^   يبدو أن تصاعد وتائر العنف والعنف المضاد في البلاد قد وصل إلى مرحلةٍ في غاية الخطورة تستدعي تدخّل العقلاء، وتحكيم الضمير قبل أن يجد المواطن نفسه ذات يوم مشؤوم محاصراً في بيته، مثلما هو الحال مع بعض المواطنين الذين يعانون من صعوبة الوصول إلى قراهم، خصوصاً بعد غروب الشمس، وعدم تمكّنهم من التنقّل بحرية، وزيارة الأهل والأصدقاء، وهو ما يعني أن نمطاً غير طبيعي من الحياة بات يفرض نفسه خفيةً أو علناً، أو لنقل أن هناك جماعات أو أطرافاً محدّدة تستميت في فرضه وجعله أمراً واقعاً ينبغي التعامل معه بشكلٍ يوميٍ. ومن الواضح أن ضحايا العنف هم أناس بسطاء لا ناقة لهم ولا جمل في السياسة وألاعيبها اليومية، ولا في خطط السياسيين وأهدافهم، وما الحادث المروّع الناتج عن تفجير أسطوانة غاز قرب أحد المنازل، والذي أُصيبت على إثره أم بريئة وابنها في منطقة بلاد القديم، ونُقلا إلى المستشفى لتلقِّي العلاج، إلا دليل ساطع على أن كل موطن بات اليوم مستهدفاً من قبل جماعاتٍ موتورةٍ ارتضت أن تختار العنف سبيلاً لفرض مطالبها على الدولة، «وإجبارها» على تقديم التنازلات، متدثرةً بالعباءة الشرعية التي تسمح لهم بسحق كل من يخالفها في الرأي. المسألة الأكثر خطورةً في هذا السياق هو أن هذه الجماعات، وجلّها من المراهقين والصغار الذين لا يفقهون في السياسة إلا قليلاً، وبالكاد قرأ أحد منهم كتاباً سياسياً رصيناً أو استوعب مبادئ العمل السياسي ومقدماته الأوليّة، صارت تجني على وطنها، وعلى نفسها، من حيث لا تدرك، فأليس من الأجدى لهؤلاء الشباب أن ينتفعوا من وقت فراغهم بأداء أنشطةً أفضل من الخروج ليلاً، وسدّ الطرقات، وتعطيل مصالح البلاد والعباد، واستخدام مختلف أساليب وأدوات العنف التي في حوزتهم من أجل «إخطار» الناس بأن لديهم «مطالب سلميّة مشروعة» تحظى «بتعاطف دولي منقطع النظير»؟ ثم إذا سلمّنا جدلاً بأن المطالب سلميّة فعلاً، رغم أنها ليست كذلك طبعاً، فأليست مصلحة الناس هي الدافع وراء الإصرار على تحقيق هذه المطالب؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فلماذا استمات هؤلاء في تخريب سباق الفورمولا، وإثارة الغبار من حوله، رغم أن إنجاح تنظيمه يصّب أيضاً في مصلحة المواطنين البسطاء الذين يعتاشون على أنشطته؟! تساؤلات مشروعة تدفع العقلاء إلى التحرّك الجاد من أجل صدّ العنف المنفلت من عقاله وكبحه!