يفتتح حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى ال خليفة عاهل البلاد المفدى، يوم غد الاحد الـ11 من أكتوبر الجاري دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الرابع لمجلسي النواب والشورى والذي من المنتظر ان يناقش الكثير من القضايا والملفات السياسية منها والاقتصادية الاجتماعية التي بحاجة إما لمزيد من النقاش حولها أو لمعالجتها بما يلبي احتياجات البحرين وشعبها الكريم أو لحسمها، خاصة مع تصاعد مؤشرات التوتر الإقليمي في المنطقة وما تتطلبه من يقظة وحذر من جانب جميع البحرينيين.
ويعول الرأي العام في البحرين كثيرا على دور أكبر لمجلسي النواب والشورى في دور الانعقاد القادم، سيما في ضوء التطورات التي شهدتها المملكة خلال الأشهر القليلة الماضية، والتي لا تقتصر على ما تفرزه الساحة الإقليمية من تأثيرات، حيث استمرار التدخلات في شؤون المملكة، وتداعيات ذلك في زيادة وتيرة عمليات التخريب والإرهاب التي استهدفت أمن المواطنين واستقرار البلاد..
وإنما تشمل بجانب كل ذلك قضايا الشأن المحلي الأخرى، والتي حظيت باهتمام شعبي وإعلامي واسع، خاصة بعد التعديل الوزاري، ودمج بعض الهيئات كمرحلة أولى للإجراءات الحكومية لخفض المصروفات وترشيد النفقات، هذا بالإضافة إلى ضرورة التعاطي مع تداعيات تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية.
وعلى هذا، يمكن القول إن مهمة نواب الأمة في الفترة المقبلة لن تكون سهلة بالمرة، ويعود ذلك إلى أكثر من سبب:
ــ ثقل التجربة البرلمانية :
ــ أولها : أن التجربة البرلمانية البحرينية في ظل المشروع الإصلاحي لجلالة العاهل المفدى والتي مر عليها أكثر من عقد ونيف ثقلت من خبرات المجلس كمؤسسة ومن مهارات نوابه وكوادره وآليات عمله الفنية والإدارية، ومن ثم فإن هناك الكثير من التطلعات نحو مزيد من التطوير في مستوى أداء المهام والأدوار التي يتعين على المجلس التعامل معها خلال المرحلة المقبلة.
وقد زادت هذه الأدوار كما ونوعا بالنظر لحجم الملفات المنتظر مناقشتها خلال دور الانعقاد المقبل، وتشمل الأوضاع الداخلية، حيث تلبية طموحات المواطنين وتطلعاتهم، والوفاء باحتياجاتهم، سيما منها ما يتعلق بخلق فرص للعمل وتوفير المسكن المناسب والارتقاء بالمستوي التعليمي والنهوض بمستوياتهم المعيشية، هذا فضلا بالطبع عن مستجدات الإقليم المختلفة، والتي تلقي بظلالها السلبية على الدول الآمنة كالبحرين، ما يتطلب معها إيجاد اقترابات أخرى للتعاطي معها بشكل أكثر حرفية ومهنية.
وهنا تبدو حقيقة مهمة يضعها نواب مجلسي النواب والشورى في اعتبارهم مع بدء عمل دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الرابع، وهي أن البحرين ورغم الصغر النسبي لعمر مشروعها الديمقراطي، الذي استبقت به الكثير من البلدان، لكنها أنجزت الكثير خلال الفترة الماضية في ظل توجيهات جلالة العاهل المفدى بإزالة العراقيل أمام التطور الطبيعي لمسيرة الإصلاح السياسي الشامل.
واستطاعت المملكة بفضل هذا المشروع ورعاية القيادة الرشيدة له وتوجيهاته السديدة بتطويره دوما، مواصلة تجربتها البرلمانية دون انقطاع يذكر، حيث ساهمت هذه التجربة في تطوير البنية القانونية للدولة في كافة القطاعات، كما قدمت العديد من المنجزات لصالح المواطنين في شتى المجالات، وذلك منذ بدء أول برلمان عقب إقرار الميثاق والتحول لملكية دستورية في أكتوبر عام 2002، وحتى البرلمان الحالي الذي تلا انتخابات نوفمبر 2014، ومرورا بالطبع ببرلمان انتخابات نوفمبر 2006، والانتخابات التكميلية عام 2010، وهو ما يضع مسؤولية جسيمة على نواب المجلسين حتى تكون لهم بصمتهم في خدمة الوطن وأبنائه الكرام خلال دور الانعقاد والفصل التشريعي الحالي.
ــ تطورات الساحتين المحلية والإقليمية :
ــ ثانيها : ما تفرضه الساحتان المحلية والإقليمية من تحديات ومخاطر ينبغي أن يتواكب معها المجلس الوطني ويعالجها بالتقييم والدراسة والحسم، فمن جهة، فإن النواب بما هو متاح لهم من اختصاصات وصلاحيات لا يمكن أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام محاولات العبث بمقدرات الوطن وأمن واستقرار المقيمين فيه بسبب خطورة التدخلات في شؤون البحرين الداخلية، وهو ما ظهر جليا خلال الفترة الماضية، وعبَّر عنه نواب عديدون إثر تصاعد وتيرة التصريحات المستفزة والعمليات الإجرامية بحق المملكة وأبنائها الكرام، ما يتحتم معه التحرك في الفترة المقبلة وعبر آليات الدبلوماسية البرلمانية وغيرها لبيان الموقف البحريني منها، ورفضها المطلق لها، وتأكيد تماسك جبهة المملكة الداخلية، والتفاف الشعب وممثليه وراء قيادته.
ومن جهة أخرى، فإن مجلسي النواب والشورى مطالبان الآن وأكثر من أي وقت مضى ببحث وبيان تأثير التحديات الاقتصادية والأمنية التي لا تلقي بظلالها على البحرين فحسب، وإنما على كل دول العالم، واضطرتها لاتخاذ إجراءات ضرورية للحفاظ على مكتسبات أوطانها ومواطنيها. ولعل من بين أهم هذه التحديات تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وامتداد خطر جرائم الإرهاب العابر للحدود إلى المملكة ودول المنطقة بأسرها، علاوة على التداعيات السياسية والإنسانية الناتجة عن مشكلات الإقليم المختلفة سواء في سوريا أو في اليمن أو في غيرهما، وما إلى ذلك من تحديات تفرض على مجلسي النواب والشورى الاستفاضة في دراستها ومناقشتها ووضع الحلول والآليات اللازمة للحد من آثارها وتداعياتها السلبية والخطيرة.
ــ مهام المجلس ومسؤولية نوابه
ــ ثالثها : ثقل المسؤولية المنوطة بنواب المجلس الوطني باعتبارهم ممثلي الأمة الذين يقع على عاتقهم عمليتي التشريع والرقابة، حيث إن دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الرابع سيكون بمثابة نقطة انطلاق لمواصلة النواب جهودهم في خدمة قضايا الوطن والمواطنين بعد أن مر دور الانعقاد الأول بسلام، وكان المجلس عند حسن ظن المواطنين به، وهو الدور الذي وُصف باعتباره مرحلة تمهيد وثقل للخبرات بعد أن ضم المجلس في عضويته نحو 70% من الأعضاء الجدد.
ولا شك أن دور الانعقاد الثاني لهؤلاء النواب سيكون بمثابة نقلة نوعية لمرحلة أخرى من العمل البرلماني أكثر دافعية وحماسا، وقد تجلى ذلك واضحا بالنظر لتقرير منجزات المجلس السنوي، والذي تسلمه العاهل المفدى يوم 6 أكتوبر الماضي، وجسَّد اضطلاع المجلس بمهامه، وطموح نوابه في التفاعل مع قضايا الوطن والمواطنين ضمن مسيرة العمل الوطني.
وعبَّر عن هذا المعنى جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد عند تسلمه التقرير السنوي لأعمال المجلسين، حيث أشاد بدور السلطة التشريعية في كافة المجالات، و"دور المجلسين الفاعل في تبني قضايا المجتمع البحريني وتطوير القوانين والتشريعات وترسيخ أسس دولة المؤسسات والقانون وفي الدفاع عن قضايا الوطن وتعزيز علاقات مملكة البحرين مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة".
وهو ما أكده أيضا سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر عقب لقائه رئيسي مجلسي النواب والشورى وعددا من النواب يوم 5 أكتوبر الجاري، حيث قال إن "السلطة التشريعية شريك أصيل للحكومة في مسيرة العمل الوطني"، وأن المرحلة الحالية بما تفرضه من تحديات "تتطلب إسهام كل جهد وطني لتجاوزها"..
وهذه المعاني بدلالاتها، هي بالتأكيد إشارات واضحة للدور الوطني الكبير الذي يقوم به أعضاء السلطة التشريعية من أجل أن يكونوا سندا للدولة في مسيرة نهضتها والارتقاء بحياة مواطنيها، وتعبيرا عن حجم الآمال والتوقعات المنتظرة منهم لكي يسهموا بجهودهم ومقترحاتهم ومناقشاتهم في تحسين وضع البحرين الاقتصادي ودعم بنية الأمن والاستقرار بالبلاد، وبما يضمن حياة مطمئنة لكل من يقطن فوق أرض هذا الوطن الكريم.
ــ منظومة جديدة لزيادة الفعالية :
رابعها : مساعي وخطوات تطوير آليات العمل بداخل المجلس، باعث إضافي آخر كي يسعى ممثلو الأمة لتعظيم العائد من دور الانعقاد القادم، خاصة من جانب أعضاء مجلس النواب، وذلك لجهة البرامج والأنظمة الإدارية والتقنية المستخدمة، وبما يسهم في زيادة فعاليته ومستوى أدائه ليتناسب مع هموم الوطن ومطالب مواطنيه.
ولا شك أن إدخال مثل هذه التطورات على آليات عمل مجلس النواب، مثلما أُعلن مؤخرا، سيزيد من قدرة المجلس على مواجهة ثقل الأعباء التي تفرضها المرحلة، والتي لا تقتصر على الملفات الاعتيادية المعروفة كالإسكان والخدمات واحتياجات المواطنين وغيرها، مثلما ذكر سلفا، وإنما تشمل بالإضافة إلى ذلك جملة من القضايا لم يعد بمقدور أي مجلس نيابي غض الطرف عنها في إطار دوره غير التقليدي المطلوب منه أن يؤديه.
والمعروف هنا أن المجالس النيابية هي أجهزة تمثيلية بإمكانها التحرك وبمرونة أكبر على أكثر من مستوى، وذلك للتعبير عن المملكة من جهة في المحافل المختلفة، سيما منها الأهلية والشعبية، وتحسين صورتها من جهة ثانية بالنظر لقدرة النواب على الوصول لوسائل الإعلام وغير ذلك، إضافة لممارسة شكل من أشكال السياسة الخارجية موازية وداعمة للسياسة الرسمية من جهة ثالثة، والتأكيد على تماسك الجبهة الداخلية وغير ذلك الكثير.
وهنا تبرز أهمية مثل هذه المساعي التطويرية التي شرع المجلس الوطني في تبنيها قبل فترة، ولا تستهدف فحسب تحسين البنية الإدارية والتقنية التي يعمل في إطارها النواب، ولا تقديم كل أوجه المساعدة اللازمة لهم، وتأهيل الكوادر والخبرات الوطنية الضرورية لرفع كفاءة العمل بأروقة المجلس..
وإنما تتجاوز كل ذلك لتشمل أيضا حسن استخدام الوقت وصلاحيات وأدوات المجلس الرقابية والدستورية، وكيف يمكن تفعيل أطر التعاون مع الجهاز التنفيذي للدولة وبما يسهم في زيادة وتيرة الإنجاز والنهوض بمسيرة الوطن التنموية وتجربته الديمقراطية، فضلا بالطبع عن تفعيل عمل اللجان النيابية، الثابتة منها والمؤقتة، وتطوير أداء الكتل النيابية وعملية التمثيل السياسي بما يحقق الغرض الوطني والحقيقي منها.