^ جاءت زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أبو موسى في منتصف أبريل 2012 وتصريحاته لتعبر عن نزعة إيرانية توسعية واستعلائية، ويهمنا تناول التوقيت والدلالات والتصورات حول الخطوات المستقبلية. أولاً: توقيت التصعيد الإيراني في مسألة الجزر الإماراتية “أبو موسى”؛ يمكن القول إن اختيار توقيت الزيارة والتصريحات جاء ليعكس الدوافع التالية: 1- إحساس إيران بقوتها مع تطورها النووي والصاروخي والتكنولوجي بوجه عام. 2- إحساس إيران بالفرصة المواتية لصرف النظر عن الأحداث وتدخلها في سوريا. 3- إحساس إيران بالقوة لسيطرتها بنسبة كبيرة على الأوضاع في العراق. 4- تقدير إيران بانشغال العرب “الدول المهمة مثل مصر والسعودية” بأحداث الربيع العربي وتداعياته. 5- رغبة إيران في تحسين أوراق التفاوض في علاقاتها غير المعلنة مع الولايات المتحدة واتصالاتها السرية مع الأجهزة الأمريكية الإسرائيلية كما تجلى ذلك في تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي، بأن إيران ليس لديها النية لتطوير أسلحة نووية على خلاف تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، وكذلك تصريحات الرئيس الأمريكي أوباما التي تغازل إيران، فضلاً عن تصريحات وفود الدول الغربية في اجتماع 5+1 بأن إيران قدمت أفكاراً إيجابية في الاجتماع في اسطنبول. 6- انتهاز إيران الفرصة لقضم جزء من الأراضي العربية في الخليج العربي في ظل انشغال القوى الدولية وتصاعد الخلاف النسبي بين روسيا والصين من ناحية والولايات المتحدة والدول الغربية من ناحية أخرى. 7- التغطية على الظروف الاقتصادية المتدهورة في إيران وعلى الصراع بين جناحي التطرف فيها، ورغبة أحمدي نجاد الظهور بمظهر الزعيم القومي الإيراني في مواجهة خصومه بعد الهزيمة التي مني بها أنصاره في الانتخابات النيابية. 8- الرد على الموقف الخليجي “مجلس التعاون” بسبب تطبيقه قرارات المقاطعة والعقوبات الدولية ضد إيران بسبب برنامجها النووي. ثانياً: ما هي دلالات هذا التصعيد؟ يمكننا أن نشير إلى الدلالات الثماني التالية: الأولى: إن إيران تريد تأكيد قوتها وتصعيد موقفها بالإدعاء بأن الخليج هو خليج فارسي وهو إدعاء يفتقد المصداقية العلمية رغم أن له جذور تاريخية في التسمية ولكن كثير من السمات تغيرت عبر التاريخ بما في ذلك اسم إيران ذاتها. ويتجلى ذلك في تتابع التصريحات الإيرانية بإنشاء إقليم خليج فارس أو الخليج الفارسي وجعل جزيرة أبو موسي عاصمته. الثانية: إن إيران تفكر بمنطق الهيمنة والسيطرة ولا تفكر بمنطق الصداقة وحسن الجوار، ومن ثم فإن الدافع الإيراني هو دافع التوسع والتمدد. الثالثة: إن إيران تجيد دبلوماسية الخداع الدبلوماسي، فهي عندما احتلت الجزر اعتبرت ذلك خلافاً بين دول متجاورة ثم تغير المصطلح إلى وصفها بأنها جزر متنازع عليها ثم أعلنت أنها فارسية إلى الأبد، وهكذا. وهذا يذكرنا بسياسة التدرج الإسرائيلي في توصيفها للقدس والأراضي الفلسطينية المحتلة. الرابعة: اختبار حقيقة القوة الخليجية حيث دول مجلس التعاون وبالذات الإمارات والسعودية هي من أكبر الدول المستوردة للأسلحة المتقدمة ولديها قواعد عسكرية أجنبية، ومن ثم تريد إيران اختبار حقيقة هذه الأسلحة وحقيقة الاستعداد العسكري الخليجي لخوض حرب أو حتى للرد الفعال والمؤثر في حالة أي تحرك عسكري ضدها. الخامسة: رسالة للإمارات بضرورة تغيير سياساتها ومواقفها تجاه مراكز الأبحاث الدولية في أبو ظبي وخاصة في دبي التي ترصد الأوضاع في إيران، فضلاً عن مساندة الإمارات للبحرين وإدانتها للتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للبحرين إطار التعاون الخليجي المشترك واتفاقية الدفاع بين دول مجلس التعاون. السادسة: عدم إيمان إيران بمبادئ الأمم المتحدة وفي مقدمتها مبدأ فض المنازعات بالطرق السلمية المنصوص عليها في الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة وخاصة المادة (33) من الميثاق. إذ ترفض إيران أية مقترحات إماراتية بإحالة الأمر للتحكيم أو التفاوض أو محكمة العدل الدولية أو غيرها من الوسائل السلمية. السابعة: إيمان إيران بفرض سياسة الأمر الواقع بالاحتلال ثم الزيارة ثم التنقيب عن الآثار ثم إنشاء إقليم الخليج الفارسي وهكذا. الثامنة: عدم وجود أدلة قطعية على أن الجزر فارسية لدى الجانب الإيراني رغم إدعائها بغير ذلك لأنه لو كانت لديها المستندات لوافقت على التحكيم. ثالثاً التصورات للسيناريوهات المستقبلية لاشك أن منهج السيناريوهات من أهم المناهج العلمية لحشد الطاقات الوطنية أو الإقليمية أو الدولية في التعامل مع الأزمات المحتملة أو الكامنة قبل وقوعها. هذا بالإضافة لمنهج سوات في بلورة وتقييم المواقف واتخاذ الخطوات ذات المصداقية التي تعظم المكاسب وتقلل الخسائر. ويمكن النظر لكيفية التعامل مع الأزمة الراهنة من خلال ثلاثة أطر هي: الأول الإطار الدبلوماسي: بتكثيف النشاط من خلال مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة وكذلك حركة عدم الانحياز والتجمعات الدولية الأخرى. الثاني الإطار القانوني: بالنظر في طلب الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية واستصدار قرار من الجمعية العامة أو مجلس الأمن لهذا الغرض. الثالث الإطار الدفاعي: من خلال تعزيز التعاون الدفاعي والأمني للخليج وتكثيف التعاون في هذا المجال مع الدول الصديقة ذات الثقل الدولي. وبالطبع اتخاذ هذا الموقف أو ذاك يتوقف على تقدير القيادات السياسية الإماراتية والخليجية في إطار تقييمها للأوضاع المحلية والإقليمية والدولية. ومن قراءة التاريخ السياسي لدولة الإمارات يظهر لنا أنها دائماً تميل للعمل السلمي والابتعاد عن إثارة التوترات ولكن في نفس الوقت فإن الضغوط والاستفزازات تجعل الحليم حيران، ولذلك يقول المثل العربي “اتق شر الحليم إذا غضب”. فهل يدرك الإيرانيون مدى صبر وحلم القيادات الخليجية وخاصة الإماراتي، أم يتجاهلون ذلك ويرون فيه ضعفاً. وللأسف يظهر التاريخ السياسي للدول وسلوكها وعلاقاتها الدولية “أن النار تندلع من مستصغر الشرر”، وأن الحرب العالمية الأولى قامت نتيجة الاعتداء على دوق النمسا في أراضي البوسنة وصربيا، ولكننا نقول كما قال رئيس الأركان الإسرائيلي مؤخراً إن القيادة الإيرانية تتسم بالحكمة والعقلانية ونأمل أن تتوقف عن الاستفزازات لجيرانها وتسلك المنهج الإسلامي الصحيح في أن تجنح للسلم. ومن ثم تجنب المنطقة كارثة قد لا تحمد عقباها ويصعب التنبؤ بآثارها، ولعل أخطاء صدام حسين في غزو الكويت وتداعياتها ليست بعيداً عن الذاكرة.