شاهدت فيديو لمواطن إيطالي (طقت جبده) أي نفد صبره من مجموعة من ناشطين شباب وفتيات بيئيين أغلقوا شارعاً سريعاً (هاي وي) بأن شكلوا سلسلة بالعرض وناموا على الإسفلت، ورفعوا لافتات تخص المناخ، وتسببوا في تعطيل طابور طويل من السيارات. وحين رأى هذا الإيطالي أن الأمر زاد عن حده، وأن الحرية الشخصية وحرية التعبير لا يجب أن تتقاطعا مع حريات الجماعة وحقوقهم وتضر بمصالحهم، وأن مصالحه تضررت، وأنه تأخر عن مشواره نزل من سيارته، وجر كل واحد من هؤلاء الشباب إلى جانب الطريق حتى البنات جرهن من شعورهن، ومزق لافتاتهم، وقد انفلتت أعصابه لأن الكل يتفرج، وكأن هذه الجماعات تتمتع بحصانة والقانون لا يردعها، فأنفذ القانون بنفسه، ثم نزل معه آخرون من الذين أغضبهم أن يُعطَّلوا بهذه الطريقة.

تذكرت بعض «المنسدحين والمنسدحات» في الشوارع والدوارات الذين تدربوا على هذه الممارسات في أوروبا على يد الجماعات اليسارية ومعاهدها وأكاديمياتها والذين صرف عليهم الغرب ميزانية ضخمة لإعدادهم، وجاؤوا وأرادوا تطبيق تلك التدريبات هنا في البحرين، فأثاروا السخرية والتهكم والضحك عليهم، للأسلوب الغريب الذي اتبعوه، فالأمر مضحك فعلاً حين يكون التقليد أعمى لهذه الدرجة التي لا يهمها حتى التعارض مع القيم والتقاليد والأعراف المحلية، فكيف لفتاة أن «تتسدح» في وسط الدوار أصلاً حتى لو كان القصد توجيه رسالة أو إبداء وجهة نظر معارضة؟

المضحك ليس الرسالة أو حق الاعتراض، إنما الأسلوب الذي لم يكن له داع أصلاً، تستطيع أن تقوله وأنت واقف، إنما عمّي الأوروبي «عاوز كده» وهكذا تدربوا.

ومثلهم من يشعل الشموع ويجلس في «نصايف» الليل لإبداء التعاطف مع قضية ما أو شخص ما، حركات ما لها داع أبداً، مرة أخرى لا اعتراض على إبداء التعاطف، أو أي رسالة تريد أن توصلها، إنما نحن نقف عند الاستنساخ الأعمى الذي لا يمت لنا بصلة، فيقلب الموضوع إلى سخرية بدلاً من الجدية المطلوبة في مواقف كهذه.

إنما نحن نفهم أن الخطاب في هذا التقليد ليس للداخل، إنما يراد منه تصويره ونقله «لعمامهم» في الغرب حتى يصفقوا لهم، ويمنحوهم الجوائز لأنهم شطار طبقوا التدريبات حرفياً.

المفارقة الأعظم أن قضية القيم الغربية المتعلقة بالحريات الشخصية وحق التعبير كما يراها اليسار الليبرالي وكما يقيسها أصبحت تهدد أوروبا بحد ذاتها وأمريكا أيضاً بالفعل، وبدا الأوروبيون أنفسهم ينقسمون حولها لأن تلك الحريات الشخصية تمادت إلى حد التطرف، فقطع الطرق أو تخريب الممتلكات العامة أو إغلاق المحلات أو التظاهر دون تراخيص أو في أماكن ممنوعة لم تعد تلقى رواجها لأنها أصبحت تضر بالآخرين الذين ضاقوا ذرعاً بهذا التطرف في مفهوم الحقوق الفردية، وبدا الانشقاق والانقسام، وبدا الاعتراض على تلك القيم يصبح مادة جدلية يومية بعد أن كان من المسلمات، بل من المقدسات، وتعتبر من مكتسبات الحضارة الغربية.

نصيحة حتى في سياسة الاعتراض «حلاة الثوب رقعته منه وفيه».