أحمــــــــــــــد جاســـــــــــم
لا أدّعي أنني الأفضل في ضبط الأوقات والمواعيد مع الناس، لكنني ألزمت نفسي بدرجة عالية من الانضباط الوقتي في جل أعمالي، وبالرغم من معاناتي الشديدة في ذلك خاصة في المواعيد المشتركة مع الغير، لكنني أجد الراحة الكبيرة والرضا النفسي عن ذلك، ومشكلتنا أن حياتنا الروتينية العادية في الخليج وفي الوطن العربي بشكل أعم لا تعين على ضبط الأوقات وحفظ المواعيد، فمعظم المعاملات الحكومية والبرامج المؤسسية تعتمد على التأخير ومزاج الحضور. أما هناك في الغرب فقد خالطتهم في أيام قليلة وأدركت قيمة الوقت وكيف يكون جزءاً من حياتهم وأصلاً من أصول القيم التي يتعاطون بها ولا يستغنون عنها، ذلك لأن الجهد هناك يعتمد على مدى عطائك. وعطاؤك يعتمد على مدى التزامك، ولا يتقن الالتزام إلا باحترام الأوقات والجدية في استغلالها . فعندما نرجع إلى عادات الناس في مجتمعنا العربي فإن بداية السقوط تبدأ من تربية الأولاد في الأسرة، فالولد الذي يلاحظ تكاسل أبيه عن مهمة ملحة لصالح البيت ويسوف ثم يسوف ويعد ثم يخلف، هنا يتركز في عقل الصغير كم هو الوقت رخيص ولا يختلف عن غيره من السلع التي يمكن أن نستغني عنها أو نستبدلها، وعندما يشاهد كذلك الأم وهي تواعد جارتها بزيارتها الساعة الخامسة فإذا بالساعة تدق على السادسة والنصف وهي مازالت تسرح شعرها وتنتقي ملابسها ! أنا شخصياً في عملي الرسمي عندما تتصل لي مؤسسة ما لزيارة العمل وتسويق مشاريعهم، فإن أول اختبار لمدى إتقانهم يستبين لي عندما يحضرون في الوقت المحدد، أما إذا تأخروا عن الموعد فإن نصف سمعتهم تسقط من وجهة نظري، وكذلك هو شأن العمال الذين أتواعد معهم لإصلاح بعض الأعمال في منزلي، فبالرغم من أن بعضهم كان يقطع مسافة طويلة من أجل بضعة دنانير، لكنه كان يفرحني بحرصه الكبير والتأكيد على الموعد، أما البعض الآخر فيواعدك اليوم وتتصل له أنت بعد يومين للبحث عنه !! أما في المناسبات العامة فحدث ولا حرج، فكم مرة أعلن عن محاضرة أو حفلة أو مسرحية وبدأت في وقتها، ولعلي أحد الذين يعانون من ذلك فعملي بالمسرح يضطرني –للأسف – لتأخير وقت العرض، وأعترف أن السبب تافه وغير مقنع.. وهو أن معظم الجمهور لم يصل بعد، ولكن ما ذنب الجمهور الذي التزم على وقت إعلان العرض !! هذا سؤال وعتاب أوجهه لي أنا شخصياً، وعلى النقيض كانت العروض المسرحية التي حضرناها في فرنسا غاية في الدقة، فالناس تحترم وقت العرض وتصطف طابوراً طويلاً قبل العرض بربع أو نصف ساعة للدخول، وفي الوقت المحدد يدخل الجميع ويبدأ العرض. وخذ كذلك مثال مواعيد العيادات الصحية، وضع ألف علامة تعجب، وكم مرة دخلت على موعدك الطبيعي بالرغم من أنهم يجنون المال من المريض، فهل فكروا في تخفيض كلفة العلاج إذا تسببوا في تضييع نصف ساعة من وقته .. هذا اقتراح جميل فمن سيطبقه ؟! فإذا أردنا ضبط المسار العام لأوقاتنا وحفظ أعمارنا والارتقاء بمجتمعاتنا فابدؤوا بأنفسكم ، فإذا حددتم وقتاً للرياضة فالتزموا، وإذا أذن المؤذن فاستعدوا فوراً للصلاة وإذا خصصت وقتاً للقراءة فاحترم ذاتك والتزم، وإذا نويت زيارة أحد أقربائك فلا تتأخر، فكلما دربت نفسك قبل أي شيء فسيتحول ذلك الالتزام إلى عادة من عادات حياتك مع الآخرين .