كتبت - إيمان الخاجة: تسلب منا الحياة حواس مهمة وترزقنا أموراً أخرى، فقد يولد الإنسان في الظلام، وقد يعيش الشخص دون أن يعرف معنى الكلام ولا يعرف للصوت أثراً في حياته، وآخرون يلازمون كرسيهم في تنقلاتهم، ويعتبر أن الرضا بالقضاء والقدر هو أهم ما يحمله الإنسان في قلبه ليواصل مشوار حياته. فالإعاقة كما يصفها الكثير من المعاقين هي إعاقة العقل لا إعاقة الجسد، المعاق هو من يتوقف عن الإنجاز والعطاء والنجاح، والمعاق فرد طبيعي في المجتمع له حقوق وواجبات كأي إنسان يحيا على الأرض. وشهدت حياة المعاقين نماذج واضحة على حياة طبيعية وعلى نجاحات نقلها أفرادها وذويهم بأنفسهم يشكلوا نماذج تثبت وجودها إلى جانب الأصحاء. في هذا الصدد التقت “الوطن” بعدد من ذوي الإعاقة لتسمع حكاياتهم عن قرب. فؤاد ومحمد ملاس أخوان من فئة الصم والبكم، ولدا بإعاقتهما منذ الصغر، يبلغ فؤاد 22سنة ومحمد 12سنة، لكل منهم حياته الخاصة وإبداعاته، تتكلم والدتهما وتقول عن فؤاد:كان تشخيص فؤاد صعباً في البداية بسبب قلة المراكز آنذاك، فعملنا له فحص آخر في مركز مغربي، وطلب منا زراعة قوقعة له، ولكن ظهرت مشكلة في وضعه الصحي، فتركنا الموضوع ورضينا بما كتبه له، وأخذنا على عاتقنا تربيته لمواصلة مشوار حياته. فاتجهنا إلى موضوع الدراسة واستعنا بالدكتورة بنة في العدلية، بعدها فتح مركز شيخان الفارسي فالتحق فؤاد إلى ركب الدارسين فيها، نجح في دراسته وكان من المتفوقين، بعدها خير بين المواصلة في المركز أو الالتحاق بمعهد البحرين للتدريب بحكم أنه لا يملك الشهادة الثانوية حينها، فاختار المعهد، ودرس فيه التصميم والكمبيوتر، وأكمل دراسته وهو الآن يملك شهادة دبلوم. بعد فترة ذهبنا إلى مركز خدمات المعاقين “لست وحدك” ووجدوا له وظيفة كايشر مؤقتة. وتواصل أم فؤاد حديثها بصوت يملأه التفاؤل قائلة: فؤاد صاحب شخصية هادئة وخجولة، إلا أن له أنشطة اجتماعية تعكس ذلك، حيث شارك ابني في مسرحية “سلام جابر” التي فازت بأربع جوائز. تعلم سياقة السيارة وأمكنه السياقة لوحده، نسير خلفه فقط في أول مرة إلى المكان الجديد للاطمئنان على وصوله وليعرف الطريق، بعدها يعرف الطريق لوحده ولا يحتاج إلى مساعدتنا، فهم أصحاب ذاكرة قوية. إلى جانب ذلك، فإنه يملك عدداً من الهوايات خاصة فيها يتعلق بالكمبيوتر، كما إنه متابع جيد للكرة الأوروبية ويوم الجمعة يخرج مع أصدقائه إلى المنتزهات والسينما. أما محمد فتتابع أم فؤاد حديثها قائلة:محمد حالياً في الصف الرابع ويدرس في مركز شيخان الفارسي. هو اجتماعي يحب الناس ومتفوق في دراسته، إنه رسام معروف في المركز، كما يقوم بعمل الأشكال الهندسية، فابنتي صحيحة وتدرس تخصص هندسة معمارية ودائماً ما أراه يجلس إلى جانبها يحاول أن يرسم مثلها وبالفعل يستطيع من الرسم بالمثل. وتوجه أم فؤاد حديثها قائلة: المعاق شخص عادي جدً، فعندما أرى أولاد المنطقة أو مناطق أخرى يلعبون بالشارع وهم يملكون كل الحواس، إذا وجد المعاق البيئة الصالحة التي تحتويه وتربيه، فإنه بالفعل سيكون شخصاً فعالاً في المجتمع، ولكن يواجه المعاق صعوبة في التوظيف حسب قدراتهم وميولهم، حتى يخدموا البلد الذي أعطتهم وتعبت عليهم ودرستهم، وأووجه رسالة لأمهات المعاقين، إن هذا ابتلاء حسن وان الله يهب الناس بكل الإعاقات وله حكمة، علينا بعدم التفرقة بين المعاق والصحيح في التربية، بل مراعاة الوضع لتعليمهم على الحياة. مواهب متنوعة جانب آخر من زوايا الحياة، التقينا بجمعة أحمد محمد موظف في المؤسسة الخيرية الملكية، يملك شهادة إعدادية ولم يحصل على الثانوية العامة بسبب صعوبة الحصول على مقررات “البرايل” في ذلك الوقت، وعدم توفر أجهزة الحاسب الآلي كما هو الوضع الآن، ولديه دبلوم في الاتصالات من المعهد البحريني السعودي للمكفوفين، يحدثنا قائلاً: بدأت العمل في الديوان الملكي في نوفمبر 1994 بوظيفة بدالة، وبقيت 16 سنة في الديوان حتى انضممت في 2011 إلى المؤسسة الخيرية الملكية بوظيفة فني خدمات، أرد على الاتصالات وأعطي المتصلين معلومات حول استفساراتهم أفيدهم حول المستندات. في تلك الفترة أخذت دورات في الحاسوب، فأصبحت لدي خبرة بسيطة، كما أخذت دورة في كيفية تعليم الحاسوب للغير، تمكنت من تنمية معرفتي بالحاسوب بنفسي وتبحرت فيه وسألت إخواني من المبصرين حول ما لا أعرفه، وقمت بتعليم الحاسوب لأقراني من المكفوفين كون استخدامنا له من الضروريات لا الكماليات، وهو متنفس رائع بالنسبة لنا، ومن المهم أن يدرب الكفيف كفيفاً مثلا، فاستخدامنا يختلف عن استخدام المبصر حتى طريقة الكبس على الكيبورد والعمل على البرامج. يواصل حديثه قائلاً: أحب جمع المسلسلات الكارتونية القديمة، إي كنت أبصر بعض الشيء في الصغر. لذا فصوت هذه المسلسلات يشعرني بالراحة لأنها تربطني بالماضي كنوع من الراحة العقلية، أملك مكتبة بسيطة بها هذه الفيديوات، وأنا مستمع جيد للموسيقى، لدي مكتبة أخرى لمختلف الموسيقى، وأحب استخدام الكمبيوتر، كنت في السابق أعزف العود لكني لم أمارس العزف منذ فترة، فأصبحت حالياً مستمعاً أكثر من كوني عازفاً أو مشاركاً في أنشطة الموسيقى، في الصغر كنت أصلح بعض المسجلات الكهربائية بالاستعانة بلحام مبصر، وأحب المجال الإعلامي والإذاعة بشكل أكبر. يجد جمعة نفسه انطوائي بعض الشيء، والموسيقى بحد ذاتها لاتنفع بها الانطوائية، شارك في غناء إحدى الإعلانات التلفزيونية، كما شارك في غناء فقرة للبرنامج الإذاعي “البحرين تصبح”، لكن انطوائيته تجعله لا يثق بنفسه أحياناً ولا يقتنع بموهبته فلا يطور من نفسه ولا يشارك بها. وحول الصعوبات التي تواجه الكفيف يقول: تختلف الصعوبات من إنسان إلى آخر، هناك مكفوفون واجهتهم صعوبات وتمكنوا من التغلب عليها، أنا إنسان عشت حياة شبه مترفة، لم أكن اهتم أن أضع الصعوبات أمامي لأني دائماً أستشعر أنني السبب إذا واجهتني صعوبة، لم تواجهني صعوبة إلا نقطة عدم طباعة الكتب بشكل جيد في الثالث ثانوي وعدم دخول الكمبيوتر في حياة الكفيف حينها. هذا الأمر جعلني أندم أنني لم أكمل المرحلة الثانوية، وكوني ولداً كسلت نفسي عن المتابعة بنفسي وأثرت في الحياة الذكورية، على عكس أختي الكفيفة أيضاً، فقد ثابرت حتى تمكنت من الحصول على الشهادة الجامعية. وفي نهاية حديثه يوجه رسالته إلى المجتمع قائلاً: نظرة المجتمع إلى الكفيف غريبة بالنسبة إليه. هناك فئات تنظر إلى المعاق على أنه ذكي جداً، وأخرى تنظر إليه أنه غبي جداً. أتمنى أن ينظروا إلينا مثل أقراننا المبصرين نظرة وسطية، وهناك مستويات من المعاقين، بعض الفئات توجه لنا نظرة الشفقة، وأنا لا ألوم المجتمع عليها، كون مجتمعنا عاطفي، قد لا يحب المكفوفون هذه النظرة لكني لا أمانعها لأنها ستسهل حياتي، هذا مجتمعنا وهذه طبيعته فكيف سأغير طبيعة القلوب اللينة والطيبة وحب الخير، وإسلامنا هو الذي لين القلوب وجعل فيها رحمة. النقطة الأهم أن لا يعمم المجتمع تصرفات كفيف قد تكون غير جيدة على كل المكفوفين. متلازمة داون بين الإبداع والأصداء ومن جانبها تتحدث والدة علي عبدالعزيز المطوع عن ابنها المصاب بمتلازمة داون قائلة: عندما اكتشفنا إصابة ابني بمتلازمة داون، أخذناه من مكان إلى مكان وتابعنا وضعه أولاً بأول، أدخلناه الروضة وأخذناه إلى دكتورة متخصصة في النطق، بعدها دخل معهد الأمل والآن هو في مركز الحد للاحتياجات الخاصة ويبلغ من العمر 18 سنة، ابني هادئ، حبوب، مسالم، يحب الترتيب وأن يكون المكان من حوله منظم، علاقته معنا جداً عادية، أحياناً يكون عنيد حسب المزاج، لكني أجده يفهم ويعرف. وتشير والدة علي أن علي بعد عودته من المركز يفتح الحقيبة لوحده ويحل الواجبات، وتتابع معه دائماً، إذا نسيت حل الواجب معه، فإنه يذكرها بوجود واجب لديه. كما تبين أنه يحب الرسم والتلوين ويحب الموسيقى والرياضة، يحب لعب الكرة، يحب النشاط والرحلات والحفلات ومشاركة الآخرين كونه اجتماعياً، ودائماً ما تشجعه أسرته على الانخراط. وتضيف والدته قائلة: لا يوجد مجال ليطور علي من هواياته، ففي الصباح يذهب إلى مركز الحد وعند العصر يذهب إلى مركز متلازمة داون، إذ يحب أن يلتقي بأصدقائه هناك ويقضي وقتاً ممتعاً معهم، ونحن لم نرغب في أن نتركه في المنزل لأننا نريده أن ينخرط في المجتمع بشكل أكبر. كما يمارس علي الرياضة في الصباح ويلعب خارج وقت المدرسة إذا سمحت الفرصة، في إحدى المرات فاز بميدالية في الجري. تتمنى والدة علي أن يحصل المعاقون على حقوقهم كأي مواطن عادي، حقهم في العمل والتعليم والحصول على الشهادة. كما تلفت إلى ضرورة اهتمام المجتمع بهم بشكل أكبر، والنظر لهم نظرة سوية، فدائماً ما ترضى نظرات التعجب أو الخوف في عيون الناس عند خروجهم. عدم مناسبة المنحدرات أما محمود الحايكي من فئة الحراك فهو طالب في الجامعة الأهلية تخصص إدارة نظم المعلومات، عضو في مجلس الطلبة في اللجنة الثقافية، يقضي يومه بين الجامعة والفعاليات المتنوعة من خلال مشاركته فيها أو تنظيمه لها. يقول: لدي فعالياتي الخاصة باللجنة، أنظم المسابقات الثقافية والمحاضرات التثقيفية وتحديداً عن فئة الاحتياجات الخاصة ودورهم، لدي هوايات عديدة فأنا أحب الرسم وخصوصاً البحر والطبيعة، أرسم بشكل كبير وفي آخر مرة شاركت برسوماتي في معرض احتفال العيد الوطني بالجامعة. كما أحب استخدام الكمبيوتر والعمل على البرامج، وهذا الأمر يدعمني في تخصصي بشكل كبير، وأقوم بعمل المونتاج للأفلام وصناعة الفيديوات، وشاركت لإحدى أفلامي في الجامعة، وخارج الجامعة فأنا عضو في الحراك الدولي وأقوم بعمل البرامج لهم ويحمل محمود على عاتقه رسالة كبيرة قائلاً: أحمل هم ذوي الاحتياجات الخاصة، وتغيير نظرة المجتمع بترك نظرة العطف والشفقة، فرسالتي إلى المجتمع أن الاختراعات والابتكارات لم تقم إلا من المعاقين، ولو لاحظنا الأسماء سنجدها لأشخاص معاقين، فاختراعاتهم تأتي من حاجتهم. لذا لابد من تغيير نظرة العطف، فنحن كأي إنسان عادي يحتاج إلى عناية. وبين أن المعاقين تواجههم بعض المشكلات فيقول: المنحدرات لا توجد في كل مكان وليست على قياس الكرسي المتحرك، فبعض إخواننا الأصحاء بدلاً من توقيف السيارات في المواقف الخاصة بهم فإنهم يوقفونها في مواقف المعاقين، مما يعيق علينا الحصول على بارك وحتى لو حصلنا على بارك عادي فإن المشكلة تكمن أن موقف المعاقين كبير وواسع، بحيث يمكِّن من إنزال الكرسي المتحرك، والموقع العادي صعب استخدامه للكرسي، حتى دورات المياه لم تسلم، فبعض الجهات الرسمية تكون بها عتب أو الباب به مشكلة في الفتح لا يمكن للقاعد على الكرسي من سحبه.