تعد موافقة مجلس الشورى الأربعاء الماضي على التعديلات الدستورية الجديدة المقترحة على دستور مملكة البحرين بعد أن وافق عليها مجلس النواب محطة تحول تاريخية في التطور الدستوري والتحول الديمقراطي بالمملكة. هذا التحول يستدعي تتبع تطور المسار الدستوري في المملكة لفهم التعديلات الدستورية المتوقع التصديق عليها من قبل صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه. الدستور وباعتبار الدستور أعلى وثيقة قانونية في الدولة تنظم الحقوق والواجبات، والعلاقة بين الأفراد جميعاً، وعلاقة الأفراد بالسلطات الثلاث “التنفيذية والتشريعية والقضائية”، إلى جانب العلاقة بين السلطات الثلاث نفسها. وباعتباره أيضاً الوثيقة الأساسية والمرجعية لكافة القوانين والأنظمة في الدولة التي يجب ألا تخالف مبادئ الدستور وبنوده من الممكن تعديله في أي وقت بناءً على الآليات والطرق المنصوص عليها في الدستور نفسه. والمسار الدستوري في مملكة البحرين شهد في تطوره العديد من المراحل الأساسية منذ استقلال البحرين عام 1971م، ويمكن تقسيم هذه المراحل إلى ثلاث مراحل هي : المجلس التأسيسي المرحلة الأولى التي شهدت إجراء انتخابات المجلس التأسيسي في مختلف المناطق آنذاك، وكان دور المجلس آنذاك إعداد مشروع وثيقة الدستور التي لم تكن موجودة في مرحلة ما قبل الاستقلال. وبعد أن تم إعداد المشروع أقرّ من قبل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البلاد الراحل. ونتج عن هذا الدستور تنظيم السلطات الثلاث وتحديد شكل الدولة، ومن أبرز النتائج التي ترتبت عليه تشكيل المجلس الوطني “البرلمان” بغرفة واحدة منتخبة وبمشاركة وعضوية أعضاء الحكومة. إلا أنه في عام 1975 م واجهت الدولة تحديات سياسية وأمنية مهمة، دفعت إلى تعليق العمل ببعض بنود الدستور. الإصلاحات السياسية والميثاق المرحلة الثانية: بدأت عام 2000 عندما أبدى جلالة الملك رغبته في إحداث إصلاحات سياسية واسعة النطاق ضمن مشروعه السياسي الطموح للتحول الديمقراطي في الدولة. وشهدت هذه المرحلة تشكيل اللجنة العليا لإعداد مشروع ميثاق العمل الوطني الذي أقرّ مجموعة من التعديلات الدستورية الرئيسة لتغيير شكل ومسمى الدولة، وكذلك تطوير مؤسساتها الدستورية المختلفة. وطرح مشروع ميثاق العمل الوطني في استفتاء شعبي عام منتصف فبراير 2001 ليحظى بموافقة تشبه الإجماع العام. وبموجب نتائج الاستفتاء وما تضمنه ميثاق العمل الوطني تم تفويض العاهل بتشكيل لجنة خاصة تقوم بإجراء التعديلات اللازمة على وثيقة الدستور ومذكرة تفسيرية لهذه التعديلات، وهو ما صدّق عليه جلالة الملك في فبراير 2002. إعادة هيكلة النظام السياسي هذه المرحلة تعتبر من أهم مراحل تطور الدستور في مملكة البحرين لأسباب عدة؛ أبرزها: أن الدستور أعاد هيكلة النظام السياسي في البلاد من خلال تعديل وتطوير صلاحيات المؤسسات الدستورية التي تشمل البرلمان “بغرفتين إحداهما منتخبة والأخرى معيّنة” وعلاقته مع الحكومة، بالإضافة للسلطة القضائية التي استحدثت فيها النيابة العامة والعديد من المحاكم المتخصصة. الحكم المحلي إلى جانب ذلك تم إنشاء المحكمة الدستورية التي تتولى مهام تفسير الدستور والتأكد من دستورية مختلف القوانين. كما أقر الدستور بتعديلاته في تلك الفترة تطوير ممثلاً في المجالس البلدية الخمسة، وإنشاء ديوان خاص بالرقابة المالية والإدارية. وفتح المجال أمام الحريات مثل حرية التعبير وممارسة النشاط العام من تجمعات وتأسيس النقابات العمالية، والجمعيات السياسية التي تلعب دوراً رئيساً في النظام مشابهاً للأدوار التي تقوم بها الأحزاب السياسية. فضلاً عن المساواة في الحقوق السياسية والمدنية بين المواطنين رجالاً ونساءً. حوار التوافق الوطني المرحلة الثالثة: التي تمر بها البحرين حالياً في إطار تطورها الدستوري، وبدأت في يوليو 2011 عندما أطلق جلالة الملك حوار التوافق الوطني بمشاركة كافة مكونات المجتمع، وكان الهدف من الحوار التوفيق بين مختلف الآراء الوطنية لإجراء المزيد من الإصلاحات في مختلف قطاعات الدولة. ومن القضايا التي تم التوافق عليها في الحوار الوطني آنذاك إجراء سلسلة واسعة من التعديلات على دستور المملكة لتطوير التجربة السياسية ومؤسسات الدولة الدستورية، وصلاحيات غرفتي السلطة التشريعية “مجلسي الشورى والنواب”. وتم خلال الحوار تحديد الإطار العام للتعديلات الدستورية الجديدة، وطرح مشروع التعديلات على السلطة التشريعية التي وافقت عليه حسب الآلية المعمول بها في مثل هذه الحالات حسب الدستور على التعديلات المقترحة. ومن المقرر أن يتم التصديق على مشروع التعديلات الدستورية من قبل جلالة الملك هذا الأسبوع. التعديلات الدستورية التعديلات الدستورية الجديدة تساهم في تطوير طبيعة العلاقات بين السلطات الثلاث، وتحديداً تطوير صلاحيات المجلس المنتخب مقابل الغرفة المعيّنة ممثلة في مجلس الشورى، والأهم من ذلك تعزيز دور مجلس النواب في تشكيل الحكومة من خلال منحها الثقة عن طريق الموافقة على برنامجها الذي تقدمه بداية كل فصل تشريعي “الفصل التشريعي 4 سنوات يشمل 4 أدوار انعقاد”. المسار الدستوري المسار الدستوري في مملكة البحرين شهد 3 مراحل في تطوره، وهي مراحل مهمة ساهمت في تطوير عملية التحول الديمقراطي التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عقد من الزمن، وتحديداً منذ عام 2001. وما يميّز هذه المراحل أنها تمت بإرادة وطنية خالصة ورغبة مشتركة من كافة مكونات المجتمع. معهد البحرين للتنمية السياسية