^   أطلق العرب آخر سهم في جعبتهم في معركتهم ضد زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للجزر الإماراتية التي احتلتها إيران في مطلع السبعينات من القرن الماضي، عندما “وجهت مجموعة الدول العربية لدى الأمم المتحدة رسالة إلى الأمين العام بان كي مون دانت فيها الزيارة إلى جزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة، وطالبت إيران إنهاء احتلالها للجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى). وأعربت المجموعة عن قلقها البالغ إزاء زيارة نجاد للجزيرة المحتلة لكونها تعد انتهاكاً صارخاً لمبادىء ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي”. ترافق ذلك مع سقوط آخر ورقة توت تخفي بها واشنطن عورة فشل الضغوط التي تصر على ممارستها ضد إيران، عندما دعت إلى ضرورة البحث عن “حل سلمي للخلاف الحدودي بين إيران ودولة الإمارات العربية المتحدة واعتبرت أن زيارة نجاد لإحدى الجزر المتنازع عليها عملت على تعقيد المشكلة”، بعد أن حثت طهران على “التجاوب مع مبادرة الإمارات العربية المتحدة”. مقابل ذلك، وإمعاناً في تحديها للمجتمعين العربي كطرف مباشر، والغربي كطرف غير مباشر، راحت إيران، وعلى لسان أكثر من مسؤول، تؤكد إصرارها، على أن الجزر ليست المظهر الفارسي الوحيد في الخليج العربي، “فتاريخ الخليج الفارسي فارسي”. إذا قرانا الموقف الإيراني في إطار التطورات التي تشهدها المنطقة، فسوف نجد فيه الكثير من التبصر الفارسي القادر على تجيير تلك التطورات لصالح الرقم الإيراني في معادلة صراع القوى، وموازينها، المحتدم في منطقة الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص تلاشي الجدوى من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، ومن خلفها دول المعسكر الغربي على إيران، والتي مضى عليها ما يزيد على الربع قرن. فوفقاً لتقارير نشرتها قبل أيام صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية، ساهمت العقوبات، وردة الفعل الإيرانية أزاءها من احتلال الجزر، والتهديد بإغلاق مضيق هرمز في وجه الصادرات النفطية الخليجية، إلى ارتفاع أسعار النفط، محققة - طهران - دخلاً ، كما يقول خبر الصحيفة المستند إلى تقرير صادر عن مركز دراسات الطاقة العالمي في لندن يقدر بحوالى “ 56 مليار دولار من بيع نفطها هذا العام، على الرغم من تراجع صادراتها بمقدار الثلث نتيجة العقوبات”. أكثر من ذلك تؤكد الصحيفة أيضا، وبناء على معلومات استقتها من مصادرها على عقد “صفقة مقايضة اقترحتها إيران على الهند بان تستورد حبوباً من الهند مقابل تصدير النفط اليها لصعوبة دفع المصافي الهندية بالعملة نتيجة العقوبات”. الأسوأ من ذلك، من وجهة النظر الغربية، ووفقاً لتقرير مركز دراسات الطاقة، أنه “بدون العقوبات كانت إيران ستتحصل على 68 مليار دولار من مبيعاتها النفطية هذا العام، وهو رقم أقل بنسبة 5.5 في المئة عن عائدات مبيعات 2011 التي وصلت الى 72 مليار دولار”. وليس هناك ما هو أكثر دلالة من فشل طوق المقاطعة الذي تحاول واشنطن أن تحكم إغلاقه حول الحدود الإيرانية، من اعترافات وزير الخارجية الألماني جيدو فسيترفيله في جولته الخليجية التي قام بها في نهاية مارس 2012، التي قال فيها “إن تأثير العقوبات بدا يظهر على إيران، لكن التهريب الذي يمارس بكثافة بامكانه أن يخفف من فاعليته، (مضيفاً) أن العقوبات تكون اكثر تأثيراً عندما تحترمها جميع الدول، ولذا نحاول إقناع محادثينا (الخليجيين) بالمشاركة فيها”. ويؤكد المستشار المالي السعودي أحمد بن عبدالرحمن الجبير، أن إيران هي المستفيد مالياً من تلك المقاطعة حيث تنقل “شبكات التهريب الإيرانية البضائع إلى إيران عبر سفن تأتي إلى المياه الإقليمية دون الرسو في الموانئ الإيرانية باستخدام طائرات مدنية لنقل السلع إلى دول مجاورة، وتهريبها إلى دول الخليج العربي لتمويل عملياتهم، حيث إن الإحصائيات تشير إلى أن حجم التهريب الإيراني من مخدرات وأسلحة إلى دول المنطقة تجاوزت قيمته (8) مليار دولار بينما حجم تجارة التهريب إلى إيران تصل إلى (7) مليار دولار الأمر الذي يجعل إيران لا تدفع أي دولار لتمويل هذه الصفقات”. أما وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير فيؤكد من جانبه “وجود شبكات في هذا الاقتصاد الخاضع للحظر منذ ثلاثين عاما، تدير عمليات استيراد موازية تمثل ثلث الواردات الرسمية ويشرف على معظمها الحرس الثوري والمؤسسات الدينية”. وفي السياق ذاته تنقل صحيفة “العرب اليوم” الأردنية عن فرنسوا هايسبور من معهد الأبحاث الاستراتيجية تأكيداته على “أنه في حال أقرت هذه العقوبات، فهذا سيعود إلى إعطاء الحكومة (الإيرانية) سبعين مليار دولار لتنفقها على شيء آخر”. يضيف إليه تييري كوفيل من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية قائلاً “إنه من الخطأ الاعتقاد بان الصعوبات التي يواجهها الشعب ستحمل النظام على تبديل رأيه. هذه العقوبات سيتحمل اعباءها سكان يتظاهرون، وفي هذا تناقض تام، (مضيفاً)، أن العقوبات قد تزيد الدعم لخطاب النظام المتشدد بشأن البرنامج النووي وهو من المواضيع النادرة التي لا يزال (الشعب) يستمع إليه فيها”. وتنقل صحيفة “واشنطن تايمز” الأمريكية مقالاً مطولاً لمؤلف كتاب “جدوى العقوبات الاقتصادية على السلاح والحرية كأداة للسياسة الخارجية”، ايفان ايلاند، يؤكد فيه عدم جدوى العقبات المفروضة على إيران قائلاً “ إن مشكلة العقوبات، هي أنها تتآكل مع مرور الزمن، ولاسيما أن الدولة المستهدفة تعيد توجيه منتجاتها إلى بلاد لا تشارك في العقوبات، أو أنها تجد سبلاً للتجارة بشكل غير قانوني مع كيانات بالدول المشتركة في تطبيق العقوبات، (موضحاً)، أن العقوبات التي تستهدف النفط الإيراني مصيرها الفشل، لأن الدول التي تنمو بشكل سريع بالعالم النامي مثل الصين والهند لا تهتم بالبرنامج النووي الإيراني قدر اهتمامها بالحصول على نفط بأسعار زهيد”. إذا ربطنا ذلك، مع التراجع في لهجة البيان الصادر عن قمة الأمن النووي الأخيرة التي عقدت في العاصمة الكورية سيول في الإسبوع الأخيرمن شهر مار 2012، والغزل الأوروبي الإيراني التي أعقبها في لقاء طهران مع دول “مجموعة 5 +1”، الذي عقد في إسطنبول في مطلع أبريل 2012، سنكتشف عدم جدوى المقاطعة الغربية لإيران وتداعيها، وتحول هذه الأخيرة، بفضل ذلك الفشل، من مواقع الدفاع، إلى خطوط الهجوم، الأمر الذي سيبدد تلك الأوهام، ويرغم العواصم الغربية، وقبلها العواصم العربية، على ان تصحو من سبات نومها العميق، قبل فوات الأوان، عندما تجد هذه الأخيرة طهران تدق أبوابها مهددة أمنها الداخلي، بدلاً، كما يتوهم الجميع، من التقوقع الداخلي، أو الانكفاء الذاتي الذي ترفض إيران الأخذ بسياسة أي منهما. تأسيساً على ذلك، ينبغي على الدول العربية التي تراهن على الموقف الغربي المهدد بالعقوبات المفروضة على إيران، وتضيفه لصالحها عند احتسابها لموازين القوى المتصارعة في الشرق الأوسط، أن تعيد تقويم حساباتها، كي لا تكتشف في مرحلة متأخرة، تداعي ذلك الحصار، وانعدام جدواه،هذا إذا افترضنا، أصلاً جديته، وصدق نوايا أصحابه