تعقيباً على مقالة الأسبوع الماضي المنشورة بعنوان: «البحث عن لحظة فرح» وردني تعقيب جميل مما جاء فيه:

«وأنا أقرأ مقالتك في المطار، ويقف بالقرب مني على مسافة مترين أو أكثر قليلاً ثلاثة أشخاص يتبادلون الحديث بفرح، وتكاد ضحكاتهم تعلو على صوت المذيعة الداخلية التي تكرر معلوماتها عن الطيران بين فترة وأخرى.. هؤلاء كانوا في تلك اللحظة في قمة تفاؤلهم وفرحهم وربما سعادتهم، وكانت تلك الضحكات المسرورة بمثابة الرّد التلقائي من الحياة على مقالتك التي تضمنت كمّاً ليس بالقليل من التشاؤم والحزن والغضب. لأن مثل هؤلاء لم يشغلوا أنفسهم بأسئلة وجودية أو بما يحدث للإنسان العربي أو بالتحولات الهائلة التي قد تعصف بنا وتثير قلقنا.. لم يهتموا بما يعتري الإنسان عموماً من مشاعر حارقة حين يفقد عزيزاً. هناك إذن إطلالة على الجمال في حياتنا.. إطلالة لا يستهان بها.. فنحن ما زلنا نفرح بسقوط المطر كالأطفال، وما زلنا نحب الورود وحتى الصحراء التي نبتنا فيها.. وما يزال الرجال تجذبهم المرأة الجميلة، وتأخذكم إلى عالم عطرها ولو للحظات.. ولن أعدد هنا لك أوجه الجمال في حياتنا، لأنني لن أستطيع أن أحصيها.. صحيح أن كثيراً من مشاهد في حياتنا تصطبغ بألوان غير مستحبة.. تؤرق الليالي والفكر والأقلام.. لكن الكفة الأخرى للميزان حاضرة أيضاً وبقوة كما أحسبها.. فلو بذلنا قليلاً من الجهد في البحث عن لحظة الفرح.. سنجدها بكل تأكيد.. سعيدة بقراءتي لمقالتك هذه بالذات.. لأن عالم السياسة صداع لا أحتمله.

قلت لها:

سعدت بمرورك على مقالتي ووجدت في تعقيبك ما به تطيب النفس. نحن في الحياة نتأرجح بين حالات ومتناقضات. بين الفرح والحزن والسرور والأمل واليأس والغضب واللامبالاة... وهكذا. في لحظة ما ننجذب إلى إحدى تلك الحالات أو أكثر في آن. ولذلك يبقى التَّجوال بين عناوينها أمراً إنسانيّاً طبيعيّاً. وقد تغلب حالة في لحظة، فتأسرنا وقد تختلط الألوان فتولد حالاتٌ أخرى، نراها في الإبداعات الأدبية، والتشكيلية، والموسيقية، وغيرها. فكأننا نعيش انفصاماً بين مكبلات الواقع وطاقة الدَّفع الكامنة في وجودنا الذاتيِّ والتاريخيِّ. ولذلك يحتاج المثقف أو الفنان- كي يصنع لحظة الفرح- إلى الانخراط في مشروعات جماعية مجتمعية أو إنسانية كبرى، تحرره من انسداد الأفق ومن الشعور باليأس والعزلة. خاصة أننا من جيل عايش انهيار المشاريع النهضوية الكبرى، على الصعيدين القومي والإنساني، وعاينا سيطرة ظلال باهتة لأوهام مشاريع ترجمتها خطابات النَّفعية الفردية أو الانتهازية الثقافية إن صح التعبير.

قالت:

في جميع الأحوال سوف يبقى المثقف متعباً لأن منظاره الفكري للأشياء والأحداث يعمل بأعلى ما لديه من إمكانات حدسية.. وإلى اللقاء.

همس

في غيابك

الألوان غربة،

والأغنية أوتارها

مجنونة.

والنرجس في طريق الصدى

ليل.

ولهفتي المؤجلة

رحلة

لا تنتهي.