المتعارف عليه في عالم الغناء أن يقوم الشاعر بكتابة كلمات أغنية ما، ثم يأتي بعد ذلك دور الملحن ليضع اللحن الخاص بهذه الأغنية، إلا أن هذا الأمر لم يكن يحدث مع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، فكانت له طريقته الخاصة مثلما كانت له ألحانه المتميزة.
عبد الوهاب كان له طريقة خاصة في العمل، والتي ترهق أي مؤلف أغاني يتعامل معه، إذ كان يضع اللحن أولاً، ثم يطلب من الشاعر أن يكتب كلمات تُركب على هذا اللحن، وكان هناك الكثير ممن يقبلوا هذا الأمر، إلا أن الشاعر مرسي جميل عزيز لم يكن يحب أن يتعاون معه بسبب هذه الطريقة، في الوقت الذي كان يتمنى ذلك .
“من غير ليه” هي الأغنية التي جمعت بين صاحب الألف أغنية ، وموسيقار الأجيال، وذلك بعد أن طلب العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ من مرسي جميل عزيز أن يكتب أغنية يلحنها عبد الوهاب، فوافق عزيز عندما علم أن الأمر سيسير بشكل طبيعي.
مرسي لم يكن يعرف في هذا التوقيت أن معاناته قد بدأت، وأن هذه الأغنية سوف ترهقه أكثر من أي أغنية أخرى، وبدأت الحكاية عندما استمع العندليب وعبد الوهاب للأغنية، وأعجبا بها بشدة، وأثنيا على عزيز، إلا أنهما طلبا منه تغيير بسيط في الكلمات.
التغيير– البسيط- الذي كان يطلبه موسيقار الأجيال والعندليب أخذ من مرسي جميل عزيز عامين كاملين “1974- 1975”، ففاض الكيل بعزيز في كل مرة كان يجلس فيها مع عبد الوهاب، ويلقي على مسامعه ما كتبه، ثم يصفق له عبد الوهاب، ويطلب منه في كل مرة تغيير جديد، وظل يذهب ويجئ حتى فقد أعصابه.
وفي المرة التي وافق فيها عبد الوهاب على الشكل النهائي للأغنية، وكان ذلك في منزله، وقف مرسي يتنفس الصعداء قائلاً: “أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله”، إلا أنه قبل أن يصل إلى الباب ناداه عبد الوهاب من جديد يطالبه بتغيير كلمة أخرى، فالتفت إليه عزيز غاضباً وقال للحضور وكان من بينهم مجدي العمروسي والفنان عبد الحليم حافظ ” ملعون أبوك، وملعون أبوك يا فلان وأنت كمان”، ثم رحل وصفق الباب ورائه.
ولكن يبدو أن عبد الوهاب لا يرهق الآخرين فقط في العمل معه ولكنه يفعل نفس الشيء مع نفسه حيث يصبو دائماً في أعماله إلى الكمال، فأخذت منه أغنية “من غير ليه” عاماً كاملاً في التلحين، وبذلك تكون تلك الأغنية أخذت ثلاث أعوام بالتمام والكمال حتى تظهر إلى النور.
الطريف أنه بعد كل هذا المجهود الذي أخذته هذه الأغنية في التحضير لها، لم يمهل القدر عبد الحليم حافظ ليغني “من غير ليه”، إذ وافته المنية قبل أن يقدمها للجمهور، ورفض عبد الوهاب أن يعطيها لأي مطرب آخر حتى غناها هو بنفسه.