العربية.نت"، فإن هذه الصورة تم التقاطها في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت اليمنية التي اشتهر أبناؤها بالتكافل والرحمة، والصورة لامرأة عجوز قيل إنها حاولت السرقة، فقام الأهالي بتنفيذ عقوبة عاجلة بحقها فربطوها في عمود وصوروها، بعد أن أشبعوها ذلاً وشتماً وإهانة، من دون أن يأبهوا إلى عسر حالها أو يتنبهوا لتدهور صحتها ويتحققوا عن مدى عجزها في إطعام أسرتها.تتخثر الكلمات في الحناجر مذهولة من هول ما جرى!العجوز المسنة الناحلة التي اتهمت بالسرقة، ظهرت مصلوبة ومغلوبة على أمرها، تجمع حولها شباب من مدينة المكلا بمحافظة حضرموت اليمنية، بعد أن التقطوا صورة تذكارية لإذلالها، رأسها محنٍ، يوشك أن يغمى عليها من شدة التوبيخ والمهانة من دون ضمير ولا أدنى رأفة لسنّها.الصورة صدمت قلوب الملايين، وهزت مشاعر شعب بكامله، حيث وصفها ناشطون بأنها تعبر عن اليمن المنهوب والمقهور والمربوط إلى جذع الأجندات الدولية، وجه منتهك حقوقه الآدمية لامرأة مستضعفة ومسلوبة الإرادة تمثل حال الكثيرين ممن دهستهم آلة الحروب، وسحقت كرامتهم طواحين الفقر، ولفظتهم المشافي خارج غرف العناية الرحيمة.وانبرى ناشطون في الدفاع عن آدمية المرأة التي مسّت عواطفهم، معتبرين أنها جريمة أبكت عيوناً وأدمت قلوباً، متساءلين كيف لامرأة طاعنة في السن دعتها الحاجة لمد يدها إلى لقمة لسد رمق جوعها، تعاقب بالتكبيل أمام العالم والبشرية بهذه الطريقة الوحشية. ويضيف آخر: "كان الأولى بهم أن يربطوا بائعي الأوطان والمستعجلين على تقسيم أوصالها وإزهاق روحها التي لم تلتئم إلا بعدما أسيلت دماء، وأزهقت أرواح، وشردت أسر من مختلف مدن اليمن الحزين".شعب أهلكته سنوات الحربويقول وليد الدهيش متسائلاً: "هل سنرى نفس الحبل والعقاب ينال سرّاق الوطن ويشهّر بهم، أم أن الغضب والاستنكار والاستقواء لا يكون إلا على الضعيف المسكين المنهك جوعاً وفقراً والموجوع قهراً الذي أهلكته سنوات الحرب، أما الذي يسرق مليارات تحت مظلة خدمة الشعب لا يجرؤون على معاقبته أو حتى مساءلته، يا لها من ثقافة غريبة جاهلة".شاهد عيان من موقع الحدثومن موقع الحادثة، يروي إبراهيم اليريسي تفاصيلها، فيقول: "نعم هذه القصة وقعت يوم الثلاثاء صباحاً بالقرب من محل عملي في مدينة المكلا تحديداً حافة باجعمان، وتم اتهام المرأة بأنها دخلت البيت للسرقة، ثم تجمع الشباب وربطوها على العمود. وتم تصويرها وكشف وجهها وإهانتها".وخاطب محمد سعيد الأبارة أهالي حضرموت بالقول: "تتخثر الكلمات في الحناجر مذهولة من هول ما جرى! أهذه حضرموت التي عرفناها قبلة المحبة والتسامح والقي؟! إننا لا نكاد نصدق ما جرى لهذه المرأة -الحرمة- بما تعنيه كلمة الحرمة".أما تبع الحميري فقد دعا الناشطون إلى تبني رد اعتبار وكرامة المرأة ونصرتها من خلال فتح باب التبرع لها وجمع المال لبناء أو شراء مسكن لها ولأسرتها، وتوفير مصدر رزق يضمن لها حياة كريمة.فيما يستنكر عبدالسلام الشرابي هذا الفعل، ويقول: "هل هذه القصة حقيقية، أم مدبلجة حتى يشهروها هكذا، لتصبح هذه العجوز من مشهوري وسائل التواصل، ليهل الخير عليها"، ويتابع: "لم أعد أصدق ما يحدث من أخبار وشائعات وتمثيليات في صفحات الفيسبوك وتويتر، أتمنى التحقق من ذلك، فأنا لا أصدق لا يمكن أن امرأة تنتهك بهذا الشكل على سرقة ما يسد رمقها"، معتقداً أن الموجودين في الصورة إنما هم مخرجون لهذه القصة.جريمة لا تمثل أخلاق اليمنيينويرى منذر السنباني أن من يستقوي على امرأة عجوز بحجة أنها سارقة، في ظل ظروف صعبة تعيشها البلاد تحت مطارق الجوع والخوف، فهل يرينا شجاعته في معاقبة من سرقوا ونهبوا بلداً بكامله".أما خالد الزارعي فيصف هذا الفعل المشين بأنه لا يمثل أخلاق اليمنيين. بينما يعرب أبو تركي اليماني عن استغرابه قائلاً: "لأول مرة في حياتي أشاهد امرأة مربوطة بشكل مهين أمام الناس وكاميراتهم"، ويضيف: "مهما كانت جريمتها فإن للمرأة حرمتها". ويلفت عبدالسلام العمري بالقول: "ليس من حق أي مواطن إنزال العقوبة على أحد، أو أخذ حقه بيده وإلا لصارت حياة المجتمع غارقة في الفوضى".ويدين بدر المشجري هذا الفعل، ويعتبره مرفوضاً لا يقبله لأي إنسان مهما كان جنسه وعرقه، معتذراً بشدة لهذة المرأة وأسرتها عما حصل لها من أذى نفسي ومعنوي. فيما وصف هارون القميري الصورة بـ"القاسية" كونها لا تمثل سمو الأخلاق ونبل القيم والأعراف اليمنية الأصيلة.