^  بعد دعوة نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي إلى قيام اتحاد بين إيران والعراق عشية زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى طهران في الثاني والعشرين والثالث والعشرين من الشهر الحالي، لم يعد هناك مبرر لتردد لبعض دول الخليج العربية في الاستجابة لدعوة خادم الحرمين الشريفين خلال قمة دول مجلس التعاون الأخيرة في الرياض التي دعا فيها إلى الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد. فالتهديدات الإيرانية باتت مكشوفة ومفضوحة وعلى عينك يا تاجر، ويخطئ من يظن أن هذه التهديدات موجهة إلى بعض دول الخليج العربية وليس إلى كلها. فأحلام إيران الإمبراطورية لا تقف عند السعودية والبحرين كما يظن بعض الأشقاء في دول الخليج؛ بل تستهدفهم جميعاً من دون استثناء أحد منهم، بل لا نغالي إذا قلنا إن أطماع الإيرانيين لا تتوقف عند حدود الدول المطلة على الخليج العربي، بل تتجاوزها لتشمل جميع الدول العربية والدليل على ما نذهب إليه هو أن إيران تسعى منذ فترة ليست بالقصيرة على أن يكون لها موطئ قدم في جميع البلاد العربية، واستطاعت من خلال انتهاجها لسياسة «الشعاراتية» التي تحمل في مضامينها «العداء لإسرائيل وأمريكا» أن تلقى لها صدى كبيراً وواسعاً في الشارع العربي؛ ونجحت في استقطاب الكثير من السياسيين والمثقفين بسبب أن هذا الشارع كان يبحث عن من يشد أزره في مواجهة العدو الصهيوني، خصوصاً في ظل روح الانهزامية التي سيطرت عليه بفعل عجز الأنظمة العربية عن القيام بواجبها إزاء مساعدة الفلسطينيين في تحرير أرضهم المحتلة منذ اغتصابها في عام 1948 على أيدي العصابات الصهيونية، من هنا وجد العرب أنفسهم أمام قوة صاعدة ترفع شعارات ثورية تحمل عناوين كبيرة، أبرزها العداوة لإسرائيل وتحرير فلسطين فصدق هذه الشعارات، واعتقد جازماً أن تحرير القدس سيكون عبر البوابة الإيرانية. كما إن توظيف إيران للمال السياسي ساعدها كثيراً في كسب ثقة بعض الساسة والمثقفين العرب وحركات التحرير مثل حركة حماس في غزة التي أصبحت تعتمد في موازنتها على إيران بشكل كبير ووصل الحال بها أنها تمكنت من الاستغناء عن السلطة الوطنية في رام الله بالضفة الغربية بفضل الأموال التي تنهال عليها من إيران. بهذه السياسات تمكن الإيرانيون من تثبيت أقدامهم في المنطقة العربية وباتوا أحد الأرقام التي تحسب في معادلات قضايا المنطقة ولبنان خير شاهد على ذلك. فعن طريق النظام السوري وحزب الله أصبحت إيران حاضرة وبقوة في ترتيب أوضاع البيت اللبناني. لكن المشهد تغير مع انطلاق الثورة السورية، ووقوف إيران بجانب نظام بشار الأسد حليفها في المنطقة ودعمها له بالمال والسلاح والرجال، حيث انكشف زيفها وسقطت شعاراتها الثورية، وباتت في وضع يحتم عليها البحث عن بدائل تبقي على نفوذها في المنطقة خصوصاً بعدما شعرت أن اتجاهات التغيير في سوريا قادمة لا تسير في صالحها وأن نظام الأسد مهما طال الزمن فهو في طريقه إلى الانهيار والزوال. من هنا علينا ألا نستغرب أن تحظى زيارة المالكي الأخيرة لإيران بترحيب كبير من القادة الإيرانيين، وللعلم هي ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يحظى فيها بهذا التقدير، فهو رجل إيران في العراق وسيكون بديل الأسد في المرحلة المقبلة.. لذا كان نائب الرئيس الإيراني واضحاً وصريحاً إلى أبعد الحدود حين قال: «إن إيران والعراق إذا اتحدا بشكل تام فإنهما سيشكلان قوة عالمية كبرى»، وأضاف أن الشعبين تربطهما علاقات فريدة من نوعها. ولو دققنا النظر في حديث رحيمي في حضرة المالكي فإننا سنكتشف أن اللعب أصبح على المكشوف، لذلك جاءت مفردات الخطاب الإيراني تجاه العراق بهذا الوضوح، فهو حدد شكل مستقبل العلاقات الإيرانية العراقية التي تتمنى إيران أن تسود بينهما، وهو لم يتجرأ على مثل هذا الكلام إلا نتيجة شعوره القوي أن بلاده قد مهدت الأرض العراقية لإطلاق مثل هذه الدعوة؛ فالأحزاب السياسية العراقية التى تكونت في العراق في ظل الاحتلال الأمريكي بعد الإطاحة بنظام صدام حسين معظمها رضع من حليب الأم إيران وتربى في أحضانها، لذلك فإن ولاءها سيكون بالتأكيد للأم الرؤوم بالدرجة الأولى. ولذلك فإن دعوة رحيمي لم تقابل بالاستنكار من قبل هذه الأحزاب، وإذا كان المالكي في وقتها لم يعبر بصراحة عن ترحيبه بالفكرة لحاجة في نفسه ولضرورات سياسية وإعلامية؛ فإنه في قرار نفسه يدعم هذه الفكرة ويشجع عليها لأنها تتناغم مع نفسه الطائفي وتتقاطع مع تكوينه الأيديولوجي، وهو في المحصلة النهائية حليف لإيران وينفذ أجندتها في العراق. من هنا فإن السؤال المهم الذي ينبغي أن يطرح وبإلحاح شديد في دولنا الخليجية وفي هذه المرحلة الحساسة هو؛ ماذا لو تحقق المشروع الإيراني العراقي؟ في اعتقادي أن مثل هذا الاتحاد (العراق وإيران) لو تم وبحسب ما يقول العارفون بدهاليز السياسة العربية والخليجية لا شك أنه سيشكل خطراً على دول الخليج العربية ومصدر تهديد لأمنها واستقرارها. ويمثل بالنسبة لإيران فرصة العمر وخطوة كبيرة على طريق تحقيق أحلامها الإمبراطورية، خصوصاً في ظل التطورات على الساحة العربية التي تسير في اتجاه معاكس لطموحاتها. من هنا يرى هؤلاء أن الرد الوحيد الذي يجب أن تتخذه دول الخليج إزاء هذا المشروع هو الإسراع في ترجمة دعوة خادم الحرمين الشريفين على أرض الواقع. وفي رأيي أن القمة التشاورية المقبلة لقادة دول مجلس التعاون التي ستلتئم في مطلع الشهر القادم في الرياض هي فرصة ثمينة لإطلاق مشروع الاتحاد الخليجي. أما الدول الخليجية التي ماتزال تتوهم أنها بعيدة عن مرمى الأطماع الإيرانية، وليس بينها وبين إيران مشكلة، وأن علاقاتها معها أكثر من جيدة، فعليها أن تعيد حساباتها وتقرأ المشهد الإيراني قراءة واعية لتدرك أن الخطر الإيراني لن يستثني أحداً من دول المنطقة. وتهديدات نجاد الأخيرة أثناء زيارته لجزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة خير برهان على ذلك. لهذا ندعو هذه الدول إلى أن تحسم أمرها إزاء هذه المسألة وتلتحق بقاطرة الاتحاد بمعية السعودية والبحرين اللتين ستعلنان عن ولادة الاتحاد بينهما.