في حين تغرق سوريا في الدمار والمآسي، وتتسابق الدول الكبرى الأخرى على التدخل لإنهاء الصراع الذي كلف آلاف اللاجئين والنازحين ودمارا هائلا في البنى التحتية والاقتصاد والنسيج الاجتماعي وحتى الآثار، ومئات الآلاف من القتلى، تنشغل الصين في البحث عن فرص استثمارية ومشاريع عملاقة.

وقد اختصر تقرير أميركي المشهد بالقول إن "الصين تنظر إلى سوريا فلا ترى فيها سوى الدولارات". ولفت التقرير الذي نشره موقع "ذا ديلي بيست" الأميركي إلى أنه بينما "تنشغل روسيا في التدخل العسكري بسوريا من أجل دعم نظام بشار الأسد، فإن الشركات الصينية تتطلع للعمل هناك فور انتهاء الحرب الطويلة، حيث تنظر إلى سوريا على أنها مكان جيد للاستثمار".
الصين تتطلع إلى ما بعد الحرب

فقد أبرمت شركة "هواوي" الصينية، وهي واحدة من أكبر الشركات المنتجة لمعدات الاتصالات في العالم، اتفاقاً مع النظام السوري مؤخراً من أجل تصميم "استراتيجية وطنية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات"، وهي الاتفاقية التي تتضمن مشروعاً لبناء شبكة إنترنت ذات النطاق العريض.

ويلفت تقرير الموقع الأميركي إلى أن هذه المرة ليست الأولى التي تقوم فيها "هواوي" بإبرام اتفاقات وتقديم خدمات لأنظمة مستبدة في الشرق الأوسط، حيث سبق أن وقعت عقداً في العام 2011 قدمت بموجبه معدات لأكبر شركة هواتف نقالة في إيران، وذلك في إطار نظام تكنولوجي يتيح للحكومة في طهران تحديد مواقع الأشخاص، وتتبع تحركاتهم، والتجسس عليهم من خلال هواتفهم النقالة.

وبحسب ما أعلنت شركة "هواوي" الصينية فإن العقد الذي تم إبرامه الشهر الحالي مع النظام السوري يستمر حتى العام 2020، ويتضمن خطة على المدى الطويل والمدى القصير لتطوير وصيانة البنية التحتية للاتصالات في سوريا، والتي تضررت من الحرب الدائرة في البلاد منذ خمس سنوات، فضلاً عن أن العقد ينص على أن الشركة ستقدم المشورة أيضاً لوزارة الاتصالات التابعة لنظام بشار الأسد.
"المنطقة العربية" هدف مهم

ويقوم هذا العقد على افتراض ضمني مفاده أن نظام الأسد سيستمر في حكم سوريا لخمس سنوات قادمة على الأقل، في الوقت الذي يمثل فيه بقاء الأسد واستمرار النظام موضوعاً للجدل في المنطقة والعالم، لكن الصين وشركاتها لا يبدو أنهم مكترثون لمخاوف سقوط النظام، وإنما يرون في سوريا فرصة لمشاريعهم، فيما يبدو واضحاً أن "هواوي" تضع المنطقة العربية نصب أعينها كهدف مهم، وتسعى للتوسع فيها.

وقال نائب الرئيس في "هواوي" والمتحدث باسمها وليام بلامر، إن لدى الشركة "مسارا طويلا وجميلا في مجال بناء البنية التحتية في الدول النامية والأسواق الناشئة حول العالم"، مشيراً في تصريحاته لموقع "ديلي بيست" الأميركي إلى أن شركة "هواوي" تقدم خدماتها حالياً في أكثر من 170 دولة، وتخدم نحو ثلث سكان العالم.

ولفتت المحللة في شركة (BMI) للبحوث آمي كاميرون إلى أن شركة هواوي تقيم شراكة مع العديد من الحكومات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مشيرة إلى أنها فازت بعقد قيمته 305 ملايين دولار في غانا مؤخراً، كما أنها تقدم الخدمات لدول مثل مالي وتنزانيا وزيمبابوي وتونس وكينيا. وأضافت: "جزء من استراتيجيتهم إقامة العلاقات مع الحكومات لتقديم المشورة والتدريب وتطوير المهارات، وهذا يفضلونه على عقود بناء الشبكات".

ويرى الكثير من المراقبين أن الصين تنظر إلى سوريا على أنها "دولارات" أو أنها مجرد "فرصة استثمارية"، كما يذهب إلى ذلك الباحث في الشؤون الصينية بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية سكوت كينيدي الذي قال لــ"ديلي بيست" إن الشركات الصينية "تبدو انتهازية إلى حد كبير". وأضاف: "المخاطرة، الجوانب المالية والتجارية، كلها دوافع لابتعاد الكثير من المنافسين عن السوق السوري".

وتشير "ديلي بيست" إلى أن النظام السوري يستخدم التكنولوجيا الجديدة التي تقدمها الشركات الصينية ضد شعبه، حيث نشر برمجيات للتجسس على مستخدمي الإنترنت والتنصت على المكالمات الهاتفية.