^   لسنوات قاربت العقد من الزمن عانت البحرين من جدل واسع على مستوى النخب، وحتى على مستوى الرأي العام بشأن دستور مملكة البحرين الصادر في فبراير 2002. سبب هذا الجدل كان ومايزال معروفاً للكثيرين، ولكنه الآن اختلف كثيراً عن السابق لأنه أصبح أكثر وضوحاً. فمنذ تلك التعديلات التي أجريت كان هناك من يشكك في شرعيته، وهم المنتمون لتيار ولاية الفقيه وتنظيماته الراديكالية، ولاحقاً تنازل هؤلاء عن هذا التشكيك وأقرّوا بشرعيته عندما شاركوا في الانتخابات التشريعية بدعم أمريكي في العام 2006. ورغم الإقرار بشرعية الدستور والتزامهم به في كافة رؤاهم السياسية، إلا أن الطموح آنذاك استمر من أجل التغيير السياسي سواءً كان راديكالياً أم لم يكن. يذكر الكثير ممن كانوا منخرطين في الشأن العام وتحديداً في الجمعيات السياسية التي شكلت آلية تنسيقية فيما بينها خلال الفترة من 2002 إلى 2006 الطرح الغريب الذي كان يتبناه تيار راديكالي داخل جمعية الوفاق، والذي طرح على اللجنة التنسيقية بين الجمعيات مشروع دستور جديد للمملكة ليكون بديلاً عن الدستور الحالي، وكان المشروع يتضمن سقفاً عالياً للغاية بحيث ينهي صلاحيات الأسرة المالكة في النظام السياسي بعد أن يقلص صلاحياتها الدستورية إلى أدنى حد ممكن. بالمقابل كان الاتجاه الآخر لدى النخب والرأي العام يرى خلاف ذلك، ويرى أولاً أن الدستور يحمل الشرعية الكاملة بسبب التفويض الذي منحه الشعب للعاهل في الاستفتاء الذي تم على ميثاق العمل الوطني، ومنحه الصلاحية والحق في إجراء التعديلات المناسبة لتنفيذ ما ورد في وثيقة الميثاق، وهذا ما تم فعلاً. رغم قناعة هذا الاتجاه بأن التعديلات الدستورية التي تمت في ربيع العام 2002 شرعية، إلا أنه كان لديه أيضاً جملة من الملاحظات على نصوص الدستور. ومع ذلك حمل قناعة بإمكانية إجراء تعديلات دستورية مستقبلاً تتناسب مع تطور التحول الديمقراطي الذي يشهده النظام السياسي البحريني. اليوم أجد صوابية كبيرة لدى هذا الاتجاه الذي لم يفضّل إجراء تعديلات دستورية على التعديلات التي تمت في 2002، وسبب ذلك الحاجة الديمقراطية الراسخة بالمفهوم الذي طرحه الباحث الأمريكي الراحل صموئيل هنتنجتون. وتعني الديمقراطية الراسخة المرحلة التي يمكن أن يمر بها النظام وتشمل انتقالاً بطيئاً من الديمقراطية الشكلية إلى الديمقراطية الحقيقية من خلال المزيد من الممارسات والوعي السياسي الناضج. الديمقراطية الراسخة التي يفترض أن يمر بها النظام السياسي البحريني لا تعني تماماً أن الديمقراطية في الدولة كانت شكلية أبداً، وإنما تعني الانتقال لتطور سياسي جديد بسبب نضج الممارسة، وارتفاع مستوى الوعي السياسي بين الجمهور. ونضج الممارسة والوعي السياسي في البحرين قد لا تكون وصلت إلى مرحلة معينة من النضج في ظل غياب الدراسات الدقيقة التي يمكن أن تقيس تطور الثقافة السياسية ومستوى الوعي عند الجمهور. ولكن قد تظهر الحاجة في أي وقت خلال التحول الديمقراطي لإعادة هيكلة الدولة ومؤسساتها الدستورية وتطوير صلاحياتها بما يخدم التجربة السياسية نفسها حتى يمكن الدفع نحو مزيد من الوعي السياسي الذي يمكن أن يتراكم بالممارسة أكثر فأكثر فتزيد حالة التحول الديمقراطي داخل الدولة البحرينية. في ضوء ذلك فإن التعديلات الدستورية المرتقبة لا يتوقع أن تنهي الجدل الذي بدأ في 2002 بشأن شرعية الدستور وما يترتب عليه في ظل وجود تيارات تحمل أجندة راديكالية، ولكن هذه التعديلات حتماً ستساهم في تغيير تركيبة القوة السياسية داخل النظام البحريني بشكل كبير بما يخدم التحول الديمقراطي الذي لم يمر عليه أكثر من عشر سنوات فقط. المعادلة التعديلات الدستورية = إعادة هيكلة الدولة + إعادة هيكلة مؤسسات الدولة = تغيير تركيبة القوة السياسية = نضج ووعي سياسي أكبر