كتب - علي الشرقاوي:
اذا كان مصطلح الفن هو الإبداع الحر تحت عنوان الجمال غير المحدود وغير المؤطر وغير المنفعي، فإنه أيضاً، أي الفن، هو اللغة التي استخدمها الإنسان لترجمة التعابير التي ترد في ذاته الجوهرية وليس تعبيراً عن حاجة الإنسان لمتطلبات حياته رغم أن بعض العلماء يعتبرون الفن ضرورة حياتية للإنسان كالماء والطعام، فالفن موهبة إبداع وهبها الخالق لكل إنسان لكن بدرجات تختلف بين الفرد والآخر. لكن لا نستطيع أن نصف كل هؤلاء الناس بفنانين إلا الذين يتميزون عن غيرهم بالقدرة الإبداعية الهائلة. فكلمة الفن هي دلالة على المهارات المستخدمة لإنتاج أشياء تحمل قيمة جمالية على تعريفه فمن ضمن التعريفات أن الفن مهارة – حرفة – خبرة – إبداع – حدس – محاكاة.
وكما يؤكد الدراسين، فإن الفنان هو ذلك المبتكر ذو الأفكار الغريبة عن التقليد، فهو غالبا ما يكون سابقاً لعصره أين ما يظن بقية الناس أنه شبيه بذلك المجنون نظراً لتميز أفكاره. لكنه في الواقع يعتبر أذكى الناس وأكثرهم خيالاً وإحساساً. فالفنان هو ركيزة الحضارة والقائد الكفؤ لقاطرة التطور. إذ يمكنه الحدس والتنبؤ بالمستقبل عن طريق شفافيته وإلهامه وأحاسيسه العالية وقدرته على قراءة الأمور في الحياة . وعلى هذا يصوغ فنونه حسبما يتوافق مع العصر الذي يعيش فيه ومهما كانت أدواته وخاماته المتوفرة لديه بسيطة فيمكنه أن يجعل منها فناً عظيماً وكل على حسب قدرته وقوة موهبته الفنية..
والفنان البحريني الشامل خالد الرويعي واحد من الفنانين الكبار الذي يتحركون في هذا الإطار،غير المرئي، أحياناً يدخل ويتماهى فيه، وأحياناً يحاول الخروج من جلدته، من أجل أن يغير ما يراه ويتغير معه عبر لا حدود رؤاه. ويتشابك الرويعي مع مشارب كثيرة في الأدب والفنون، فمن الكتابة بهوياتها المتعددة إلى الصحافة وفنون التصميم والمسرح والكتابة الفنية، كل هذه الاشتباكات جعلت منه متفلتاً من القالب وهو ما تأثر به في جميع ما يرتكبه من إبداع.
الملامسات الأولى
يقول الرويعي «أرجع بالذاكرة إلى مقاعد الدراسة، إلى دروس النصوص في المرحلة الابتدائية، وشغفي بالمسلسلات التاريخية وإلى القراءة.. إلى هوسي بالشنفرى وأنا أتلعثم في قراءة مفرداته.. لا أعرف هذا الحضور كله على شخص كان على مشارف أن يبلغ الحلم.. كل ما أعرفه أن الشنفرى كان محرضاً.. القرآن كان كذلك.. أدونيس.. قاسم حداد.. علي الشرقاوي..غادة السمان وآخرون... كيف اجتمعوا في صحن واحد.
كنت أكتب وكان الأقارب يرقبون وبالأخص أخي محمد رحمه الله وأخوالي بدر الدوسري وخليفة اللحدان.. كتبت وكتبت.. وتبعت أصدقائي الكبار.. في عمر الورد لم تكن صداقاتي الكتابية مقاربة إلى عمري.. أتأمل ذلك الآن بحنين خاص.. أتذكر الآن كم كنت صغيراً عندما أجد نفسي في لقاء أسرة الأدباء والكتاب أيام الأربعاء أو الخميس.. أو حتى بتزامن ذلك مع صفحة الإثنين بجريدة الأيام في بداية التسعينات... أذكر الآن كل تلك الإرهاصات.. حيث النشر في بريد القراء في سن مبكرة ثم في الصفحة الثقافية وجريدة «صوت الكويت» أيام الغزو.. أذكر الاشتغال على مخطوطات دواوين تذهب إلى حيز الإخراج الفني.. وأذكر كم كنا نخشى النشر حينها.. وكم من الكتب باتت في الأدراج الآن.. هل جانبنا الصواب في ذلك أم لا... لا أعرف.. ولكني الآن هنا..
نوافذ للمسرح
أما مسرحياً فلا أذكر بالضبط متى سنح لي الحب أن أعتنق براحاً رائعاً كالمسرح بجوامعه الإخراجية والتمثيلية والسينوغرافية.. غير أنني متيقن بأني كنت مولعاً بسحر الحركة ومنطوق الكلام، مأخوذاً بجمال المكان وتهيئته للعرض.. أذكر ذات مرة، حين كنت في الحادية عشرة من العمر أن النشاط المدرسي يأخذني لكل ذلك، حدث حينها أن كلفت بإعداد مسرحية قصيرة جداً لعرضها في الطابور الصباحي، أذكر ذلك الآن لأني وجدت فيها اهتماما بمكان العرض، ملعب الكرة الواسع وحافة الرصيف التي تقدم عليها الاذاعة المدرسية برامجها كانت مكان العرض المزمع.. في ذلك الوقت هيأت نفسي لإعداد المكان ولو بشكل بسيط يتيح لنا كفريق عرض أن يقال عما سنقدمه بأنه شبه مسرحية، فرحت أضع بضعة أقمشة ربما ستفي بالغرض، وأفكر في طرق أخفي بها ما سيؤثر على العرض من اعتيادية في المكان، كان ما يشغلني حينها أن أعيد ترتيب المكان ليكون في أعين الجميع مختلفاً.. ربما حينها لم يخطر ببالي ما تحدثت عنه من أهمية للمكان والتأكيد على فضاء الحركة فيه، إنني أفسر كل تلك التصرفات الآن كما لو أني أعرف حقا ما أنا ذاهب إليه.
هل أحدثكم بذلك لأقول بأنها كانت الشرر الأول لتجربتي في الإخراج.. لا.. لن أقول ذلك، لأنني على الأقل لست ممن يحددون عمر تجاربهم، فأي عمل نشاهده لأي أحد منا هو ليس وليد 4 أو 3 أشهر من التدريب بل هو منذ المهد ربما، لكنني على الأقل أستطيع أن احدد ملامستي الأولى في ذلك، لأن كل ما سبقه هو تهيئة لتلك الملامسة الأولى.
أذكر الآن كل ذلك.. إعادة الروح إلى اللجنة الثقافية بنادي الرفاع الشرقي عام 90 ولقائي بأصدقائي في الصواري، لقائي وجهاً لوجه بكتابي المفضلين الذين ساهموا في تنشئتي كحداد والشرقاوي وأمين والبنكي وفريد رمضان، حتى موجة التكفير للحداثيين -وإنها لمفارقة عجيبة- أشعر بالامتنان لها لأنه عرفتني على أدونيس و»من غير ليه» لعبدالوهاب.. وكيف كنت مولعاً بخالد الشيخ وأنا في التاسعة.. خالد الشيخ الذي نشأت وكبرت على صوته وأغنياته الفصيحة».
درس النور
«درس النور» كان عنوان أول كتاب للرويعي، حيث تقول عنه د.هدى النعيمي «.. ومن هذه النماذج أو الدروس «درس النور» وهو نص أدبي للكاتب والمخرج البحريني الشاب خالد الرويعي، والذي يتماهى في كتاباته هذه مع النصوص الصوفية، فيدور حول مفردات: النور، البصيص، النار، اللهب، الضوء ، الشعلة، القنديل، الدخان .. ثم يقترب إلى الرماد ، وفي هذه الصفحة من درس النور، يقول الكاتب: «يسكن الليل هدأة الشارع غافياً على ما تبقى من هشيم المكان، لا صوت يقترح الفوضى، لا آدمي يعزف الشارع بنعله، يمرق ذلك المكان غير عابئ بما يلف المدينة من وجوم، كل شيء بدا في مكانه فيما السعف الواهن تمتشقه الريح في طريقها الصلد مُحدثة ذاك التفرد الذي تبتغيه مدينتي، نوافذ عارية تستسلم لمشيئة الريح باكتراث هو في اللحظة ذاتها موسيقى، ينبغي عليه التأقلم على تعاطيها بين فترة وأختها «وكما هي الصوفية، يتماهى النص الأدبي «درس النور» مع الروحانيات وأصداء النصوص ذات القداسة في أروقته، فهو يسأل «كيف أصلي لوطن ليله هراوة ونهاره باب». ويسأل «هل النبل أن تضع حد النص على رقبتك وتصدح يا أبتي افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين»، ويقسم في أول الدروس بأروع ما عرف «والذي قلب حبيبي بأيديهم، ما من رهافة أروع من ذلكم الحب» هنا في هذا النص، فصول من حوارات ممسرحة تتداخل لينتج الكاتب نصاً ملتبساً، نصاً أدبياً حداثياً متحدياً شكل الكتابة الأدبية التقليدية، قد يكون قادراً على البقاء وقد لا يكون، فذاك قرار بيد المتلقي والمشهد النقدي المستقبلي وليس بيد الكاتب».
الإنترنت نصاً
وصدر للرويعي في 2006 كتابه الاستثنائي «الإنترنت بوصفها نصاً» وهو كتاب نقدي تحليلي عن شبكة الإنترنت وتقاطعها مع المنجز الثقافي، وفي عام 2008 صدر له كتابه الشعري الصوري «هدوء ليس إلا» حيث قام الرويعي بكتابته والتقاط صوره وإخراجه الذي يقول عنه «تجربة محفوفة بالمخاطر.. والمخاطر هنا قد تعني أن كل شيء قابل للشك كما هو قابل لليقين.. رأيت في هذه التجربة أن تكون جسداً واحداً.. وليس لأحد فضل على الآخر، فلا الصورة لها الفضل ولا الكتابة.. عدم فهرسة الكتاب أو ترقيمه أو حتى تفضيل الجانب الأيمن على الأيسر لم يكن في ذهني أن أورده حتى.. بمعنى أني تعمدت ذلك لسبب بسيط.. وهو المغامرة في اكتشاف الأشياء.. فأساليب قراءة الكتابة والصورة ليست بقوانين، قد تكون رؤية جمالية أو نقدية.. قد تكون قنديلاً لاكتشاف الممكن في الكتاب.. هي حالة أشبه بذلك.. ليس إلا، بالنسبة لي قد يكون الترقيم مربكا في هذا المشروع.. بمعنى أن الترقيم يعني أفضلية من جانب ما، أو هكذا تسنى لي أن أراها.. وحدة الموضوع في الكتاب قادتني إلى إلغاء هذه الهيمنة وهذه الأفضلية التي تزعمها سلطة الشكل الفني للكتاب.. وربما دعوة لتغيير أنماط القراءة ».
التصوير
وعن تجربته في التصوير للكتاب يقول الرويعي «بالنسبة لي.. التصوير لم يكن توثيقاً للزمن بقدر ما يهم مصورين آخرين... التصوير رافقني لأنني قبل ذلك مصمم فني ولأنني أعمل في المسرح، في الإخراج والسينوغرافيا.. أعمل في تصوير الفيديو.. كل ذلك أوجد الطريق إلي التصوير الفوتوغرافي.. لست شغوفاً بحمل الكاميرا أينما ذهبت.. لكني شغوف بهندسة الكادر وتأثيثه من أجل ما أريد.. قد يحدث أحياناً أن تخدمني الصدفة أو يخدمني الشارع.. أو الطبيعة بألوانها.. لكنني في النهاية أنا من أراد ذلك.. وليس إيقافا لإيقاع الزمن.. يعنيني في الصورة أن تري الناس ما لا يرونه في العادة.. فلا تستهويني المناظر الطبيعية هكذا ببساطة.. أعتقد أن المصور بالنسبة لي من يريني العمق في الصورة.. أو المختلف تماماً.. قد لا أكون مصوراً محترفاً.. لكني أجزم بأني منحرف تماماً.. وفي الانحراف شك قد لا يقبله اثنان».
المسرح الشغل الشاغل
يعتبر الرويعي من جيل الشباب المجددين مسرحياً الذين رافقوا المخرج عبدالله السعداوي، قدم الكثير من الأعمال المسرحية والنصوص والدراسات كان آخرها «السينوغرافيا في البحرين اكتشاف الممكن»، حيث برز كمخرج وسينوغراف في العدد من الأعمال التي حازت على كثير من الجوائز.
يقول الرويعي في أحد لقاءاته «البدايات الأولى لي كانت تبحث عن مفقود ما في مخيلتي، كانت تبحث عن تأسيس ربما لتراث هذا الوجود المسكون بي، عندما أقدمت على تجربة «تلك الصغيرة التي تشبهك» وهو نص قصصي للصديق فريد رمضان كنت مسكوناً لحظتها بفتنة المشهد وغواية المخيلة، كنت أرى واستنطق ما هو مكتوب، وكان علي حينها أن أدخل في مغامرة كانت محطة مهمة بالنسبة لي، ففي المشهد المتخيل بالنسبة كان ينقصه ما لم يكن موجوداً في النص القصصي، وعليه بدأت بتجربة جميلة أسميتها كولاجا.. ذهبت من خلاله إلى تكوين كائن تتألف أعضاؤه من نص «الجواشن» لقاسم حداد وأمين صالح، ومسرحية لغادة السمان.
فتجربة «تلك الصغيرة التي تشبهك» -وهي التجربة الأولى لي على صعيد كولاج النص أيضاًـ كان حضورها المكاني حاضراً بشكل قوي، أجدني الآن وأنا أراقب تلك التجربة بأنها كانت تجربة مهمة بالنسبة لي، أقول مهمة ولا أقول رائعة أو جيدة، كانت مهمة لتضعني على حافة الأسئلة التي يمليها علي الممثلون والمكان، وما يمليها علي نص العرض الذي أكتبه للعرض .
إن حضور السعداوي في تجربتي الإخراجية قوي بحكم علاقتنا اليومية المستمرة، فالسعداوي بقدر ما كان مخرجاً إلا أنه كان معلماً أيضاً، وأعني بكلمة المعلم هنا أنه كان أباً روحياً إن صح التعبير، فالسعداوي لا ينحت لك الطريق إنما يذللـه إن أمكن، يجيب على أسئلتك من خلال جسدك ومخيلتك وطبيعة قراءتك للنص، أقول النص لأن تجربة كتجربة «البرزخ» التي لم تعرض كان الرهان على النص صعبا، فلقد بدأت فعلياً بتجربة ممتعة في الكولاج.
الكولاج بالنسبة لي في «تجربة كتلك الصغيرة التي تشبهك» و»البرزخ» و»خاتون هي التي رأت» و»موت نرسيس» وغيرها كان يعني لحظة الكتابة أن الفكرة فقط هي الموجودة آن كتابة النص.. في الكولاج تذهب وحيداً ووحدها الفكرة أو وليداتها هي من ستأخذك إلى ما لم يكن في الحسبان ربما، «البرزخ» كان أيضاً نص عرض ولكنه أتاح على الأقل لمخرجين من الشباب أن يتعاملوا معه، إن تجربة «البرزخ» قادتني لمرحلة أخرى، فهم البنية الرئيسية للنص، الكتابة –وأقصد بذلك الكولاج- لا يعني أنك تفهم النص في حالة العرض، لا أشرس من لغة ونص تحبهما يوم أن تشتغل مسرحاً ولا أكثر غواية منهما، لذلك كان لازماً علي وبالتحاور مع الأصدقاء أن أعيد فهمي للنص مسرحياً.. أعيد فهمي لطبيعة الحركة التي ستتخلق العرض، ربما أسبابها ومعانيها.. وهذا لا يعني بالضبط أن أصر على أن لكل حركة في المسرح تعني شيء.. كل المعاني تخلق فيما بعد، والسؤال لا يكمن هنا بل يكمن في كيف تبنى الحركة بموازاة فهم النص، فهم مكان العرض.
ومروراً بتجربة «محاكمة جان دارك 1994» و»اللاعبون 1995» إلى توقفي عن الإخراج والتمثيل منذ 97 وحتى 2000، كانت طبيعة الأشياء تتغير في ذهني، والمشاهدات والاستفادات تأخذ منحنيات أخرى وتتجه إلى أشياء أرحب، كنت أعرف لماذا لم أمثل منذ ذلك الحين وذلك بسبب أن السعداوي شخص واحد ولا يمكن أن يستنسخ.. لكن وقوفي عن الإخراج لا أملك له جواباً حينها.. اكتشف الآن بأن تلك المرحلة كانت ضرورية، ربما أعدت في فترة الانقطاع ترتيب أشياء وحذف أشياء وإضافة أخرى منحتني على الأقل أسباباً أعيد فيها قراءة الأشياء.. أتاحت لي بأن أفهم أن المسرح هو الوحيد من بين جميع الفنون والذي يحتاج منك أن تكون كل شيء بينما أنت لا شيء».
«ثلاث بنات حريم»
وبعد كل ذلك وجدت نفسي ألهو مع ثلاث بنات أنا رابعهم في تجربة جديدة ومغايرة على مستوى النص بالدرجة الأولى، وجدت نفسي في تجربة هي الأولى من نوعها -على الأقل بالنسبة لي- في فهم طبيعة عمل الكتابة الجماعية، وهذه المرة مع موضوع شائك يتطلب جهدا وصبرا في كسر الحواجز والفواصل التي خلقتها لنا المجتمعات في طبيعة التحاور مع المرأة، إنك بذلك تحتاج لأن تبتكر الوسيلة والطريقة التي ستذهب بها أولا لمحاورة هؤلاء البنات.. وربما في حين ستتقمص جنس الأنثى لتجاري اللعبة التي يلعبها بها أربعة أشخاص.. كانت بروفات العرض أشبه بجلسات مصارحة حافظنا فيها على قدر الإمكان بخصوصيتنا كمجموعة، أنت لست مخرجاً أو كاتباً فقط، إنك أخ في حين، ومعلم في حين آخر.
وفي إجابته على سؤال للصحافي توماس وايدمار في حديث خاص مع مجلة FACTS السويسرية 2001 عن كيفية إعداد العرض، وهل تمت كتابته مع البنات، وما هي فسحة الارتجال في التجربة، وما هو أسلوبك في العمل الإخراجي، قال الرويعي: «التجربة لا تطمح للعرض التقليدي، ليس مهماً ما ينتج عن التجربة، ولكن تفاصيل التجربة كانت مهمة.. أذكر أن بدايات التجربة كانت مثيرة للغاية إذ كيف تتجاوز (كونك رجلاً) كل الأعراف والعادات والتقاليد مع بنات حديثات التجربة في الحياة، في البداية كان من الضروري كسر هذه الحواجز، ليست حواجز التنشئة البدنية للبنات أو الشخصية، كان مهماً فتح أبواب الثقة والكلام بحرية، اكتشاف متناقضات النسق الاجتماعي في تكوين المرأة محلياً وعالمياً، قضية المرأة وإن اختلفت الأوضاع أو المسميات هي قضية واحدة، وحرية المرأة لا تنبع بالدرجة الأولى من خلال حريتها في ملابسها أو التعري، هذه مسائل شخصية لا تؤكد على قضية المرأة، كانت التجربة تناقش مفهوم التحرر ومفهوم القمع والتسلط اجتماعيا، إعلامياً وسياسياً، كل ذلك له علائق بموضوع المرأة.
فتم التعرف على هؤلاء البنات من خلال كتابة سيرهن الحياتية ومناقشتها ومن ثم كتابة صور أخرى عن موضوع المرأة بجوانبها المتعددة، ناقشنا كل شيء وكتبنا عن كل شيء، حتى أصبح لدينا ملازم لمشاريع مستقبلية في مختلف المواضيع، استغرق كل ذلك قرابة الشهرين، حتى وصلنا إلى مرحلة بناء النص، فكانت العملية أشبه بنسج قطعة قماش، لديك عدد من الخيوط، بألوانها المختلفة وبأحجامها المتفاوتة، وكانت فسحة الارتجال موجودة حتى آخر لحظة بطريقة واعية لمحتوى العالم الذي نرتجل من خلاله.
في أعمالي بشكل عام لا أعتمد على قوانين محددة ومعترف بها، الفكرة أو النص أو الرؤية.. هم من يشكلون قانون العرض، أعتمد كثيراً على حضور الممثل والعمل عليه، كما يهمني الاشتغال على عين المتفرج ومحاورتها».

مسرحية «إيفا» 2001
وقال الرويعيإنه دخل في تجربة ثقيلة كـ(إيفا): «وأعني هنا بالثقل ما يرتسم في مخيلتي وما أريده ويريدونه مني الممثلين.. والمكان الذي يطاردني أينما كنت، إن هربي من أسر الخشبة ما يبرر ذهابي للأمكنة المفتوحة، ففي هذه التجربة كان حضور سينوغرافيا المكان والممثلين ركيزة مهمة في التجربة.. فبدأت أعرف قيمة التعامل مع الممثل.. لا تتركه.. وإن كان جيداًَ.. فالإصرار والتأكيد على أهمية الدور لا يعيه الممثل أحياناً لذا وجد المخرج.. تحركاته وانطلاقاته يجب أن تكون حرة ويجب عليك أن ترى كل ذلك لتعرف إلى أين وكيف يفكر الممثل معك.. دعه يرتبك في حين وييأس في حين آخر.. كل ذلك سيوصلك حتماً إلى ما تريد منه».
وقالت د.نهى بيومي في دراسة لها عن مسرحيتي (ثلاث بنات حريم) و(إيفا): «يبدو جلياً أن الرويعي في مسرحية «إيفا» اهتم بالوضعية السياسية التي يعيش في ظل أحكامها الناس، وبتعقيدات العاطفة والسياسة، وبتداعيات هذه الوضعية النفسية وأثر ذلك على عيش الناس وسلوكياتهم، حيث اعتمدوا «التكرار القهري» كآلية لإثبات الاختلاف لكن عن طريق التماثل. تكرار لا يحل المشكلة بل يعينها. بينما اهتم بالوضعية الثقافية/الاجتماعية/التربوية في مسرحية «ثلاث بنات حريم» وتداعياتها على المراهقات في فضاء حيوي يفتقر للترابط والتعاضد الضروريين للمراهقة كي تكتسب ثقة بالنفس، فتتجاوز بيسر عتبة المراهقة نحو النضج. وهذا يدل إلى صعوبة أن نكون مراهقات في هذا المجتمع.
اعتنى الرويعي في هندسة الفضاء بصرياً وبالمؤثرات الصوتية والضوئية والأداء الجسدي والحسي للممثلين، أي في سبل إبراز طاقات الممثلين الجسدية والتعبيرية. فبدت مسرحية «إيفا» متماهية بمسرح القسوة لأرتو حيث تتلاحق إشارات الممثلين حول العنف النفسي والعنف في الأفعال، فنرى دراما العنف في ذروتها كعلامة من علامات حمق البشر ونزوتهم العدوانية، ونرى عالماً ينقصه التوازن والفرح والأمل. وجاء ذكاء المخرج من طاقته الرافضة للعنف التي نشرها في مسرحيتيه، ومن عمله على «السلبي» بشكل مباشر لا يحتمل التأويل. ذلك يجعل حماقة البشر تنكشف في كل اتجاهاتها الثقافية/الاجتماعية/السياسية. هذه المشهدية التي تظهر العنف وتخفي الحب، يدعها تظهر التوتر والاندفاع الكامل نحو السلبي وصولا إلى الجريمة (مسرحية إيفا). لكن لولا هذه السلبية هل كان من فرص لولادة طاقة أخرى نقيضة لمواجهة العنف التدميري؟ إذ حين يتمدد حقل المأساوية فإنه يستدعي تمدد حقل الخجل، حيث يشعر المسرحي في داخله بالخجل والمهانة أمام هذه الوقائع، وكذلك يفعل بدوره المشاهد. هذا الخجل هو الذي يوسع دائرة النقد والتغيير والابتعاد عن نزوة الموت».
وكتب د.عبدالرحمن بن زيدان عن العرض يقول «.. ومن النفق إلى فضاء العرض، كان السؤال المطروح على المخرج خالد الرويعي هو كيف يعطي معنى جديداً كمساحة شاسعة غير محددة دلالياً؟ بل وكيف يجعل هذا الفضاء يدل بمستوياته المتراكبة على عمق التجربة الإخراجية القائمة على خلخلة عمق النص اللغوي لتوليد عمق نص العرض دراماتورجيا؟ لقد لعب المتخيل التشكيلي في الاخراج دوره الفعال في توسيع القدرة المدهشة في فضاء اللعب المسرحي، وكان المخرج يعمل على تقديم مسرح شامل يشمل الرؤية الجمالية في حوار العلامات، وكان يفتح متخيل المتلقي على النظام البصري لهذه العلامات، لأن هذا النظام يعد بكل المقاييس صلب العملية الإخراجية».
وتوالت بعدها تجارب الرويعي الإخراجية حيث مسرحية (حب بطعم الشوكولا) و(أخبار المجنون) و(المحمل) و(درب المصل) التي تتناول للمرة الأولى في تاريخ المسرح البحريني معاناة مرضى السرطان، ومن ثم مسرحية (أرض لا تنبت الزهور) التي قدمها الرويعي العام الماضي.

بوكسات
- عائد للتو من مسرحية «أخبار المجنون» للمخرج خالد الرويعي، تتداعى في ذهني الخواطر والأسئلة والتأملات والمفارقات التي لا تنتهي أيضاً.
أولئك الصغار الذين كنت أداعبهم في الثمانينات وأمازحهم أصبحوا اليوم أصحاب الرؤى الأخاذة والمعالجات الفلسفية والرؤى الجمالية ومن حولهم جيل آخر من اليافعين والشبان. منذ تلك الأيام، جيل يلي جيلاً يلج فضاء المسرح. يوماً ما دونوا شعاراً على كتيب صغير لمهرجانهم يقول: «المسرح بوابة هذا الجيل». ليلة كنت أقلب هذا الكتيب وأقرأ العبارة، أشعلوا الصالة بالبهجة والحبور وكدنا نحن نقفز من مقاعدنا لنقول جملة أو اثنتين لأننا وفي لحظة ما نسينا أننا في مسرحية.
عقدان من الزمان وهؤلاء يشقون طريقهم بصمت ومثابرة ودأب عز نظيره وبجمال أيضاً: جمال الحب. حب المسرح وعشقه الذي يدفعهم للامعان في التصوف. «أليس الحب ضرباً من التصوف؟».
محمد فاضل
- اليوم وصلت العلاقة بين النص المسرحي والرؤية الإخراجية إلى حد الالتباس والتصادم، فالمخرج بمعناه الحديث يظل يملك صك العرض المسرحي الذي يعبر عن رؤيته الخاصة، ويتوارى أحياناً كثيرة كاتب النص خلف غمام هذه الرؤية. لكن يبدو أن خالد الرويعي مخرج ومصمم سينوغرافيا عرض (أخبار المجنون)، قد انجر طوعاً إلى سحر النص الذي بين يديه. الرويعي المعروف عنه تعامله مع النصوص المسرحية حد الانتهاك والتفكيك وإعادة التركيب، نصوص تتحول بين يديه إلى كائن جديد يصوغه برؤية المخرج المثقف.
عباس الحايك
- خالد الرويعي المخرج المسرحي وابن مسرح الصواري، يتجرأ ليطرح هذه الحكاية المرة من مرض السرطان، مفاجئاً جمهوره بعمله ''درب المصل '' من تأليف الروائي فريد رمضان . وبعد أن كان المسرح يرتدي في غالبية الأحيان ثوب الملهاة والذي كان الواقع السياسي والاجتماعي مجرد مكون من مكوناته السردية، أصبح هناك من المخرجين ممن يعنون أساساً بالصراعات السياسية والاجتماعية في صورة صراعات إنسانية تقلق الإنسان وتحاصره بخطورتها. ذلك هو المسرح (الواقعي) الذي يطرح القضية ويترك الآخرين ينشغلون في البحث عن علاج لها.
الرويعي فاجأ جمهوره في ليلة العرض، ليلة الثلاثاء 28 من يوليو وعلى صالة وزارة الإعلام (الصالة الثقافية) بعد أن اختار كل واحد من الجمهور مقعده استعداداً لمشاهدة العرض. إذ يفاجئهم الرويعي بدعوتهم إلى ترك مقاعدهم والتوجه لصالة العرض، حيث عدت لهم مقاعد جديدة فوق موقع العرض، ما جعل الجمهور يستغرب من هذه الحركة.
لكن الرويعي كمخرج مدرك لهذا الانتقال، الذي أراد منه في اعتقادي أن يضم الجمهور معه في قوة الحدث، وأن يتفاعلوا مع شدة الألم الذي يجسده العرض من خلال طرحه للمرض.
وهذا التغيير في اعتقادي، هو فن مسرحي، يترك المشاهد في معمعة الألم ما أنجح خطة المخرج وترك القضية كألم لن يستطيع أي مشاهد للعرض الفرار منه.
علي الستراوي
- في ديوان (أنظر.. ولا أحد) سنقف على النهايات الواحدة... «وأنا أنظر»، فيما يشبه الهامش الذي اتخذته نصوص «يقول الناظر»، وهو في حقيقته نص واحد. كأنها الشرفات أو الكوّات التي يطل من خلالها على موضوع النظر وحركته وتحولاته؛ وأحياناً سكونه. كأن اختيار ما يشبه الهامش تحايلاً من الرويعي لتحطيم ونسف التمايز بينهما. كأن ما يبدو هامشاً هو المتن؛ من دون أن يمتد الأثر العكسي على المتن ليتحول هامشاً.
ثمة وحدة تتجاوز الموضوعية التي نعرف؛ يمكن تلمسها في أكثر من مستوى؛ بدءاً باللغة، والصورة، والمجازات، والاستعارات، وحتى الإحالات التي بدت في جوانب من النص.
التجربة محاولة اقتراب من نص صوفي. نص غامر، ومن المتعة قراءته.
جعفر الجمري
خالد الرويعي في سطور
- أديب وفنان.
- رئيس الصالة الثقافية بوزارة الثقافة (2011 - 2014).
- مدير فرقة البحرين للموسيقى (2011 - 2014).
- القائم بأعمال مدير إدارة الموسيقى والمسرح (2010 - 2011).
- رئيس قسم البرامج - تلفزيون البحرين (2010).
- معد أول - تلفزيون البحرين (2010).
- رئيس قسم الثقافة والفنون - جريدة الوقت (2005 - 2009).
- رئيس مجلس إدارة مسرح الصواري (2005 - 2009).
- رئيس لجنة الإعلام والاتصال بجمعية الصحافيين 2009 - 2011.
- عمل في الصحافة كمخرج فني وصحافي منذ النصف الأول من التسعينات (صدى الأسبوع - أخبار الخليج - الأيام - الوقت).
- كتب وأخرج العديد من المسرحيات والبرامج التلفزيونية والأفلام.
- شارك في العديد من المهرجانات المحلية والعربية والدولية كمنظم ومشارك ومحكم.
مؤلفاته المنشورة :
- (درس النور) .
- (الإنترنت بوصفها نصاً) .
- (هدوء ليس إلا) .
- (التكنولوجيا في العرض المسرحي) تأليف مشترك.
- أحجار الماء - كتاب مشترك مع الشاعر علي الشرقاوي.
- غازي القصيبي.. في ذكراك.. يورق الغيم فيسرح عند بابك.
- محمد البنكي.
- (أنظر.. ولا أحد).
- عبدالرحمن رفيع.. الحكاية في لقطة شعر.
الجوائز:
- المركز الأول في مسابقة القصة القصيرة التي رعتها المؤسسة العامة للشباب والرياضة 1992.
- المركز الأول في مسابقة التأليف المسرحي التي رعتها المؤسسة العامة للشباب والرياضة عن مسرحية رائحة (سراديب) 1996.
- حاصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان الفيديو الأول للشباب الهواة فيلم «رؤيا» 94.
- جائزة المؤثرات الموسيقية في المهرجان الخامس للأندية الوطنية عن مسرحية «محاكمة جان دارك» 94م وهي من إخراجي.
- جائزة السينوغرافيا عن مسرحية (إيفا) المهرجان الخليجي - قطر 2001.
- جائزة السينوغرافيا عن مسرحية (حب بطعم الشوكولا) - البحرين 2004.
- الجائزة الأولى عن كتاب (درس النور) - البحرين 2004.
- جائزة لجنة التحكيم الخاصة لمسرحية (حب بطعم الشوكولا) - البحرين 2004.
- جائزة السينوغرافيا عن مسرحية (أخبار المجنون) - البحرين 2005.
- جائزة أفضل إضاءة عن مسرحية (القفص) مهرجان المسرح المدرسي الخليجي.
- جائزة السينوغرافيا عن مسرحية (سرور) - البحرين 2006.
- الجائزة الثالثة في مسابقة التأليف المسرحي عن مسرحية (قرة العين) - البحرين 2007.