منذ فجر التاريخ والإنسان يسعى إلى تحقيق أمنه الغذائي، وهذا السعي الحثيث منه لسد جوعه جعله يطور آليات تحقيق هذا الأمن الذي تحتاجه كل الكائنات الحية وليس الإنسان فقط، وبالملاحظة والتجربة استطاع الإنسان أن يوفر هذا العناء واستغلال ما وهبه الله من مَلَكة التفكير والابتكار ليس فقط ليبقى على قيد الحياة ولكن لينطلق في تعمير الأرض وتنفيذاً لسنن الله وحكمته ومشيئته التي اقتضت أن يكون الإنسان هو خليفة الله في الأرض.

والحقيقة أن الأرض ضجت بأفعال البشر وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيديهم، وأصبحنا نواجه أزمات غذائية ومناخية وصحية واجتماعية السبب فيها هو الفساد والأنانية في أشد صورها وأصبحنا نواجه في هذا العصر تراكمات الفساد البشري عبر التاريخ.

والحقيقة أن الأمن الغذائي والصحي والمناخي يكمل بعضه بعضاً، ورغم أن التقدم العلمي أفاد البشرية غذائياً وصحياً إلا أنه أوجد أزمة المناخ وخاصة ظاهرة الاحتباس الحراري التي أفسدت الكثير من المحاصيل الضرورية لغذاء الإنسان، وقد رأينا دولة الهند وهي تمنع تصدير القمح هذا العام بسبب ارتفاع حرارة الجو التي أدت إلى نقص إنتاجها، بالإضافة إلى أن استمرار الاحتباس الحراري سوف يؤدي إلى ذوبان الثلوج في القطبين وغرق الشواطئ!!

أما في منطقتنا العربية وخاصة بعد «الخريف العربي» منذ أكثر من عشر سنوات فنجدها أشد تضرراً من الأوبئة والأزمات المناخية والغذائية وذلك بسبب الاستبداد والفساد الإداري وغياب الوعي المجتمعي والاعتماد الكلي على استيراد التكنولوجيا في مختلف المجالات وعدم وجود كوادر حقيقية متسلحة بسلاح العلم تدير الأزمات وتبادر بخطوات استباقية تفادياً لوقوع الأزمات، وقد وضح هذا الأمر جلياً في الواقع الذي نعيشه بعد تفشي وباء كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وما نتح عنهما من التضخم ودخول العالم في أزمة غذائية لن ينجو منها إلا من استعد لها في يقظة، ولن تفلت الشعوب التي تغط في سبات الفساد العميق من هذه الكارثة!!

لذلك أتوجه بالنداء إلى مجلس الوزراء الكويتي بأن يعطي الأمن الغذائي الأولوية القصوى في هذه المرحلة، وأن تشكيل لجنة لتعزيز الأمن الغذائي في الكويت بقرار مجلس الوزراء في 23 مايو 2022 ليس كافياً ولكن نتاج عمل هذه اللجنة يجب أن يكون بتفكير خارج الصندوق وأن يتم الاستعانة بخبراء في مجال الزراعة والثروة الحيوانية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال تكنولوجيا التوسع الأفقي والرأسي، وكذلك التعاون مع أشقائنا دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة المملكة العربية السعودية وتخصيص مزارع في الدول الصديقة لتعويض نقص الإنتاج المحلي وخاصة في السلع الاستراتيجية كالقمح والتمور والشعير والعلف الحيواني.

وفي الختام أرجو أن يوفقنا الله للأخذ بالأسباب والنجاة من كل أزمة ونسأل الله السلامة والأمن للجميع.