ما نعرفه بأن السفير في أي دولة يكون ممثلا لدولته، ويكون معنياً بتحسين العلاقات الصديقة مع الدولة التي يقيم فيها، ويحرص على الاهتمام بسلامة مواطنيه من المقيمين في هذه الدولة وتسهيل أمورهم، إضافة إلى فتح مجالات أوسع للتعاون في كافة المجالات. أغلب السفراء يتبعون هذا الخط الدبلوماسي المتعارف عليه عالمياً، إلا نوعية واحدة من السفراء، هم سفراء الولايات المتحدة الأمريكية الذين نراهم سرعان ما يخلعون رداء السفراء ليتحولوا إما إلى “شركات استشارية” لجهات معينة، أو “رجال استخبارات” أو “أطراف” أصيلة في رسم سياسة البلدان التي يجلسون فيها لا بلادهم هم. هل مهمة السفير الأمريكي في البحرين اليوم اقتصرت على الجلوس مع المعارضة والتفكير معهم بـ«صوت عالٍ” أو حتى “بصوت هامس” بشأن أفضل الطرق لإسقاط النظام؟! لا تقنعونا بأن هذا لا يحصل، فوثائق الويكليكس أشارت لدور السفراء السابقين وكيف كانوا يمنحون المعارضين استشارات ويفتحون فرص تدريب في الولايات المتحدة لكوادرهم، ويخططون معهم كيف يجب أن يكون شكل البحرين، وهي الوثائق التي أحرجت القائمة بأعمال السفير وقالت بشأنها “لا تعليق”. بناء على أن السفير الحالي هو أكثر من سابقيه خطورة وخبرة فإنه من الصعب جداً تصديق كلام “العلاقات العامة” الجميل الذي يذكره في لقاءاته الرسمية بشأن توطيد التعاون الثنائي مع “الحليفة” البحرين، باعتبار أنه صرح بشأن البحرين قبل أن يطأها بما يغلب كفة الانقلابيين على الدولة التي جاء ليؤدي قسم السفراء أمام ملكها ليكون سفيرا ًلبلاده فيها. السؤال، هل من مهمة السفير أن يتدخل بشكل صرف هكذا في شؤوننا الداخلية؟! هل تقبل الولايات المتحدة أن يتدخل السفراء الأجانب في سياستها الداخلية وأن يستلموا رسائل من معارضي نظام باراك أوباما ليضغطوا على البيت الأبيض؟! مشكلة البحرين هي في “الطيبة الزائدة”، عندما نرى أفعال السفير ومن سبقه من أسلافه السفراء، فلا نقوم بمطالبتهم بتقديم تبريراتهم لحراكهم المشبوه وما هي الأسباب التي تجعلهم لا يحترمون سيادة البحرين على أرضيها بما يدفعهم للتدخل فيها، بل نكون أول المدافعين عنهم بقولنا أننا تربطنا إياهم علاقات متينة وروابط صداقة وتعاون، وعليه نتعامل معهم من باب “الثقة العمياء المطلقة”. هنا أساس المشكلة، وهو ما يعرفه هؤلاء السفراء تماماً، ويتصرفون على أساسه وكأنهم يستغفلون الدول، وكأني بلسان حالهم يقول: “سنفعل ما نريد، وفي النهاية سنقوم بزيارات لهذا الوزير أو ذاك لنكرر أسطوانه التعاون المشترك والتي سيكررونها معنا، ويا دار ما دخلك شر!”. على السفير الأمريكي أن يكف يده عن التدخل في الشأن البحريني، فنحن لم نتدخل في شأن دولته حينما تصدت لفوضى “الوول ستريت”، ولم تعمل سفيرتنا هناك وكأنها مخزن أفكار (Think Tank) للمعارضة الانقلابية. نعم الولايات المتحدة هي أكبر قوة عالمية، لكن لا يعني هذا أن يتجول سفراؤها في كل الدول يتدخلون في سياساتها الداخلية، يتوافقون مع ما يعجبهم، ويساعدون في “الانقلاب” على مالا يعجبهم وما يخدم مصالحهم. اتجاه معاكس من مازال يركز على الخارج تحديداً في مخاطبة “دكاكين” حقوق الإنسان هناك، والرد على مؤسسات مشبوهة في علاقاتها فإنه بصراحة يتعب نفسه. رأينا على امتداد أكثر من عام بأن هذه المؤسسات لم تصدر بياناً واحداً يدين فيه العنف الممارس من الإرهابيين والمدعوم من قبل المعارضين، لم تتحدث أبداً عن حقوق المكونات الأخرى وعمليات الترهيب والقتل، بل كل بياناتها عدائية ضد الدولة و«متبنية بالكامل” لحراك الفئات التي سعت للانقلاب في البلد، نكرر هنا “متبنية بالكامل” لهم ولحراكهم وخطابهم. الاستمرار في مخاطبة هذه الجمعيات وكأننا نستجدي منهم بياناً يدين أصدقاءهم الإرهابيين في البحرين أو إدانة لما يقومون به يومياً هو تضييع للوقت، فهؤلاء لن ينصفوكم بحرف واحد أبداً، هم يرون بعين واحدة، ويتعاطفون مع كل جهة تنهض ضد الأنظمة في الدول، يبحثون عن الدم و«الدراما” ولا يبحثون عن الحقيقة “كاملة”. التفتوا للإجراءات داخل الدولة، طبقوا القانون، ومارسوا الضبط الحقيقي للانفلات في الشارع حسبما تمارسه أي دولة في العالم لها هيبتها وسيادتها. إن كان الهوس بالغرب وصل لهذه الدرجة، لم لا تضعون الإجراءات الأمنية البريطانية والأمريكية كنموذج للتطبيق، وبعدها حينما يأتي أحد من هذه الدكاكين المشبوهة لـ«يتفلسف” على البحرين اتركوه يخاطب نفسه، فالبحرين لا تقوم بممارسة ليست من حقها، هي دولة عليها مسؤولية فرض سيادتها وحماية مواطنيها والمقيمين فيها.