تعتبر الواسطة من جرائم الاعتداء على حقوق متنوعة تختلف من حيث طبيعتها وماهيتها وعناصرها اختلافاً كبيراً، ولكنها تجتمع في أن كل حق مسلوب بسببها هو للمجتمع بجميع أطيافه، فالحق المعتدى عليه هو للدولة باعتبارها الشخص الاعتباري القانوني الذي يمثل الجميع. وتُصيب الواسطة مصالح الناس على نحو مباشر، وضررها الاجتماعي جسيم جداً، فهي تهدد الاستقرار الاقتصادي للدولة وتهدد الثقة العامة في مؤسسات المملكة ونظمها الإدارية والاقتصادية. وبشكل أبسط فالوساطة هي اختيار لشيء أو لإنسان وفق معيار المصالح الشخصية والمحسوبية ودرجة النفوذ، دون النظر إلى معيار الكفاءة والجدارة، ونص قانون العقوبات البحريني في المادة 203 على أن «يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن 10 سنوات كل موظف عام أخل بواجبات وظيفته استجابه لأمر أو وساطة». وتعتبر جريمة الوساطة من الجرائم التي تصيب ميزان الدولة بالعطل، وتعمل على قلب الحقائق وفق الأهواء والقرابات والصِلات والمعارف، ووفق مبدأ عدم تساوي الفرص خاصة في انتقاء التوظيف العادل بناءً على السلوك والعلم. ولعل تجريم المشرع القانوني الواسطة هو خروج الموظف على القانون، الذي لن يكون اهتمامه باتباع القانون بمقدار حرصه على إرضاء من كان التوجيه لمصلحته، ثم أن هذا التصرف من جانب الموظف يعني التفرقة بين الموظفين تبعاً لصلات القرابة أو الصداقة بينه وبينهم، ويعني ذلك النيل من كرامة وهيبة الوظيفة العامة، لجهة عدم الالتزام بالحيادية والموضوعية في تصرفاتها نتيجة موظف تصرف تصرفاً شخصياً غير مسؤول انعكست عليه صورة المؤسسة الإدارية التي يعمل فيها. ويتعين أن يتوفر في هذه الجريمة للشخص الذي يستجيب للأمر أو الواسطة صفة الموظف العام، ويقوم الركن المادي للجريمة بالاستجابة إلى الأمر أو الوساطة، وقيام علاقة السببية بينهم بخلاف استكمال الركن المعنوي. وتتمثل الاستجابة في المسلك الذي يقوم به الفعل الإجرامي، وتعني التجاوب مع مضمون الوساطة أو التوجيه، ويفترض ذلك الاستماع بجدية ثم الوعد بتنفيذ المضمون، والوساطة تعني إبداء الرغبة في تصرف على نحو معين، وقد تصاغ في صورة الأمر إذا كانت علاقة الموصى بالموظف تسمح له بذلك. ويتطلب الركن المادي أداء الموظف العمل الوظيفي فعلاً مخلاً بواجبات وظيفته، سواء مخالفة قاعدة قانونية أو لائحة أو مجرد تعليمات إدارية، أو مخالفة القانون في الشكل أو في المضمون، أما إذا كان العمل مطابقاً للقانون، فلاعقاب على الموظف ولو كان قيامه بالعمل بناء على الرجاء أو الوساطة أو الأمر، لأن عند الخضوع للقانون لا يمكن تحري بواعث الخضوع، ولا شك أن المشرع البحريني لا يقحم نفسه في ضمائر الناس طالما كان سلوكهم في ظاهره مشروعاً. ويعاقب المشرع البحريني على جريمة الاستجابة لقبول أمر وارد من الرئيس إلى المرؤس، طالما كان هذا الأمر مخالفاً لواجبات الوظيفة العامة، وبشكل أعم مخالف للقانون، وأيضاً مُصدر الأمر الذي يخالف واجبات الوظيفة يكون عرضه للجزاء، لأنه شريك في الجريمة ويُعرّض نفسه لعقوبة السجن مدة لا تزيد عن 10 سنوات، وهي عقوبة رادعة لكل من تسول له نفسه اللجوء للواسطة.