كتبت - عايده البلوشي: مرّت قبل أيام مناسبة احتفال اليونسكو بـاليوم العالمي للكتاب. وهي مناسبة قصدت منها اليونسكو؛ استعادة مكانة الكتاب؛ في ظلّ تزاحم وسائل المعرفة التكنولوجية. أمّا هنا في مملكة البحرين؛ فإن الاهتمام بالثقافة بشكل عام، والكتاب بشكل خاص، يراوح مكانه بين جيل سابق؛ يحرص على الاستفادة من وسائل النشر الأخرى في تعزيز القراءة، وبين جيل منشغل بما أفرزته التكنولوجيا. (الوطن) تتخذ من هذا اليوم؛ مناسبة لتطرح سؤالاً عن مستوى الاهتمام بالقراءة سواء عند الأفراد أو الأسر.
تقول الطالبة مروة عبدالله؛ إن القراءة عن طريق الكتب الورقية ليست من اهتماماتها؛ فهي تحصل على معلومات قيمة وصحيحة عن طريق الكتب الإلكترونية أو الأفلام؛ ومع تحوّل كثير من الكتب إلى أفلام، تفضل مشاهدة هذه الأفلام. أما الأخبار المحلية فتتابعها عبدالله عبر المواقع الإلكترونية، وليس عن طريق الصحف الورقية، سواء في موقع الصحف أو عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي؛ “تويتر و«الفيس بوك”. الكتاب يحتفظ بمكانته أما الموظفة مريم حسن؛ فإن القراءة من الهوايات المحببة إليها، وهي تحرص على شراء الكتب خصوصاً في المعارض، وتفضّل قراءة الكتب الورقية لأنها أكثر راحة للعين؛ من الكتب الإلكترونية. وتؤكد محسن أن القراءة تحتفظ بأهميتها، وقد كانت في السابق لا تعنى بها، حتى تغير الحال ووجدت نفسها تنساق إليها، وأصبحت بفضل ذلك أكثر إلماماً بالمعلومات العامة، وثقافات الشعوب. وترى حسن؛ أن عزوف الشباب عن القراءة أسبابه كثيرة؛ منها عدم وجود برامج حقيقية تشجع على ذلك، مشيرة إلى أن المكتبة المدرسية لا تحوي سوى كتب تستعار من قبل فئة من الطلاب، بينما لا تستغل حصة المكتبة بالشكل الصحيح، كما إننا لا نعزز مفهوم الثقافة في البيت، متسائلة؛ كم عدد أولياء الأمور الذين يهدون كتباً لأبنائهم، وكم هو عدد المسابقات التي تنظم على مستوى المحافظات للتشجيع على القراءة؟!، مشددة على الحاجة إلى تعزيز مفهوم القراءة عند أولياء الأمور، ومن ثمّ نقلها إلى الأطفال. ويلفت الموظف سمير إسماعيل إلى أهمية المكتبة المنزلية؛ في إنماء فكر الطفل، وتعزيز اطلاعه على مختلف الثقافات، مشيراً إلى عمل والده؛ على تعويده على القراءة منذ الصغر، كونه شغوفاً بالقراءة في مختلف المعارف، وتكوينه مكتبة في ركن الصالة؛ تضمّ كتباً كثيرة متنوعة؛ سياسية وأدبية وتاريخية. حيث كان يشتري لهم كتاباً في بداية كل شهر، يختاره وإخوته، ويحفزهم على قراءته حتى أصبحت القراءة عادة عنده؛ دفعته إلى تكوين مكتبة خاصة به، هي أغلى ما يملك اليوم، جعلته حريصاً على اقتناء الكتب، فهو لا يرغب بإهداء أي منها إلى أحد. ويؤكد رب الأسرة عبدالله علي؛ على أهمية أن تتضافر جهود جميع المؤسسات والهيئات ذات العلاقة، وأن تشحذ هممها لإعادة الاعتبار إلى الكتاب، وأن تمسح الغبار عن هذه الأسفار، وتعيدها إلى أيد قرائها؛ يتصفّحون أوراقها في حلّهم وترحالهم، لافتاً إلى أن تنمية القراءة في الأطفال؛ تبدأ من البيت، مبيناً أن الأطفال الذين يعيشون وسط أسرة تقدر الكتب والقراءة؛ ينشئون على حب العلم والمعرفة، ويكون استعدادهم لتلقّي العلم في المدرسة، أكثر من سواهم؛ الذين يرهقون المدرسين؛ معللاً ذلك بأن عدم إقبال الأسر على القراءة، لا يوفّر الأسوة الحسنة للأطفال. ويرى علي أن الاحتفال باليوم العالمي للكتاب، يهدف إلى تنبيه العالم لأهمية الكتاب الورقي، في حياة الفرد وتطور المجتمع، وأنه سيحتفظ بمكانته بين وسائل النشر التكنولوجية؛ كونه رمز المعرفة والإبداع الإنساني، ولا يمكن الاستغناء عنه مهما تشعبت وسائل المعرفة، مشيراً إلى أن عديداً من الدول؛ تنظّم مسابقات في مثل هذا اليوم وحلقات للحوار وتوزع الكتب مجاناً، كما تلقى المحاضرات في المدارس والجامعات والمكتبات العامة. أما مملكة البحرين؛ فقد خطت خطوات جبارة للاهتمام بالثقافة بشكل عام. الإنترنت أضرّ بالكتاب من جانبه؛ يؤكد التربوي مفتاح الدوسري أميّة بعض شباب اليوم، رغم حصولهم على الشهادات العلمية، معللاً ذلك بأن الأمّة التي لا يقرأ أبناؤها؛ تظلّ في مكانها، دون تطور، مشيراً إلى أن أحداث فبراير؛ دفعت الشباب إلى القراءة؛ لكنه كان اهتماماً وقتياً. ويبين الدوسري أن الكتاب خير جليس؛ فهو لا يقدم سوى الجيد، وهو عصارة فكر؛ أديب أو سياسي أو اقتصادي، وهو عبارة عن مجموعة من أفكار وتجارب الكتاب، والقارئ يتلذذ بما هو مكتوب على صفحات الكتاب، التي تنقلك إلى جميع الأزمنة والأمكنة، وتستطيع بواسطته أن تعيش الأحداث التي لم تعيشها في حياتك وتعود إلى زمن الآباء والأجداد، وباستطاعتك أيضاً الانتقال من موقع إلى آخر. ويشدّد على أهمية الكتاب الورقي؛ رغم اتجاه الأنظار إلى مواقع الإنترنت، والقراءة عن طريق الوسائل الحديثة؛ حيث يظلّ للكتاب طعمه الذي لا يمكن أن يستبدل بشيء آخر؛ معللاً ذلك بوجود علاقة خفية بين الكتاب والقارئ؛ تصل إلى حد التوأمة، ليتحول الكتاب إلى توأم القارئ وغذاء عقله وروحه، وبالتالي يستفيد من المواقع والمدونات والكتب الإلكترونية في سبيله. ويعتب الدوسري على جيل اليوم الذي فقد متعة القراءة، إذ أصبحت لدينا ظاهرة تسمى “العزوف عن القراءة” ونظر إلينا على أننا أمة لا تقرأ، مشيراً إلى أن الواقع اليوم؛ يقول إنه من الممكن للشباب الحصول على معلومات بسرعة فائقة؛ لكن هل يقرأ هذه المعلومات؟ مبيناً أن الطلاب اليوم يستطيعون الاطلاع على المعلومات عن طريق الإنترنت في أي مكان وزمان، إلا أنه لا يترجمها بشكل صحيح، بدليل أننا نجد الطلاب عند إعدادهم للبحوث المدرسية؛ يستعينون إما بالبحوث الجاهزة أو بالإنترنت، دون قراءة هذه المعلومات، وتقتصر قراءتهم للامتحانات فقط على الكتب المدرسية. ويرجع الدوسري عزوف الشباب عن القراءة؛ إلى أسباب عدّة؛ في مقدمتها تعلق الشباب بالإنترنت، إذ صار بإمكانهم الحصول على المعلومة عن طريق الإنترت، ما أبعدهم عن الكتاب، فهم يحصلون عليها دون عناء. أيضاً من الأسباب تغيّر نمط التفكير، فهو لا يتجه نحو القراءة، فالشباب يفكرون في أمور أخرى منها الموضة وأجهزة التلفون، لافتاً إلى اهتمام الفتيات بالقراءة أكثر من الشباب؛ بحكم وجودهم في المنزل. أما المكتبات فمليئة بالكتب، لكن الطلاب لا يدخلونها سوى لإعداد بحث للمدرسة، ومن الأسباب أيضاً غياب التوجيه من قبل الآباء. ويتذكر الدوسري أنه في سبعينات القرن الماضي، كانت هناك مكتبة متنقّلة على هيئة باص؛ تحت مظلّة وزارة التربية والتعليم، تذهب إلى المدن والقرى، وكان أبناء جيله يتسابقون لاستعارة كتبها ومجلاتها، مؤكداً أن ذلك الجيل كانت مصادره للقراءة تقتصر على الكتاب، إلا أنه كان جيلاً قارئاً، تعلم على يد الكتب، على عكس اليوم؛ حيث القراءة هي آخر اهتمامات الشباب، عدا فئة قليلة. ويشدّد الدوسري على ضرورة تكاتف الجهود لأجل الخروج بجيل مختلف عن جيل يكتفي بـالبرودكاسات بالبلاك بيري، وعلى أهمية إعادة الاعتبار للكتب الورقية، وتشجيع الشباب على القراءة حتى في محطات الانتظار في المطار والمستشفيات، والعمل على تعزيز مفهوم القراءة داخل الأسرة، باصطحاب الأبناء إلى معارض الكتب؛ ليشتروا لهم ما يحبون. وأن تسعى المدرسة لتفعيل الفترة المخصصة للمكتبة بالقراءة، وتحفيز وتشجيع الطلاب على القراءة، وتنظيم مسابقات لهم في هذا المجال.