^ هعبر البيئة الافتراضية “virtual environment” يمارس الخليجيون دورهم الجديد في العالم العربي لخدمة ما يؤمنون به سياسياً، وقد نجحوا في كسب احترام الشارع لدفاعهم عن حقوقه وكرامته دون أن يكون لهم جيوش سوى محطّات التلفزيون النافذة، وبالفضاء والإنترنت وبوسائل الإعلام التقليدية، وهي أسلحة ما يعرف بالقوة الناعمة “Soft power”. فهل من صالحنا أن يبقى الدور الخليجي الجديد حبيس هذه البيئة الافتراضية؟ قد لا يتقبل المزاج الخليجي التلميح أن دورنا الجديد ليس إلا مناورة في بيئة إفتراضية، لكن من قال إن العمل ضمن البيئة الافتراضية نقيصة أو أضغاث أحلام لا تغير على أرض الواقع شيئاً! وهل وصف الدور الخليجي بذلك سيكون ذريعة لرجال عصر ما قبل الربيع العربي في دمشق وطهران وصنعاء للتقليل من شأن هذا الدور رغم أن الأمور مرهونة بخواتيمها. نراهن في الخليج على العالم الافتراضي “virtual world” لأن قوة دول الخليج المتحصلة حديثاً عبره هي هروب إيجابي من عالم وجدت نفسها عاجزة عن رسم أفقٍ جديد هي فيه الأصغر والأضعف والأقل سكاناً والأكثر انكشافاً استراتيجياً، ومن المفارقات أن التحليق الخليجي في العالم الافتراضي كان بدوافع عربية. فلولا شاب وحيد من عالم افتراضي لما نجحنا في ارتياد ذلك العالم. فقبل البوعزيزي وعلى يد رائد المقاومين في الفضاء الافتراضي (زهير يحياوي) الملقب بـ “التونسي” تشكل أول عالم افتراضي تحول فيه الإنترنت إلى سلاح في مواجهة طغيان بن علي الذي قتل يحياوي عام 2001م، ثم تكون في نفس المجرة عالم خالد سعيد الافتراضي، وكان كالبئر التي فارت منها السيول في الإسكندرية لتغمر ميدان التحرير حاملة قارب أسماء محفوظ؛ الفتاة التي أنجبت يوم الغضب قائلة “أنا مش خايفة وسأخرج يوم 25 يناير”. وتجدر الملاحظة إلى أن العالم الافتراضي الذي لا يراه رجال عصر ما قبل البوعزيزي كان قادراً على أن يكون حاضناً للاقتصاد والمال منذ قرن، حيث إن الاقتصاد الإنتاجي الحقيقي لم يكن شكل الاقتصاد الوحيد منذ عقود، بل إن بورصة نيويورك ولندن وطوكيو هي الواقع الافتراضي للمال الوهمي، وأقطاب ذلك العالم الافتراضي في الاقتصاد المعلوماتي كانت مؤشرات داوجونز، ناسداك وفوتسي 100. لقد صار هناك لا اقتصاد افتراضي، فحسب بل تعليم ومدارس افتراضية في قرى المكسيك، وحروب افتراضية بهجوم افتراضي ودفاع افتراضي، ففي الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية الحالية لم تعد العقيدة القتالية تقضي أن يتمكن الجيش الأمريكي من الانتصار في نزاعين كبيرين في وقت واحد، بل على منع خصم ثان من تحقيق أهدافه فقط، وفي ذلك تراجع في غطرسة البنتاغون، لكنها العقيدة الجديدة ركزت في محاور عدة على العالم الافتراضي، وعلى حتمية النجاح في صد الهجمات التي يتعرض لها عالمها الافتراضي، كما إن استخدام العالم الافتراضي من قبل البنتاغون قد قطع شوطاً كبيراًً بإنشاء قيادة للحرب الافتراضية أو حرب الإنترنت “USCYBERCOM “ودورها توحيد قيادة عمليات الحرب التي تجري في الفضاء الافتراضي كما تنظم موارد الإنترنت، بل وإدارة معركة كاملة تخرج فيه الطائرات بدون طيار من العالم الافتراضي في أجهزة حواسيب البنتاغون لتدك معاقل حقيقية لطالبان دون مشاركة جندي أمريكي واحد، وليست أمريكا وحدها من يجهز المسرح للمعارك الافتراضية، فمن جوانب سباق التسلّح الافتراضي حرب المعلومات، فقد عزل الهاكرز الروس جمهورية أستونيا عن العالم عام 2007م. ولتتجاوز قلب الإنترنت في أمريكا أخذت الصين تحمي نفسها بتنفيذ نطاق عناوين علويّ للإنترنت باللغة الصينية. بعد تحطيم الخليجيين للأقفال المقدسة حول مركز الثقل العربي ونقله إلى ضفاف خليجهم في عاصفة افتراضية، لابد أن نتذكر أن بورصة وول ستريت انهارت في الخميس الأسود 24 أكتوبر 1929م جراء انهيار الاقتصاد الافتراضي بسبب الفرق الشاسع بين قيمة السوق المالية المرتفعة جداً وقيمة الاقتصاد الحقيقي، والدور الخليجي الجديد يتطلب حتى لا ينهار أن نقوم بإرسال صناديق بنادق M16 إلى الجيش السوري الحر من أجل أن يدافع عن نفسه ضد العنف الذي يمارسه النظام، تطبيقاً لخطة المبعوث العربي والدولي كوفي عنان، بنفس قوة ضوضاء موسيقى نشرات أخبارنا في قناة الجزيرة وقناة العربية وبنفس زخم حراكنا في البيئة الافتراضية.